١ ك١ ٢٠٢٥ 
نبشَ وزير الزراعة نزار هاني مشروع قانون «تنظيم تجارة البذور والشتول وموادّ الإكثار»، الذي أجمع المراقبون على أنه يُضعِف استخدام البذور المحلية، ويكرّس التبعية لشركات عالمية تحتكر تجارة البذور الهجينة، ما يُهدِّد الأمن الغذائي للبنان يرزح لبنان تحت كارثة بيئية وأزمات زراعية جمّة، بسبب العدوان الإسرائيلي والجفاف، عدا إهمال الدولة المستمر. ومع ذلك، وجدَ وزير الزراعة نزار هاني وقتاً لنبش مشروع قانون قديم وإشكاليٍّ من الأدراج، يهدف إلى «تنظيم تجارة البذور والشتول وموادّ الإكثار». لكنه في الجوهر، يُفقِد لبنان سيادته على مصادر إنتاج الغذاء، في توقيت حسّاس، يتعرّض البلد فيه لضغوطٍ من كلّ حدب وصوب، وقد تصل إلى حدّ محاصرته. وهو ما يفرض أن يكون الاهتمام منصبّاً على تأمين الاستقلال الغذائي للبنانيين، لا العكس. وفقاً لمشروع القانون، إذا أراد مزارع زراعة البندورة مثلاً، يتوجّب عليه أن يحمل أولاً البذرة إلى المختبر لفحصها، ومن ثم الحصول على «ملكية فكرية» من وزارة الاقتصاد، ليتم في النهاية الترخيص له بزراعتها وبيعها من قبل وزارة الزراعة. يبدو ذلك، بالنسبة إلى المزارعين، سريالياً. فهؤلاء دأبوا على زراعة ما يحلو لهم، ويتناقلون البذور البلديّة بينهم، منذ آلاف السنين. لكن هذا ما ينصّ عليه ببساطة مشروع القانون، الذي يعرف واضعه جيداً أن المزارع لن يتحمّل هذه الإجراءات المعقّدة، وسيتوجه حكماً إلى الخيار الثاني، وهو: شراء البذور الهجينة من الشركات المُنتِجة و«يا دار ما دخلك شر». غير أن «الشر» هذا سيأتيه من مكان آخر تماماً. فالبذور الهجينة هي بذور عقيمة ولا تعيش أكثر من موسم زراعي واحد، ما يعني حاجة المزارع إلى شرائها سنوياً من الشركات العالمية المُنتِجة لها. بصورة أوضح، يكرّس مشروع القانون «الهجين» التبعية المطلقة لـ«ديناصورات» عالمية تحتكر تجارة هذه البذور، ويدفع نحو «انتحار صغار المزارعين»، وفقدان السيادة على مصادر إنتاج الغذاء. كمن يقول للبنانيين وسط العدوان الإسرئيلي المستمر وخطر استخدام سلاح «التجويع»: «افتحوا أفواهكم للخارج»! يعود مشروع القانون إلى قبل أربع سنوات، حينما تقدّم به النائب أيوب حميّد، ثم طوّره خبراء بإشراف وتمويل منظمة «سيامباري» الإيطالية، وأُحيل بعدها إلى اللجان النيابية ونام في أدراجها. ليأتي وزير الزراعة الحالي ويسحبه «عالسكت»، ويُعدّل عليه، ومن ثمّ يحيله مجدّداً إلى اللجان النيابية المختصة. لكنّ «النسخة الحالية للقانون المُقترح لا تقلّ خطورة عن التي سبقتها»، كما تؤكد سارة سلوم من «الحركة الزراعية». ونتيجة الهجمة «الشرسة» من قبل الجمعيات البيئية والمعنية بالسيادة الغذائية التي علمت بطرح مشروع القانون مجدّداً، جمع هاني أكاديميين وباحثين وجمعيات بيئية في جلسة نقاش في 6 تشرين الثاني الحالي، عنوانها «تحسين القانون». فدوّن ملاحظاتهم ووزّع عليهم استمارات لتسجيل انتقاداتهم ومقترحاتهم، ومن ثم إرسالها إليه قبل نهاية العام الحالي. الشركات الكبرى تحكم في الظاهر، يضع مشروع القانون المؤلّف من 25 مادة، آلية تنظيمية لتجارة البذور، ويحمل مصطلحات جذّابة تُوحي بأنه يدفع القطاع الزراعي نحو التطور، مثل: «براءة اختراع» و«حفظ الملكية الفكرية». وينص على وجوب الاستحصال على ترخيص لأصل البذرة، قبل زراعتها