500 ليرة قد تتحول إلى 40 ألف ليرة. هذه هي الغرامة المفروضة على المواطن خلال استعماله عدّادات الوقوف على جوانب الطرقات. هناك إجماع بين الخبراء القانونيين على أن هذه الغرامة مخالفة للقانون، فالنص التشريعي واضح وصريح، إذ لا يمكن فرض أيّ عقوبة أو غرامة إلا بقانون وبواسطة القضاء، لا بل هناك سلسلة من المخالفات القانونية الناجمة عن فرض هذه العقوبة محمد وهبة منذ أكثر من أربع سنوات يعمد موظفو شركة «نيد ــ دانكن» التي تشغّل عدادات الوقوف «بارك ميتر»، إلى تحرير مخالفات للمواطنين وتغريمهم بمبالغ مالية تصل إلى 40 ألف ليرة من دون وجه حق. وفي رأي الخبراء القانونيين ومصادر قضائية، فإن هذه الغرامات غير دستورية وغير قانونية... هكذا هو ملف عدادات الوقوف، الذي يعدّ مؤشّراً واضحاً على «التفلّت» التي نشهده في احترام القانون وفصل السلطات! هناك محاور أساسية تتفرّع من مشروع «عدادات الوقوف على جوانب الطرقات» المعروف باسم «بارك ميتر»؛ جميعها تتصل بسلسلة مخالفات قانونية ناجمة عن الضبط المحرّر والغرامات التي تزاد عليه، إذ لم ينصّ عليها أي قانون صراحة، كما أنها غرامة لا يمكن الاعتراض عليها، وينفّذها شخص غير محلّف، فضلاً عن أنها تؤدي إلى نتائج غير قانونية فتصيب المواطن على نحو قسري. في الواقع، فإن من يستعمل هذه العدادات يفترض أن يدفع 500 ليرة لكل نصف ساعة وقوف، وإذا تجاوز الوقت المحدّد له في البطاقة التي يشتريها من آلات الوقوف، يدفع غرامة مسمّاة «رسم بدل إضافي» بقيمة 10 آلاف ليرة، وفي حال تكرار المخالفة 3 مرات من دون سداد قيمة محاضر الضبط المحرّرة، ترتفع قيمة الغرامات لتصل إلى 40 ألف ليرة وترسل إلى إدارة الميكانيك لتحصيلها، أي أُخضع المواطن قسراً لسداد هذه الغرامة، واستُخدمت ادارة عامّة لتطبيقها من دون أن يكون هناك قانون يجيز لها ذلك. على هذا الأساس تقدّم المحامي إيلي أسود بدعوى أمام القاضي المنفرد الجزائي في عام 2008، لكن الدعوى لم تُبتّ إلى اليوم، بسبب تبديل القضاة في هذا المركز، فضلاً عن أن القاضي الحالي لا يزال ينظر في مدى اختصاصه للنظر بالدعوى. فرغم أن القضاة السابقين تجاوزوا هذه المسألة، وتقدموا باتجاه النظر في مضمون الدعوى، إلا أن هذا القاضي، بحسب المطلعين، لا يزال ينوي الاستحصال على رأي من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لمعرفة مدى اختصاصه في الدعوى. الأمر لا يحتاج إلى كل هذا التفكير. فالمواطنون مستمرّون في دفع الغرامات من دون وجه حق. وبحسب رئيس مجلس شورى الدولة السابق يوسف سعد الله الخوري، فإن محاضر الضبط المحرّرة تستند إلى المادة 48 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية لفرض غرامات على المواطنين، لكن ما يوصف حالياً بأنه رسوم بلدية، «هو في الواقع غرامة لا يمكن فرضها إلا بنص تشريعي». وفي رأي الخوري فإن هذه الغرامة «غير دستورية وغير قانونية، لأنه طالما لا يوجد نص تشريعي، فإن كل هذه الغرامات والأعمال المتصلة بها خطأ، إذ لا يمكن لأي جهة أن تفرض الغرامات إلا لقاضٍ، وهذا الأمر ينطبق على الضبط الذي يُحرّر وغرامات التأخير أيضاً». ويشير أسود إلى أن السند الأساس في الدعوى القانونية التي تقدّم بها، هو أن الضبط يستند إلى قرار صادر عن مجلس بلدية بيروت، التي «لا تقع عليها مسؤولية الطرقات في لبنان، بل مسؤولية الأرصفة، لكنها في الواقع لا تقوم باستثمار هذه الطرقات فقط، بل تلزّم شركة باستثمارها وجباية الأموال أيضاً». وتتضمن