«الشركات» أمام خيارين: اللجوء للبند الجزائي أو التمهل لتسوية وضع المياومين
كتب كامل صالح في جريدة السشفير بتاريخ 2-6-2012
يدخل بدءا من اليوم، عنصر جديد إلى ملف العمّال المياومين وجباة الاكراء في «مؤسسة كهرباء لبنان»، يتمثل وفق «عقد التشركة»، باستلام «شركات مقدمي الخدمات» (sp) الثلاث قانونيا، مديرية التوزيع في المؤسسة. لكن، وفق معطيات توافرت لـ«السفير» من مصادر متابعة للملف، تبدو عملية الاستلام في ظل الوضع الراهن، على عتبة مرحلة ضبابية، تتقاطع فيها العديد من العوامل، أبرزها: - يمنع الاعتصام المتواصل للمياومين وجباة الاكراء منذ أكثر من شهر، الشركات من مساحة مريحة لمتابعة تفاصيل وضع المؤسسة وطبيعة سير العمل، والأقسام والموظفين. - يشغل المعتصمون بين 50 إلى 90 في المئة من أقسام مديرية التوزيع، وهم موزعون بين الأعمال الإدارية، والصيانة وتركيب الأعمدة والمحولات ومد الكابلات، والجباية، والنظافة والحراسة... وغيرها. وعلى الرغم من توقيع البعض منهم العقود مع الشركات، يبقى المحرك الأساس للمديرية شبه معطل نتيجة الاعتصام. ومن هنا، تبدو هناك استحالة تمنع الشركات من تسيير العمل في المديرية، استنادا إلى واقع الأمور. - لم يعد تحرك الشركات على الأرض، وممارستها المزيد من الضغوط، عاملا مؤثرا في مصلحتها، بعدما قُلبت الطاولة في وجهها ووجه وزارة الطاقة والمياه الوصية على المؤسسة، إذ طرح ملـــف تثبيت المياومين في المـــلاك، ضمن جدول أعمال «اللجان النيابية المشتركة»، وسحبه من «لجنة الإدارة والعدل»، قبل أن يصل إلى «لجنة المال والموازنة»، تمــكن ترجمته فعليا بتــعليق مفاعيل عملية الاستلام قبل بت مجلس النواب في وضع العمّال المياومين والجباة. وتؤكد مصادر «لجنة المتابعة للعمال المياومين والجباة الاكراء» لـ«السفير»، أنها تلقت وعدا من جهة وزارية، أن «الشركات لن تدخل المؤسسة، قبل البت في ملفهم في مجلس النواب»، وذلك على خلفية ما حدث أمس الأول، عندما استفزت الشركات المعتصمين، وحاولت اخراج فواتير الجباية من المؤسسة، ونقلها بسيارة سياحية (مستأجرة).
المخاوف تصل إلى الموظفين الثابتين
يضاف إلى ذلك، أن أجواء الموظفين الثابتين في المؤسسة، لا تخلو من طرح أسئلة تنمّ عن مخاوفهم الجدية من استلام الشركات المؤسسة، «فالقصة لن تنتهي مع ملف المياومين، بل هي ذاهبة قريبا، إلى حركة ربما تكون شبيهة باعتصام المياومين والجباة المفتوح»، وذلك نتيجة «ارتياب الموظفين من عقود الشركات غير الواضحة والمبهمة في العديد من البنود»، فضلا عمّا «تتضمنه جداول الشركات من مبالغات باتت مفضوحة، حول الأكلاف الباهظة للخدمات التي كان ينفذها المياومون بأكلاف أقل بكثير، فتأهيل المنطقة التي كانت كلفتها مليوني دولار، ستصبح مع الشركات 40 مليون دولار». أمام هذه المعطيات التي حوّلت هذا الملف المطلبي العمّالي إلى «ملف متفجر»، خصوصا بعدما تجلّى أخيرا، التجاذب السياسي القوي بين عدد من الأطراف، تلحظ المصادر أن «الشركات أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما لجوؤها إلى القضاء، لالزام الحكومة دفع البند الجزائي في العقد الموقع، وذلك لعدم تمكينها الشركات من استلام المؤسسة، فضلا عن تعريض استثماراتها للخطر، أو أن يُطلب من الشركات الاستمهال، فتخرج بتصريح مفاده: تحســسا منها بالوضــع الذي تمرّ به المؤسسة، تمنح الحكومة مهلة جديدة، ربما شهرا أو أكثر، للالتزام بمــا نصّ عليه العقد من ناحية موعد الاستلام، مــتمنية عليها الاسراع في بت الملف». وترجح المصادر أن «تلجأ الشركات إلى الخيار الثاني»، والسبب أن «الاستفادة المادية التي ستجنيها من امتياز إدارة خدمات المؤسسة، كبيرة جدا، فضلا عن ذلك أن عامل الاستفادة لا يقتصر عليها، بل يرتبط بجهات أخرى، لن تألو جهدا في الدفاع عن مصالح الشركات وتمكينها من استلام المؤسسة».