لأغراض تجارية. صحيح أن تنظيم قطاع البذور أمر ضروري، لضمان جودة الإنتاج وتتبّع سلاسل الإمداد، لكن عند النظر في القواعد والشروط الصارمة للتسجيل والترخيص، تحديداً للغرض التجاري؛ من إجراءات معقّدة وتكاليف ورسوم الفحوصات المخبرية، يُلحظ أنها أحكام تنظيمية وتجريمية تُرهِق المزارع وتهمّش منتجي البذور البلديّة وأصحاب المشاتل وتعرّض سبل عيشهم للخطر لصالح الشركات الكبرى. يدفع مشروع القانون المزارعين إلى التخلّي عن البذور المحلية لصالح الهجينة، ويضعهم تحت رحمة الشركات العالمية ويميل القانون المُقترح إلى تفضيل الأصناف التي تطوّرها الشركات التجارية على الأصناف البلديّة. فـ«صغار المزارعين، إضافةً إلى همومهم، لن يفحصوا كل بذرة يزرعونها ويسجّلونها كصنف خاص، وسيتحولون حكماً إلى شراء البذور الهجينة المُسجّلة، وأصحاب البسطات والخيم الذين يبيعون البذور المحلية البلديّة لن يصمدوا أمام منافسة كبريات الشركات. كما ستُهمَّش ممارسات المزارعين التقليدية التي تقوم على زراعة أكثر من صنف من البذور واختيار الأفضل من بينها لزراعته في الموسم المقبل»، على ما تقول عضو في ائتلاف الزراعة البيئية في لبنان، ومنسّقة البرامج في جمعية «جبال»، كورين جبور. وتضيف أنه «لطالما ضربت الشركات الكبرى البذور المحلية بسبب التسويق القوي لما تنتجه من بذور مُهجّنة، عدا تأثيرها على الصيدليات الزراعية، فانتقل عدد كبير من المزارعين إلى الهجين، ليزيد من إنتاجيته، وصارت البذور البلديّة عملة نادرة. اليوم سيزيد القانون الطين بلّة لأنه سيسمح بتبادل البذور البلديّة والأصلية على شكل هواية، لكنه يجرّم تجارتها بصورة تهدّد استمرار التداول في هذه البذور». «يفرضون علينا بذوراً غريبة» أدرك المزارع في البقاع أحمد غانم «الكارثة» التي يحملها مشروع القانون. لذا، ينكبُّ حالياً على تحضير كتاب اعتراض لإرساله إلى وزير الزراعة، مع زميله المزارع صفوان شحادة. ويقول لـ«الأخبار»: «بدهم يعطونا بذور مش بنت البلد وما خصها ببلاد الشام». فهو يعي جيداً معنى البذور المحلية الأصلية التي «تعرف هواءنا وشمسنا وبيئتنا، وتتميّز بأصالتها»، وخطورة مشروع القانون عليها. يزرع غانم 43 نوعاً من الأصناف البلديّة الأصيلة من أرز وسنديان وخروب ولزاب وزعرور وشوح وأحراج سرو وغيرها، ويحصل على «إنتاج ممتاز سنوياً من دون دعم من أي جهة». ولا «يهضم» أحمد «طلب القانون منا إذا قررنا زراعة البندورة مثلاً أن ننزل إلى بيروت، ونفحص بذرة البندورة، وقد لا يوافقون على زراعتها، ويجبروننا أن نشتري المُهجّن الملعوب فيه». لذا، أبدت «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» رأياً (سلبياً) تجاه اقتراح القانون. فهو «بصيغته الحالية، يعكس توجّهاً تقنياً وتنظيمياً ذا طابع تجاري، لكنه يغفل البعد الحقوقي والاجتماعي والبيئي الأوسع المرتبط بحقوق الفلاحين والمجتمعات الريفية، ويخاطر في تعميق الفوارق القائمة في الريف اللبناني». وعليه، حذّرت الهيئة من أن «اعتماد هذا المشروع من دون إدخال تعديلات عليه، خاصة تلك التي تحمي البذور المحلية، يكرّس هشاشة سكان الريف اللبناني، ويُضعِف مساهمة الزراعة المحلية في تحقيق الأمن الغذائي، ويزيد التبعية للخارج، في وقت يستدعي فيه الوضع الوطني تعزيز الصمود الريفي والحق في الغذاء المستدام». ويختصر