الدعوى أيضاً محوراً ثانياً يتعلق بهوية محرري الضبط، فهم عبارة عن موظفي شركة أمن، «وبالتالي ليس لديهم أيّ حق قانوني بتحرير المخالفات التي يحرّرها عناصر الضابطة العدلية، أو الشرطة البلدية الذين حلفوا اليمين أمام قاضٍ». لذلك، يستنتج أسود أن «رسم بدل الوقوف» هو «اختراع ليس موجوداً، وتصبح تسميته غرامة عندما يكون خاضعاً لمجموعة إجراءات تنتهي بعقوبات متعددة». وما يعزّز هذا الرأي، أن هناك دعوى أخرى رفعها أحد القضاة المتضررين في محكمة السير في بيروت، اعتراضاً على محضر ضبط «بارك ميتر». يتوقع أن تبتّ المحكمة القرار استناداً إلى مجموعة نقاط تتمحور وفق الآتي: ــ إذا كان المكلف اللبناني يسدّد رسوم أرصفة للبلدية، فلماذا يجبَر على سداد هذا البدل؟ وهل يمكن سكان المبنى أو سكان الحي الذين يسددون رسومهم للبلدية أن يوقفوا سياراتهم في هذه الأماكن مجاناً؟ ــ لا وجود لمرجع مختص بالاعتراض على هذه المحاضر أو المخالفات أو الرسوم الإضافية، مهما كانت تسميتها. وبالتالي، لا يمكن فرض أيّ غرامة أو رسم إضافي قبل أن يكون هناك مرجع يبتّ الظلم اللاحق بالمغبونين أو الذين ظُلموا. ــ هذه العدادات للوقوف منشأة على الطريق والأرصفة، لكنها ليست متوافرة في كل الشوارع، ويلاحظ أن هناك تمييزاً بين شارع فيه عدادات وشوارع ليس فيها، بما يعكس عدم وجود معايير عامة متّبعة لوضعها، واستنسابية ما تظلّل هذه الإنشاءات، حيث لم يلاحظ أن هناك شارعاً مصنّفاً في فئة اقتصادية مثلاً، أو شارعاً مصنفاً في فئة تجارية، وآخر مصنّفاً سكنياً للتمييز بينها، وإعطاء الجميع حقوقهم. ويجزم مصدر قضائي مطلع على قضايا السير في لبنان، بأن هذا النوع من المبالغ المفروضة على المواطنين، مهما كانت مسمياتها، غير قانونية، ويسأل: ما هو بدل الـ 40 ألف ليرة التي تفرض بعد تكرار المخالفات، ومن قرّر هذا الأمر، وعلى ماذا استند؟ ويضيف المصدر أيضاً، إن الغرامة التي تفرضها الشركة المشغلة تحصّل بطرق أقوى من أي طرق ثانية للدولة اللبنانية، فعلى سبيل المثال، إن ضبط السير الذي يحرّره الدركي للمخالفين يكون على 3 نسخ، منها واحدة تذهب إلى محكمة السير بعد فترة محدّدة، فإذا لم يبادر المخالف إلى سداد قيمة الضبط، يغرَّم بقرار من القاضي، ويبلّغ المحكوم بهذا القرار وفق طرق التبليغ القانونية. غير أن ضبط الـ«بارك ميتر» له فعالية تحصيل أقوى عندما يرسَل إلى دائرة الميكانيك ويخضع المواطن للابتزاز لأنه مجبر على سداد رسوم الميكانيك، وإلا فسيدفع غرامة أيضاً. ________________________________________ 730 عداداً عدد الآلات التي جرى تركيبها في بيروت الكبرى حتى نهاية 2011، وهناك طلبات جديدة من بعض البلديات لتركيب 204 عدادات. وبحسب مجلس الإنماء والإعمار، هناك نحو 6000 موقف مؤقت يُتوقع أن تشغّل على قاعدة «بارك ميتر» تخدم بين 8 مواقف و10. ________________________________________ نقطة البداية في عام 2000 أصدر مجلس بلدية بيروت برئاسة عبد المنعم العريس القرار الرقم 446، الذي يتضمن الموافقة على «التوجهات الأساسية لبرنامج الوقوف على جوانب الطرق في مدينة بيروت، بواسطة عدادات الوقوف الذي عرضه البنك الدولي». هذه التوجهّات تنطوي على شروط «سيادية الطابع»، وفق المعنيين، لكونها تتضمن تركيب غرف تحكّم ومراقبة، إدارة محددة وفاعلة تشرف على تنفيذ المشروع، تنظيم الأرصفة وتركيب عدادات للوقوف وإشارت ضوئية. صحيفة الأخبار اللبنانية - العدد ١٦٦٤ الثلاثاء ٢٠ آذار ٢٠١٢