المعتصمون: من يدير الحكومة؟
في المقابل، يبدي المعتصمون استغرابهم من الدور الذي يؤديه وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، «كأنه أصبح هو من يدير الحكومة، والدليل تمكنه في أقل من أسبوع، من تحريك وزارات الدفاع والداخلية والعدل والعمل لقمع احتجاجهم على عدم تثبيتهم في ملاك مؤسسة يخدمونها منذ 20 سنة»، سائلين: «لماذا يسعى باسيل جاهدا إلى كسرنا واحباطنا قبل أن تستلم الشركات المؤسسة؟ لماذا نتحمل وحدنا، مواجهة خصخصة المؤسسات الحكومية، وعناد باسيل، والتجاذبات السياسية، والأوضاع الأمنية، في ظل غياب شبه تام للقطاعات النقابية والعمّالية كافة، ألم يسمعوا بالمثل القائل: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض؟». لكنهم يستدركون: «الطبخة أصبحت مفهومة... ولن ندع أحدا يسلبنا لقمة عيشنا أو يذلّنا. ومن هنا، وقبل أن نعرف مصيرنا في المؤسسة، لن تدخل الشركات إلا على أجسادنا»، مضيفين «لن نعود إلى الوراء، ونحن مستمرون باعتصامنا المفتوح». وتفيد مصادر «لجنة المتابعة للعمّال» في الجنوب، أن «قرار العمّال هو نفسه في كل المناطق، وهو عدم تمكين الشركات من استلام المؤسسة قبل تسوية أوضاعنا قانونيا»، مشيرة إلى أن «العمّال يبنون آمالا عريضة على جلسة اللجان النيابية المشتركة يوم الاثنين المقبل، فهم ينتظرون أن تقرّ اللجان زيادة عدد الذين يحق لهم التثبيت في ملاك المؤسسة وفق مباراة حصرية، أو أن تسير بالمشروع الذي أقرّته لجنة الأشغال والعامة والطاقة والمياه، والقاضي بتثبيت من تتوفر فيه الشروط القانونية». وعلى الرغم من اجماع المعتصمين على عدم رغبتهم في ايصال الأمور إلى ما وصلت إليه، يبدون ارتياحهم للمستجدات الجديدة، ويقولون لـ«السفير»: «إن احالة مشروع تثبيتنا إلى اللجان خفف من الاحتقان والقلق، كذلك ما توافر لنا من معلومات، أن الشركات لم تتمكن طوال الفترة السابقة، من الحصول على المعلومات اللازمة التي تمكنها من استلام مديرية التوزيع». وبينما لم يتضح موضوع الاستنابات القضائية بحق المعتصمين، وما هي الأسماء التي ستتضمنها، تبلغت «مصلحة القضايا في مؤسسة كهرباء لبنان» الدعوى القضائية التي رفعها جباة الاكراء ضدها لعدم تثبيتهم، وذلك استنادا إلى إنذار تلقته إدارة المؤسسة من «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، لاهمالها تسوية وضع العاملين لديها، ومطالبته المؤسسة بدفع المستحقات المتوجبة عليها للصندوق.
«اتحاد الشباب الديموقراطي»
من جهة أخرى، دعا «اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني» إلى «مشاركة مياومي الكهرباء في اعتصامهم، وذلك عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، أمام مركز المؤسسة في كورنيش النهر»، وذلك «لأن المياومين والجباة أصحاب حق، ولأن قانوني العمل والضمان الاجتماعي يعطيان الحق للمياومين والجباة بالتثبيت في المؤسسة بعد 3 أشهر من تشغيلهم، والتعويضات العادلة في حال صرفهم، بينما مضت على وجود المياومين في المؤسسة عشرات السنين... ولأن وزير العمل سليم جريصاتي هدد وتوعّد المعتصمين في المؤسسة. ولأن باسيل زوّر الحقائق. ولأن عمّال الكهرباء ينفذون أكبر تحرك نقابي عابر للطوائف والمذاهب منذ ما بعد الحرب الأهلية حتى اليوم». وفي السياق نفسه، أعلن «اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية» عن رفضه «النظام الأمني الذي قرر مواجهة المياومين»، مؤكدا دعمه ووقوفه إلى جانب العمّال، دفاعا عن الحرية العامة والنقابية والديموقراطية».