مفوّض العلاقات الدولية في الهيئة، بسام القنطار، لـ«الأخبار»، الموقف بالتشديد على مسألتين أساسيتين: هما: «حقوق الفلاحين، ولا سيما في عدم الخضوع لسيطرة شركات البذور، إذ تنص المادة 17 من مشروع القانون على منع استيراد أو تصدير البذور بحجّة الأمن البيولوجي، وترى الهيئة أن هذا النص يفرض قيوداً غير متناسبة مع مبدأ حرية المزارعين في التبادل والتعاون الإقليميَّيْن». أمّا المسألة الثانية، فـ«ترتبط بإلغاء التأصيل القائم على التراث من سنة إلى سنة». فرغم ادّعاءات المدافعين عن مشروع القانون أنه يحمي البذور المحلية، يؤكّد القنطار أنه «لم نجد في القانون أي تفصيل تقني يكفل حماية البذور المحلية من التلوّث الجيني أو التهجين القسري أو الاستيلاء على الموارد الوراثية من خلال براءات الاختراع». إذاً، يقول مشروع القانون باختصار، انسوا البذور المحلية وهيا بنا إلى الهجينة. فماذا يعني ذلك؟ بحسب الحركة الزراعية، «تُعتبر البذور الهجينة غير قابلة لإعادة الزراعة بفعالية من قبل المزارع نظراً إلى «قوة الهجين» التي تتلاشى في الجيل الثاني، ما يُنشِئ نموذجاً للتبعية، ما يعني أن المزارع مجبر على الشراء سنوياً من الشركات المرخّصة لممارسة مهنة التجارة». وهذا التحوّل من الاستدامة الذاتية الموجودة في نموذج البذور المحلية (بعد الحصاد، يُعيد المزارع استخدام البذرة البلديّة نفسها التي يتوارثها منذ آلاف السنوات)، إلى الاعتماد التجاري، «يُضعِف الأمن الغذائي على مستوى المزرعة الفردية ويزيد من تكاليف الإنتاج، ويكرّس التبعية للشركات المُنتِجة للبذور». يغفل مشروع القانون البعد الحقوقي والاجتماعي والبيئي الأوسع المرتبط بحقوق الفلاحين والمجتمعات الريفية لكنّ القصة أكبر بكثير من تبعية المزارع، خاصةً أن هذه الشركات بغالبيتها خارجية، وحتى المحلية هي وكيلة شركات أجنبية كبرى. لكنّ «طريق إنتاج البذور في لبنان حتماً مرتبط بالخارج، لأنه لا تحصل زراعات للهجين في لبنان»، وفقاً لجبور. ويلفت رئيس تجمّع مزارعي الجنوب، محمد الحسيني، إلى أنّ «هناك ثلاث شركات تسيطر على 80% من إنتاج البذور في العالم. وهذا القانون يربط الأمن الزراعي بهذه الشركات، ويعطيها حصرية التداول في البذرة عشر سنوات قابلة للتجديد، بمعنى آخر يربط البلاد بأصحاب رؤوس الأموال التي تقوم على مبدأ زيادة الأرباح، وكلّما زاد الاعتماد عليها ستُرفع الأسعار، ولا تعنيها العدالة الاجتماعية». وتتعجّب جبور من طرح «اقتراح القانون الذي يهدّد بشلل الإنتاج الغذائي، في وقت يبدو واضحاً للجميع بعد الأزمات العالمية، ولا سيما انتشار جائحة كورونا، أهمية إنتاج الغذاء وخطورة ربطه بالأسواق العالمية. ونحن في لبنان لدينا خطر إضافي يتمثّل بوجودنا بجوار إسرائيل التي أعلنت بوضوح حربها على الإنتاج، وهي لذلك استهدفت بنوك البذور في غزة». وفي هذا السياق، أصدر ائتلاف الزراعة في لبنان، أكبر تحالف جمعيات محلية وناشطين في مجال السيادة على الغذاء في لبنان، موقفاً واضحاً من مشروع القانون، الذي وجد أنه «يشكّل تهديداً للسيادة والأمن الغذائي في لبنان من خلال عبودية البذور»، مشيراً إلى «حدودنا مع إسرائيل وسوريا، والعدوان الصهيوني المتكرر، واستهداف إسرائيل بنوك البذور الأصلية، وخطورة الاعتماد المتزايد للنظم الغذائية على التجارة