اخبار متفرقة > الحكومة تضع الناس في مواجهة الموظّفين
دسّ الزيادات الضريبيّة في مشروع قانون تعديل سلاسل الرتب والرواتب للقطاع العام
حذرت هيئة التنسيق أمس من إمرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب كما أحيل من وزارة المال (مروان بو حيدر) يبدو أن الدولة ستبقى من دون قانون للموازنة العامّة السنوية، فمجلس الوزراء يبدأ في جلسته غداً مناقشة مشروع قانون تعديل سلاسل الرتب والرواتب... المفارقة أن هذا المشروع يتضمن 37 مادّة من أصل 60 لزيادة أو تعديل الضرائب والرسوم بذريعة تمويل الكلفة الهائلة لزيادة رواتب الموظّفين والمتقاعدين، والمقدّرة بنحو 2258 مليار ليرة سنوياً كتب محمد زبيب في جريدة الاخبار بتاريخ 26-6-2012 يبدأ مجلس الوزراء في جلسته غداً مناقشة مشروع قانون يرمي الى رفع الحد الأدنى للأجور وإعطاء زيادة غلاء معيشة وتعديل سلاسل الرتب والرواتب للموظّفين في الإدارات العامّة والأسلاك المختلفة والمؤسسات العامّة غير الخاضعة لقانون العمل، وكذلك تصحيح أجور المتعاقدين والمياومين والعاملين بالساعة ورفع المعاشات التقاعدية... هذا المشروع سيثير عاصفة من ردود الفعل والتحذيرات، نظراً إلى كلفته الباهظة المقدّرة بنحو 2258 مليار ليرة سنوياً كحدّ أدنى، ونظراً إلى تضمينه إجراءات ضريبية مرفوضة من فئات واسعة، ولا سيما زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 12%، ونظراً إلى وجود ملاحظات واعتراضات عدّة من روابط الموظّفين والمعلّمين والأساتذة على المشروع، ولا سيما لجهة اعتماده مرحلتين لتطبيق الزيادات: الأولى تمتد من شباط حتى تموز من هذا العام، وسيجري فيها منح المعنيين زيادة غلاء معيشة (أو سلفة على تعديل سلاسل الرتب والرواتب)، والثانية تبدأ من أول آب المقبل، إذ سيتم تطبيق التعديلات على السلاسل من دون أي مفعول رجعي. وبعيداً عن أحقية مطالب هيئة التنسيق النقابية وحق الموظّفين الثابت بتصحيح أجورهم، إلا أن مشروع القانون يبدو سخياً حتى بالمقارنة مع ما كان يتوقعه الجميع، وهو لذلك يمكن أن يؤدّي الى ما يسمّى «تصادم مصالح» إذا أقرّ هذا المشروع بصيغته المطروحة، فمعظم الخبراء، الذين تسنّى لهم الاطلاع على مضمون المشروع والنقاشات التي أحاطت به، استعادوا أحداث عام 1991 عندما أقرّ مجلس النواب قانون تعديل سلاسل الرتب والرواتب وزاد كلفتها بمعدّلات تماثل المعدّلات المطروحة حالياً. يومها تحمّلت الفئات الضعيفة كلفة قاسية جدّاً لم تعوّض حتى الآن نتيجة الانهيار النقدي وزيادة حدّة تركّز الثروات وغلبة الوظائف التوزيعية المشوّهة التي فرضتها مصالح القوى السياسية النافذة. فما يحصل منذ ذاك التاريخ أن القوى المسيطرة رسّخت مصالح خاصة في مواجهة أي مشروع أو توجّه «إصلاحي» للدولة وإداراتها وبنية إنفاقها ونظامها الضريبي المختل وغير العادل وبنية الاقتصاد المرهونة للأنماط الريعية والهجرة والتحويلات الخارجية وأنظمة الحماية الاجتماعية القاصرة عن أي حماية! يقول أحد هؤلاء الخبراء إن النتائج اليوم قد تكون أفظع من السابق نظراً إلى احتمالات تضخّم الكلفة أكثر بكثير مما هي مقدّرة في ضوء الشهية المفتوحة لتثبيت آلاف المياومين والمتعاقدين والمتعاملين في ملاكات الوظيفة العامّة، من دون أن يترافق ذلك مع أي خطّة تهدف الى إعادة الاعتبار للوظيفة نفسها ولدور الدولة الممثّلة بإداراتها وأسلاكها وأجهزتها. ويكتفي هذا الخبير بطرح أسئلة مقلقة: هل مشروع القانون بصيغته المطروحة هو مجرد عمل انتخابي؟ أم هو نتيجة غباء وانعدام مسؤولية؟ أم هو جزء من خطّة سوداء تهدف الى فرض تغيير بعض الوقائع السياسية على الأرض؟ ومهما كان احتمال الإجابة عن هذه الأسئلة، فإن الثابت في مشروع القانون المطروح يمكن تلخيصه بالآتي: _ إن إقرار مشروع القانون المطروح سيضع الناس في مواجهة الموظّفين، وسيجعل من معارضة بعض الفئات للإجراءات الضريبية، بما في ذلك معارضة اللوبيات المصرفية والعقارية والتجارية للإجراءات الهزيلة التي تصيبها، تبدو كأنها معارضة لزيادة رواتب وأجور الموظّفين العامّين... وقد يكون هذا الهدف واحداً من أهداف دسّ الإجراءات الضريبية في مشروع يتعلّق بتعديل سلاسل الرتب والرواتب، وبالتالي دمج النقاش بين حق الموظّفين والمعلمين بتصحيح أجورهم، وبين تأمين التغطية عبر زيادة الضرائب التي تشمل الفئات الضعيفة الواجب حمايتها في مثل هذه الحالات. _ إن الزيادات التي تنطوي عليها السلاسل الجديدة تصل الى معدّلات تبلغ 99% على أساس الراتب، مع زيادة قيمة الدرجة لبعض الفئات بنسبة 278%... وفي التفاصيل، هناك ما هو أشد وطأة من ذلك، ما يوحي بأن أصحاب المشروع ومن وافق عليه يكيلون بمكيالين، فهم تصرّفوا إزاء مشروع تصحيح الأجور في القطاع الخاص كمن يدفع من كيسه، فحرموا الأجراء من المكاسب التي كان سيمنحها لهم مشروع وزير العمل المستقيل شربل نحاس، وعمدوا الى الاستجابة لمصالح أصحاب العمل بوصفها تجسّد مصالحهم... إلا أنهم في الحالة الراهنة يتصرّفون كمن يريد أن يوزّع المال العام عشية الانتخابات النيابية، ولكن من كيس الذين حرموا من مكاسب تصحيح الأجور في القطاع الخاص، وذلك عبر زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12% ورسوم السيارات وفرض رسم بنسبة 4% على المازوت، فضلاً عن زيادة الضريبة على ربح الفوائد من 5% إلى 7%، ترفضها المصارف، وفرض ضريبة التفافية لصالح المضاربين على أرباح وإيرادات البيوعات العقارية بنسبة 4% على إيرادات بيع العقارات المملوكة قبل عام 2009 و15% على الأرباح الناتجة من البيوعات للعقارات المملوكة بعد عام 2009. _ إن كلفة الزيادات على الرواتب في مشروع القانون المطروح ليست محددة بدقة، وهي تبلغ نحو 2258 مليار ليرة في عام 2012، إلا أنها ستنعكس مزيداً من الأكلاف على بنود كثيرة، ولا سيما المعاشات التقاعدية والتحويلات الى المؤسسات العامّة والمساهمات المختلفة وضم فئات واسعة الى الملاكات الدائمة، ولا سيما في قطاع التعليم، وتطويع المزيد في الجيش والأجهزة الأمنية، وستزداد هذه الكلفة سنوياً اعتباراً من العام المقبل لتستحوذ على جزء مهم من الإنفاق العام، من دون أن يقترن ذلك بمشروع لإصلاح الدولة والوظيفة في القطاع العام وإصلاح النظام الضريبي بما يسمح لاحقاً بتخصيص جزء مهم من الموارد للاستثمار في البنى التحتية والخدمات العامة وتوفير حاجات اللبنانيين المقيمين للتغطية الصحية الشاملة والتيار الكهربائي المستقر والدائم والصرف الصحي وإيصال المياه الى المنازل والزراعة والصناعة وإقامة شبكة مواصلات فعّالة تساهم في تخفيف كلفة النقل وتحفّز إنتاجية القطاعات المولّدة لفرص العمل... _ إن القبول بتسديد هذه الكلفة، من دون أي إجراءات إصلاحية تعيد للدولة هيبتها ومشروعيتها ودورها، يأتي في وقت تزداد فيه المشاريع الرامية الى خصخصة نشاطات ووظائف كانت تتولاها المؤسسات العامّة، وهو ما يحصل في الكهرباء ويُطرح يومياً في الاتصالات والمياه والنقل والبلديات، وذلك بحجّة أن الدولة عاجزة عن تحمّل كلفة الاستثمار المجدي في هذه القطاعات، وهو ما زعمته في مواجهة مشروع التغطية الصحّية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين الذي سيكلّف أقل من كلفة زيادة الأجور في القطاع العام، ولكنه سيطاول مليوني لبناني يعيشون مخاطر المرض والموت على أبواب المستشفيات ويقبلون بامتهان كرامتهم على أبواب «الزعماء». ولا تعني هذه المقارنة الإيحاء بأن على الموظّفين أن يضحّوا بحقوق لهم بتصحيح أجورهم من أجل التغطية الصحية، وإنما الإيحاء بكيفية تصرّف المسيطرين على الحكومة اليوم، إذ إن من قاوم التغطية الصحية الشاملة هو نفسه الذي يتبنى تعديل السلاسل بالشكل المطروح وتمويلها بضرائب قاسية على الشرائح المحرومة من حقّها بالضمان الصحي! _ إن مشروع القانون المطروح لا يحاول أن يستغل