كيف تواجه «شركات الخدمات» تحسين الجباية مع تراجع التغذية؟
عدنان الحاج : السفیر : 3-9-2012
ينطبق على وضعية أزمة الكهرباء في لبنان مثل «المزراب المفتوح الذي يصب في سلة أو وعاء مثقوب»، ما يتسبب بالهدر من فوق ومن تحت. من هنا كان السباق بين من يقول بسد المزراب أولاً، أو بمعالجة السلة بترقيعها لتخفيف إهدار الطاقة. المعادلة صعبة جداً في غياب الحد الأدنى من الأجهزة القادرة في القطاع العام والإدارات والمؤسسات العامة الاستثمارية على القيام بأي من الخطوتين بالجملة أو المفرق. هذا الواقع أدى إلى تزايد تردي التغذية في الكهرباء في كل المناطق إلى الحدود الدنيا التي لا توصف في بعض المناطق حيث التغذية ما زالت أقل من 8 ساعات يومياً، وهو أمر لم يكن محمولاً خلال الصيف وموجة الحر الشديد، لكن التطورات الأمنية وتخوف المواطنين من التطورات الميدانية خفضت من أصواتهم في الاحتجاج فجاءت الاعتراضات أقل من حجم الأزمة المستمرة، بانتظار وصول البواخر التي سيتأخر وصولها وتشغيلها بسبب الشبكات عن شهر أيلول الحالي. هذا مع العلم أن البواخر لن تؤمن طاقة إضافية إذا كانت مهمتها فقط تغطية نقص الإنتاج في معملي الذوق والجية. الكارثة في الشتاء بعد الصيف، هذا إذا وصلت البواخر في مواعيدها المحددة وتم وضعها على الشبكات في الوقت المحدّد، وهو أمر يفترض أن يظهر خلال الشهر الحالي لتؤمن حوالي 290 ميغاوات ولمدة 3 سنوات حسب العقود. عودة إلى السلة المثقوبة التي يصب فيها «المزراب». إنتاج الكهرباء الذي يذهب حوالي 45 في المئة منه هدراً بين الفني وغير الفني، منها حوالي 35 في المئة بسبب التعليق والسرقات والتعديات في العديد من المناطق بين الكميات المنتجة والكميات التي تجبى فواتيرها. من هنا كان الصراع في معالجة خفض العجز في الكهرباء بين ضبط الجباية والتوزيع والحد من الكميات المهدورة التي تصل كلفتها إلى حوالي 350 مليون دولار سنوياً، نتيجة الفوضى والفلتان في المناطق، وبين زيادة الإنتاج في المعامل لتلبية حاجات الناس والمشتركين أولاً، ومن ثم يتم تخصيص التوزيع والخدمات، بمعنى الصراع بين تخصيص الانتاج أولاً أم تخصيص الخدمات والجباية؟ فكان تخصيص الخدمات أولاً بمعنى محاولة معالجة ثقوب السلة مع إقفال المزراب حيث تراجع الانتاج إلى أدنى مستوياته. المهم أن التزام «شركات الخدمات» مهمة الصيانة والجباية والخدمات يفترض أن يؤمن زيادة في العائدات لـ«كهرباء لبنان» بما يقارب 4500 مليار ليرة، إذا تمكنت هذه الشركات من معالجة المخالفات والتعديات على الأرض وهي مهمة ليست بالسهلة ما لم يتم التعامل مع قوى الأمر الواقع في ظل غياب الدولة وقدرتها على قمع المخالفات. وهذه النتيجة يفترض أن تظهر خلال أربعة أشهر على الأقل، حيث يفترض أن تقوم الشركات الثلاث الملتزمة بعمليات التدريب للعمال والمياومين ومن ثم القيام مقام «كهرباء لبنان» في الصيانة والتصليحات في المناطق كافة، باستثناء منطقة طرابلس حيث امتياز قاديشا ومناطق امتيازات زحلة، وجبيل وبحمدون.
