نزل الموظفون الى جانب الأساتذة الى الشارع أمس. رؤساء مصالح ودوائر رسمية. هؤلاء لم يشاركوا مرة واحدة وفي العلن في تحرك نقابي - مطلبي بهذا الحجم. فالقانون يمنع على الموظف العمل النقابي. رفعوا الصوت عاليا، مطالبين بسلسلة رواتب موحدة، ومستنكرين التهديدات الأخيرة التي أطلقت من قبل عدد من أركان الحكومة، واكتفت لافتة بشرح مدى الامتعاض من تهديدات لموظفين في بلد الحريات «بعد تهديدات الوزير البديل.. الله يسامحك يا شربل نحاس»، وقابل اللهجة التصعيدية التي أطلقت من غير وزير لهجة أكثر تصعيدا من نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض «إما أن تقر الحكومة سلسلة الرتب والرواتب خلال عشرة أيام وإمّا أن ترحل». ساحة البربير الشاهدة على الكثير من التحركات، وإن كان أشهرها في سبعينيات القرن الماضي، يومها كان تضامن العمال والموظفين وأفراد الهيئات التعليمية والطلاب هو الطاغي، وعاد هذا المشهد بهمة «هيئة التنسيق النقابية» وإن كان بصورة أصغر ليظهر في ساحة البربير وإن تغيرت ملامحها. دقائق معدودة كانت كفيلة بتغيير ملامح وجوه المتجمعين في الساحة، فقد تجاوزت درجات الحرارة عند العاشرة صباحا الـ 36 درجة، وبدأت الأجساد بالتعرق، واللافتات بالارتفاع عاليا، وسط مطالبة ببدء التظاهرة نحو السرايا الحكومية، إلا أن الهيئة المنظمة فضلت التريث حتى يتمكن القادمون من المناطق البعيدة من الوصول. يبدي أحد المنظمين أسفه لعدم تمكن أعداد كبيرة من الأساتذة والمعلمين من المشاركة، بفعل التزامهم بالصيام، وعدم قدرتهم على السفر وإلا فسيضطرون للإفطار عمدا. اللافتات التي رفعت عبرت عن المطالب مرفقة بأسئلة «ألا يستحق موظفو القطاع العام والأساتذة والمعلمون جلسة لمجلس الوزراء لإقرار سلسلة رواتبهم؟»، و«كفى ظلما وقهرا.. فقد أشبعتمونا ظلما لأعوام عدّة»، «الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عن الإضرابات والمقاطعة بعد إخلالها بالوعود والتعهدات أكثر من مرة». عند العاشرة والنصف انطلقت التظاهرة باتجاه السرايا الحكومية، وعلت معها الهتافات المؤيدة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، ووزير التربية والتعليم العالي حسان دياب، و«نحن من أشرف الناس خليك معنا يا حسان». ولدى وصول طلائع التظاهرة الى منطقة البسطا الفوقا، حتى أخذ المتظاهرون يسرعون الخطى، وعلق أحدهم «لماذا السرعة، شو معكم ميت؟». فرد عليه زميل له «جنازة الحكومة». وعند الاقتراب من منطقة الباشورة طلب أستاذ التوقف للحظات قرب المدافن، فعلا عندها الضحك وتابعوا المسيرة، ليلتقوا مع زملاء لهم كانوا ينتظرونهم في ساحة رياض الصلح، وبعدما كان الإرهاق باديا عليهم، علت الهتافات المرحبة بقيادة هيئة التنسيق، والمنتقدة للحكومة «العالم صائمة وفي الشمس وأنتم في المكاتب والتكييف». وقبيل إلقاء الكلمات، استغل البعض فيء الأشجار للاحتماء من حرارة الشمس المرتفعة، وقد اضطرت إحدى المعلمات للمغادرة بعد شعورها بوعكة وألم في المعدة بفعل عدم توافق الصيام والحر.
كلمات حادة
ورحب النقابي محمد قاسم بالقادمين من مختلف المناطق «على الرغم من رمضان والصيام أتيتم، موحدين لتقولوا ان لكم سلسلة واحدة، وتشريعا موحدا، لا فرق بين موظف ومعلم». أضاف «أتيتم لتقولوا للحكومة إن اتفاقية الـ48 التي وقعت عليها الحكومة قبل أسبوعين، تضمن حقوق الموظفين بالتظاهر، بدل تهديدنا بالمادة 15». وشدّد رئيس «رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي» حنا غريب على ان «هيئة التنسيق لن تتراجع عن مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية وإصدار النتائج ولن تتراجع عن المزيد من التصعيد حتى إقرار سلسلة الرتب والرواتب». وقال «لنا حقوق وعلى الحكومة واجبات، منها أن تقر سلسلة الرتب والرواتب وبأسرع وقت ممكن ومن دون مماطلة»، منبهاً إلى أنهم «يستخدمون معنا التأجيل علّهم بذلك ينالون من وحدة النقابة». ولفت إلى أن «هذه التظاهرة دليل على أننا مصممون يدا واحدة وقلبا واحدا من أجل انتزاع حقنا في سلسلة الرتب والرواتب»، مشددا على أن «الوعود والتعهدات لم تعد كافية»، مطالبا الأهالي بـ«التحرك السريع والضغط على الحكومة لإقرار السلسلة لأن الأمر لم يعد يحتمل». ووجه رئيس «رابطة موظفي الإدارة العامة» محمود حيدر التحية للموظفين «لأنكم لبيتم دعوتنا في هيئة التنسيق للمشاركة في التظاهرة، للتعبير عن غضبكم ورفضكم لسياسة المماطلة والتسويف المتبعة من قبل الحكومة في إقرار سلسلة الرتب والرواتب». وهدد نائب رئيس «رابطة معلمي التعليم الأساسي» كامل شيا بـ«اللجوء الى خطوات تصعيدية أكثر، منها قطع الطرق والشوارع». بدوره، قال النقيب نعمة محفوض «هدفنا إقرار ما اتفق عليه سابقا مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي». وتوجّه إلى وزير التربية حسان دياب قائلا: «لا يمكن أن تضعوا الناس في وجهنا»، مشددا على أن «هذا الأداء السيئ للحكومة هو الذي يأخذ البلد إلى المهوار»، لافتا إلى أن «من يعطي القطاع الخاص ولا يعطي القطاع العام هو الذي يخالف القانون». وأكد أنه «لا أحد يمكن أن ينتزع منا حق الإضراب المقدس»، مشددا على انه «إما أن تقر الحكومة سلسلة الرتب والرواتب خلال 10 أيام وإما أن ترحل». وشدد على أن الطلاب سيحصلون على شهادات نظيفة ومحترمة، ولن يأخذوا إفادات. وألقى أحد طلاب شهادة الثانوية العامة كلمة طالب فيها الحكومة بالإسراع في إقرار سلسلة الرتب والرواتب للأساتذة والمعلمين حتى يعودوا بسرعة الى متابعة أعمال التصحيح وإصدار النتائج. وفي الختام دعا محمد قاسم المعتصمين الى البقاء على الجهوزية، وقال «أنتم على موعد مع أمرين إما إقرار السلسلة والعودة الى التصحيح، وإما العودة الى الشارع».