العالمية، واستخدام الغذاء والمجاعة كأسلحة». عين إسرائيل على غذائنا رغم أن ما حصل ويحصل في المنطقة، يجب أن يكون كافياً لـ«العدّ إلى العشرة»، قبل اتخاذ أي خطوة تتعلق بالأمن الغذائي، إلّا أن الدولة اللبنانية لا تزال «على غير موجة». فـ«سيامباري» الإيطالية التي تدير مشروع القانون هي نفسها التي موّلت إنشاء بنك البذور، الذي يحتوي على بيانات البذور التي تُستخدم في الزراعة. هذا ما تطلق عليه سلوم «الاستعمار الغذائي»، فمن جهة «يتحكّم الاستعمار بمصادر الإنتاج والقرار بيده متى يصدر ومتى يتوقف عن التصدير، ومن جهة ثانية يجعل إنتاجنا عرضة لأي وباء قد يستهدفه بسهولة بعدما صارت «الشيفرة الزراعية» بيده». لتسأل: «هل الإبادة البيئية في الجنوب صدفة؟ ولماذا وضع المحتل عينه على الزيتون الصوراني المحلي وترك الزيتون الأربكينا الإسباني المنشأ؟». وتؤكّد أن هذه «سياسة الإسرائيلية قديمة، ففي عام 1982، سحب العدو الإسرائيلي مثلاً كل بذور الثوم البلدي». واستمرت السيطرة على الغذاء من خلال «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID) التي «شجّعت على زراعة الأفوكا في الجنوب، وفعلاً بدأ العمل على اقتلاع أشجار الزيتون والحمضيات لصالح الأفوكا، لأن الأخير يحتاج إلى الكثير من المياه، ولأنه يخدم الاستهلاك العالمي، إذ يحتاج كيلو الأفوكا مثلاً إلى ألف ليتر من المياه، بينما لا تحتاج شتلة البندورة إلى 50 ليتراً من المياه». وتنقل سلوم عن وزير الزراعة الحديث عن «استثمارات في الجنوب عرضها الخلجان والهولنديون علينا، علماً أن هؤلاء المستثمرين أنفسهم كانوا يعملون في غزة في زراعة الفريز والقرنفل والتوليب، وبعد الإبادة البيئية هناك يريدون نقل استثماراتهم إلينا»، متسائلةً: «هل تحوّل لبنان إلى حديقة تزرعُ ما يطلبه الخارج؟». والخطير في اقتراح القانون أيضاً أنه ينص على إنشاء لجنة فنية لها صلاحيات مطلقة في منح التراخيص، وتحديد المسموح والممنوع زراعته، وفي أي مختبر ستجري الفحوص. وبموجب المادة 13، ستكون المعلومات ذات الصلة سرية إلّا على وزير الزراعة نفسه. وفي ذلك، على ما تقول سلوم، «إبعاد للإدارات الرسمية، وإلغاء أي دور للأجهزة الرقابية التي تملك القدرة على المحاسبة ومراقبة العملية لمعرفة إذا كان الهجين سيضرب المحصول مثلاً»، مؤكّدةً «أثر الهجين الذي ظهر على المحصول اللبناني». وعندما نقل المشكّكون هواجسهم من دور اللجنة وشرعيتها «اقترح الوزير علينا عن طريق وسطاء الانضمام إليها». في الخلاصة، خطورة القانون المُقترح واضحة مثل عين الشمس، وتزيد أكثر في التوقيت الذي يُطرح فيه. وإذا كان وزير الزراعة غافلاً عن هذه الخطورة، فإن الجمعيات «نوّرته» وسجّلت اعتراضاتها مع التعليل، وأرسل المتضررون كتباً إلى الهاني بين من يطلب التراجع عن مشروع القانون ومن يطلب تعديله بشكل يحمي البذور المحلية وصغار المزارعين ويحفظ السيادة على الغذاء. وما يخشاه المعنيون الآن، «تهريب» مشروع قانون البذور في المجلس النيابي على غفلة، لما لاحظوه من ضغوطات تُمارس على هاني لإقراره بسرعة! ما هي البذور الهجينة؟ وما هي آثارها؟ تعرّف العضو في «ائتلاف الزراعة البيئية في لبنان»، كورين جبور، البذور الهجينة بأنها «ناتجة من تلقيح صنفين مختلفين، والبذرة التي تنتج من عملية التلقيح تكون لها صفات محددة مختارة مثل المناعة ضد أمراض معينة، أو حجمها الأكبر نسبياً». لكنّ جبور تلفت إلى أن «هذه البذور شبه عقيمة بمعنى أنها لا تعيش لأكثر من موسم زراعي واحد». أمّا البذور المُعدّلة وراثياً، فهي «مأخوذة من الطبيعة ويجري التلاعب في حمضها النووي DNA في المختبر، لتنتج منها بذور جديدة ليست عقيمة لكن مشكلتها أنها اصطناعية، ولا نعرف تركيبتها وما إذا كانت تحمل أثراً على الصحة». الشركات الزراعية التي تنتج البذور، بحسب جبور، «تكون شرسة في الحفاظ عليها، في إطار حماية الملكية الفكرية، فترفع دعاوى قضائية إذا حصل تلقيح لأصناف أخرى عن طريق الخطأ. وفي لبنان تمنع القوانين دخول البذور المُعدّلة وراثياً، لكنها موجودة وبكثرة ويستخدمها المزارعون كأعلاف لمنتجاتهم». وهناك كوارث بيولوجية وبيئية وصحية وثقافية وراء تفضيل الأصناف المُهجّنة تجارياً، نظراً إلى إنتاجيتها العالية، واستبدال الأصناف المحلية بها، تشرحها «الحركة الزراعية» على النحو الآتي: أولاً، تحمل الأصناف المحلية ذاكرة بيولوجية، مُمثّلّة بتعديلات جينية كوّنتها من خلال التكيّف مع الممارسات الزراعية التقليدية والظروف المحلية والمتغيّرات الطبيعية التي تعيش فيها منذ عقود. (مثل: تحمّل الجفاف، ومقاومة الآفات والأمراض والنمو في التربة الهامشية). ثانياً، أحادية المحاصيل الناتجة من الاعتماد على عدد قليل من الأصناف الهجينة المُسجّلة، بحيث تُصبح مساحات شاسعة من المحاصيل تحمل نفس الخلفية الوراثية تقريباً، وأكثر عُرضة للإبادة الجماعية في حال ظهور آفة أو مرض جديد يمكنه التغلّب على مقاومتها. ثالثاً، عندما تُزرع البذور الهجينة قرب البذور المحلية المفتوحة التلقيح (هناك آليات تلقيح خلطي طبيعية كالحشرات والرياح)، قد تنتقل حبوب اللقاح الهجينة لتلقّح النباتات المحلية. هذا التلقيح الخلطي غير المقصود يدمج جينات من الأصناف الهجينة في سلالة الأصناف المحلية النقية، ما يؤدي إلى تدهور صفات النقاوة والثبات التي تتميز بها البذور المحلية وقدرتها على إنتاج نسل مطابق للأصل. في الخارج هناك مناطق عازلة تفصل بين نوعَي البذور. أمّا في لبنان، فالمساحات ضيقة وخلال ست سنوات على أبعد تقدير سيؤدّي الهجين إلى ضرب كل المحاصيل المحلية. بالإضافة إلى ما سبق، يحذّر الائتلاف من خطورة الاعتماد على البذور الهجينة على المدى الطويل، لما ينتج منه من «استنزاف للتربة وفقدان إنتاجيتها، ما يتطلّب زيادة مستمرة في استخدام المدخلات الكيميائية، ورش السموم، في حلقة مفرغة تنتهي بتربة ميتة، ومزارعين فقراء بسبب تكاليف المدخلات الكيميائية، وصحة مستهلكين متدهورة مع انتشار أمراض كالسرطان واضطرابات هرمونية خاصة لدى الأطفال، مقابل ازدياد أرباح الشركات العالمية». وفي وزير الزراعة: اقتراح القانون خطر... ولكن لدى سؤاله عن اقتراح «قانون تنظيم تجارة البذور والشتول ومواد الإكثار»، يدور وزير الزراعة نزار هاني حول نقطة أساسية واحدة، وهي: «البزنيس»، فيكرّر اسم «أنيس حداد»، صاحب شركة «SEED BOUND» التي تنتج البذور المُهجّنة في لبنان، ويلفت إلى أن «هذا القانون يحمي أصحاب الشركات العاملة في هذا القطاع». لكنّ، الهاني لا يعرف غير حداد، وفعلياً لا توجد في لبنان شركة إنتاج بذور أخرى. فهل نعدُّ قانوناً لنحمي شركة واحدة ونهدّد مصير كل المزارعين ومنتجي البذور المحلية وأصحاب المشاتل؟ يبرّر هاني ذلك بـ«الحلم أن نخلق أنيس حداد ثانياً وثالثاً عبر شرعنة إنتاج البذور»، علماً أنه لا يخفى على أحد أن الشركات العالمية العاملة في إنتاج البذور لن تترك مجالاً للمنافسة إذا أراد صغار المزارعين ومنتجي البذور المحلية أن يدخلوا إلى هذا العالم. لذا، يملك وزير الزراعة «أفكاراً لإنقاذ الإنتاج المحلي تعطي الأفضلية في الترخيص للتعاونيات التي تنتج البذور وNGO مثل «بذورنا جذورنا»، ومنحها مجموعات خدمات مجانية، لتكبر». وماذا عن صغار المزارعين الذين لا يعملون ضمن مجموعات؟ يجيب هاني: «يمكن أن ندرس إعطاء خدمات لهم أيضاً»، مع إقراره بأنه لا يملك «تفاصيل كثيرة بعد، لكننا ندرس الأمر مع باقي الأطراف». ولا ينكر هاني أن اقتراح القانون لا يحمي البذور المحلية، فـ«القانون المُقترح يختص بتنظيم استيراد وتصدير وإنتاج البذور. أمّا البذور المحلية، فقد وقّع لبنان على اتفاقيات حمايتها مثل اتفاقية «التنوّع البيولوجي»، التي تحتاج إلى تشريعات محلية لضمان تطبيقها، تجري مناقشتها في وزارة البيئة». ويلفت إلى أنه «فكّرنا في إضافة قسم خاص بحماية البذور المحلية إلى القانون المُقترح، لكن برأينا أن ذلك سيصبح معقّداً ويصعب تنفيذه». ويبدو هاني ضائعاً في مقاربة القانون المُقترح، الذي يراه «ليس سهلاً». فمرة يقول: «لسنا مستعجلين في الحسم، وندرس الموضوع مع الأطراف المعنية»، مشيراً إلى «الاجتماع الشهير» بالجمعيات البيئية والمهتمّة بالسيادة الغذائية، وإمهالها حتى آخر السنة لتسليم ملاحظاتها مكتوبة. ومرة ثانية، يرى أنه «لا نملك ترف الوقت، بينما يتطور قطاع إنتاج البذور بسرعة في العالم». كما أنه يتّفق مع معارضي اقتراح القانون على أن «الخطر موجود على الأمن الغذائي، وأن التحول نحو البذور الهجينة يحمل آثاراً كبيرة»، لكنه لا يتنازل عن اقتراح القانون، ويريد أن «نعدّله ونحسّنه للخروج بصيغة مناسبة لبلدنا تتيح لنا الانفتاح على الأسواق العالمية». لبنان يُساق إلى النموذج العالمي الخطير اقتراح قانون «تنظيم تجارة البذور والشتول ومواد الإكثار» يأتي في إطار ممارسات عالمية لتسويق تجارة البذور المُعدّلة، والتي أثبتت خطورتها. ففي الثمانينيات مثلاً، أدّى احتكار البذور المُعدّلة من قبل شركة «مونسانتو» الأميركية إلى انتحار آلاف المزارعين في الهند، حتى قبل إقرار قانون يمنع تداول البذور المحلية. فبمجرد التسويق الكبير للبذور الهجينة تحوّل المزارعون إليها، ليلاحظوا ارتفاع كلفة الأسمدة والسموم التي تفرضها هذه العملية. ولمّا أرادوا العودة إلى البذور المحلية، كانوا قد خسروها بالفعل، وتراكمت عليهم الديون. والقانون المُقترح حول تجارة البذور يجسّد معايير «الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة» (UPOV). وهي منظمة يحذّر المراقبون في العالم من الانضمام إليها لأنها تسوّق لحماية البذور المُهجّنة والمُعدّلة جينياً تحت عنوان حفظ حقوق الملكية الفكرية، فتضرّ بالبذور المحلية وتحمي المُستنبط، أي الشركات المتعددة الجنسيات، علماً أن لبنان لا يزال عضواً مراقباً في هذه المنظمة، ولم ينضم رسمياً إليها بعد. المصدر: الأخبار ملاحظة: المواد المنشورة في هذا الباب تمثل آراء كاتبيها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ادارة الموقع. |