تقارير شهرية عن نتائج الأعمال
وعلم في هذا الأمر أن بعض هذه الشركات بدأ عمليات التجهيز والصيانة قبل المواعيد المحددة في العقد، ومنها من أقام مدارس للدورات التدريبية وباشر بالعمليات من العمال في مناطق شمالية شملت تأهيل عشرات العمال والفنيين خلال الأيام القليلة الماضية، بمعنى أن المراجعين من الزبائن باتوا يتصلون بالشركات بدل الاتصال بعمليات الكهرباء، كما كان يحصل سابقاً. وعلم في هذا الإطار أن مؤسسة الكهرباء ستحصل على تقارير شهرية من شركات الخدمات حول تقدم الأعمال في الجباية وعمليات الصيانة والتصليحات في إطار مراقبة الإنجازات وتلبية طلبات المشتركين كل حسب منطقته. بمعنى أوضح لقد خطت «كهرباء لبنان» خطوة جزئية على طريق الخصخصة التي يمكن أن تحسن الجباية من دون أن تعالج لب المشكلة في تعديل التعريفة وزيادة الإنتاج لتلبية حاجة الاستهلاك، والأصح كان على الدولة أن تبدأ بالزيادة أولاً لكي تظهر نتائج تحسين الجباية وإزالة التعليقات والمخالفات. والمثل الصارخ هنا هو أن نفقات «كهرباء لبنان» تتخطى اليوم 3700 مليار ليرة، في حين أن الجباية لا تصل في أحسن الأحوال إلى 900 مليار ليرة، هذا مع العلم أن تراجع الإنتاج خلال الأشهر الأخيرة سيؤدي إلى انخفاض المردود وقيمة الفواتير نظراً لتراجع التغذية إلى حدود قياسية وصلت إلى ما دون 1200 ميغاوات في معظم فترات الصيف، حيث كانت ذروة الطلب تصل إلى أكثر من 2800 ميغاوات، وهي اليوم مع بداية أيلول في حدود 2700 ميغاوات. فماذا ستكون نتائج الجباية الأولى لـ«شركات الخدمات»؟ كهرباء لبنان تدفع اليوم أكثر من 2800 مليار ليرة لفاتورة المحروقات وشراء الطاقة المتوقفة، فكيف الأمر إذا زادت كميات الإنتاج إلى الحدود القصوى مع أسعار نفط على 120 دولاراً لبرميل النفط حالياً وتعرفتها للمشتركين على برميل نفط بـ25 دولاراً؟ المعضلة هي أن أزمة الكهرباء يجب أن تبدأ بمعالجة التعرفة إلى جانب زيادة الإنتاج، وعندها يمكن التعرف على حجم تحسن الجباية والخدمات وتخفيف أعباء المواطن المرهق بالخدمة الأسوأ للسعر الأعلى. في الخلاصة يـبدو من التـطورات الحاصـلة ونتــيجة مـوازنة «كهرباء لبنان» القائمة على أساس عجز مزمن يقدر اليوم بحوالي 3000 مليار ليرة (حوالي الملياري دولار سنوياً)، تقود إلى التـأكد أنه من مصلحة «كهرباء لبنان» ألا تزيد الإنتاج في المعامل حتى لا يكبر العجز، لا سيما أن موازنة المؤسسة موضوعة على أساس برميل نفط بسعر 85 دولاراً مما يعني أن العجز قد يزيد عن المقدر له في الموازنة العامة لهذا العام والعام المقبل تبعاً لأسعار النفط. في المقابل فإن تحسين الجباية من قبل «شركات الخدمات» بحوالي 350 مليون دولار سيكون تأثيره محدودا في حال استمرار العجز الكبير في موازنة المؤسسة التي تحتاج زيادة في الإنتاجية والإنتاج مع تعديل ملحوظ للتعريفة التي تحتاج قراراً سياسياً ومالياً، لا يمكن اتخاذه في سنة انتخابية من قبل طالبي المزايدات على حساب مصــالح الناس والخزينة. عدنان الحاج