الفرصة السانحة اليوم لتعديل السلاسل بما يؤمن النهوض بالإدارة العامّة عبر استقطاب الكوادر التي تحتاج إليها والمحافظة على الكوادر الموجودة والقابلة للنزف، إذ يتعامل مع موضوع الزيادة بشكل مسطّح، ولذلك ستبقى بعض المهمات المطلوبة بيد الإدارات الرديفة التي تم خلقها على مدار عقدين، حيث يتم دفع رواتب عالية جدّاً ومنافسة للرواتب في الشركات الخاصّة هنا وفي الخليج، ولكن من خارج الملاكات وبالتالي بعيداً عن الرقابة التي يخضع لها الموظفون. كما ستبقى الملاكات شاغرة وسيبقى أداء الإدارة ضعيفاً ومستوى الإنتاجية متدنياً، وسيبقى الخطر ماثلاً من تدهور المستوى التعليمي بسبب عدم إنصاف المعلّمين وتطوير سلكهم المهم ومستوى قدراتهم. بحسب ما يتبين من الجدول المنشور أدناه، تقدّر وزارة المال كلفة مشروع القانون بنحو 2258 مليار ليرة سنوياً، منها 1362 مليار ليرة لزيادة رواتب موظّفي الملاك الإداري وأفراد الهيئة التعليمية والعسكريين والرؤساء والوزراء والنواب والمتقاعدين، ولا يشمل هذا التقدير مستخدمي ومتعاقدي المؤسسات العامّة والجمارك ووزارة الاتصالات... وبقية الكلفة المقدّرة تتوزّع على بنود مختلفة تتأثر بتعديل السلاسل مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، فضلاً عن كلفة قوانين سبق إقرارها لتعديل سلاسل القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية والتي انعكست على سلاسل الفئات الأخرى... والحبل على الجرار، وكل ذلك من دون رؤية واضحة أو هدف معلن. ويقول وزير المال محمد الصفدي في تقريره المرفق مع مشروع القانون إن المشروع يقوم على الأسس الآتية: _ إجراء تعديل على سلاسل رواتب موظفي الملاك الإداري العام وأفراد الهيئة التعليمية في وزارة التربية والتعليم العالي بما يتلاءم والكلفة المقدرة التي يمكن تأمينها من الواردات التي أُدرجت في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2012، (وهي نفسها حرفياً التي دست في مشروع قانون تعديل السلاسل). _ إعطاء أفراد الهيئة التعليمية في ملاك التعليم الرسمي في المرحلة الثانوية، وأفراد الهيئة التعليمية من الفئة الثالثة في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني العاملين في الخدمة الفعلية بتاريخ صدور هذا القانون ست درجات استثنائية بعد إضافة شرط يتعلق بتعديل شروط تعيين أساتذة التعليم الثانوي وأساتذة التعليم الفني من الفئة الثالثة في المديرية العامة للتعليم المهني لجهة حيازة شهادة عليا (ماجستير) في الاختصاص المطلوب، بالإضافة الى شهادة الكفاءة، علماً بأن إعطاء هذه الدرجات الاستثنائية لأساتذة التعليم الثانوي سيزيد من الكلفة المقدرة لهذا القانون عبئاً مالياً قدره 64 مليار ليرة سنوياً. _ إعطاء أفراد الهيئة التعليمية في ملاك التعليم الرسمي الابتدائي والمتوسط في وزارة التربية والتعليم العالي، وأفراد الهيئة التعليمية من الفئة الرابعة في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني العاملين في الخدمة الفعلية بتاريخ صدور هذا القانون ست درجات استثنائية مع احتفاظهم بحقهم في القدم المؤهل للتدرج، علماً بأن إعطاء هذه الدرجات الاستثنائية يزيد الأعباء المالية على الخزينة بحد أدنى ما قيمته 138 مليار ليرة سنوياً، الأمر الذي يفوق قدرة الدولة على تحمله. _ تعديل المادة المتعلقة باحتساب الزيادة على المعاشات التقاعدية لجهة إعطاء هؤلاء 80% من نسبة الزيادة المُعطاة للموظفين في الخدمة الفعلية. ويشير الصفدي في تقريره الى أنه تم تضمين مشروع القانون بعض المواد التي ترمي الى تعديل بعض المواد الخاصة بالقوانين الضريبية كمصدر لتمويل مشروع القانون المُرفق، وأن الإيرادات المقدّرة من جراء هذه التعديلات تقدر بنحو 2090 مليار ليرة سنوياً، وهو المبلغ الذي يغطي تقريباً كلفة الزيادة المقترحة بموجب هذا القانون وكذلك الأكلاف الناتجة من انعكاساته على نفقات أخرى.