لم تكتف مكوّنات الحكومة بتجاهل التزامات بيانها الوزاري بل انقلبت عليها وذهبت الى تبنّي كل نقيض لها (هيثم الموسوي) التناقض الكبير بين ما تقوم به الحكومة الحالية وما التزمت به في بيانها الوزاري يتجاوز كثيراً مقولة «الحبر على ورق»، ولا سيما في مجالات ادارة المالية العامّة، والسعي الى زيادة ايرادات الخزينة لتمويل الانفاق الاضافي... فهذه الحكومة تبدو اليوم، في مناسبة طرح مشروع موازنة عام 2013 وسلسلة الرتب والرواتب لموظفي الدولة، كمن لم يقرأ اي سطر من سطور البيان الذي نالت على اساسه ثقة مجلس النواب قبل 14 شهراً محمد زبيب : الاخبار . 25-9-2012 «بعدما ادت التطورات الاقتصادية العالمية والاوضاع الاقليمية الى انحسار نسبي لتوقعات النمو الاقتصادي في لبنان، وضمن عملية التصحيح الضرورية للنمط الاقتصادي القائم، اصبح من الاولويات تأمين عوامل تحفيز النمو التي انتظرها لبنان طويلا، إضافة الى ضبط مستويات العجز في المالية العامة». هذه الفقرة وردت حرفيا في البيان الوزاري للحكومة الحالية، التي نالت على اساسه ثقة مجلس النوّاب في السابع من تموز من عام 2011. فهذه الفقرة تعني بالدرجة الاولى ان الحكومة الثانية والسبعين في تاريخ هذه الدولة اقرّت اخيرا بان «النمط الاقتصادي القائم يحتاج الى تصحيح». ولكي تبدأ بانجاز هذه «العملية الضرورية» اعلنت في بيانها نفسه أنها «ستعمل على اعتماد ضبط النفقات ذات المردودية الضئيلة، وتحسين ايرادات الدولة واعادة توزيع اعبائها على نحو يؤمن تصحيح العجز البنيوي المتمادي، ويحقق عدالة اقتصادية واجتماعية افضل، ويعيد الاعتبار الى مداخيل الانتاج، مقارنة بمداخيل الريع»... وللمزيد من التأكيد على طابع «التصحيح المطلوب»، قالت الحكومة في بيانها ايضا إنها «ستنظر في اعادة توزيع الاعباء على نحو يراعي اوضاع ذوي الدخل المحدود». لكن ما حصل في الاشهر الـ14 الماضية (وصولا الى جلسة مجلس الوزراء الاخيرة التي بحثت فيها سلّة من الضرائب بحجة البحث عن تمويل لزيادة سلسلة رواتب الموظّفين) يتناقض كليا مع هذه الفقرات، بل إن هذه الحكومة تظهر كما لو انها لم تقرأ بيانها الوزاري ابدا... حسنا، قد تكون الحكومة تأثرت بطروحات الوزير شربل نحّاس (المستقيل في 23 شباط 2012) الذي خاض صراعا مريرا في لجنة صياغة البيان من اجل صوغ هذه الالتزامات، فضلا عن انها جاءت في ما يشبه «الانقلاب» على حكومة سعد الحريري، واستبعدت مشاركة تياره السياسي وحلفاءه فيها، وبالتالي ارادت ان تُظهر نفسها بديلا اكثر وعيا ونضجا في ادارة الدولة والاقتصاد والمصالح الاجتماعية واعادة توزيع الثروة... لكن الحكومة ذهبت في بيانها الوزاري الى ابعد من الصياغات الانشائية المعتادة، لتضع جدولا يرتّب اولوياتها في مجال ادارة السياسات المالية العامّة، الذي جاء على النحو الآتي: 1- انجاز قانون موازنة عام 2012 محترمة الأسس القانونية التي ترعى الموازنة. 2- انجاز قطع حساب السنوات التي لم يقطع حسابها، والعمل على تدقيق حسابات الدولة المالية بحسب الاصول. 3- خفض عبء الدين العام على الاقتصاد، وضبط خدمته وحجمه نسبة الى الايرادات، نظرا لأهمية هذه النسبة كمؤشر لتراكم الدين العام. 4- الافادة من موارد البلاد وممتلكاتها كالنفط والمياه والاملاك العامة والبحرية والنهرية. 5- ادخال اصلاحات بنيوية في النظام الضريبي. 6- بناء قدرات الادارة المالية وتحسين ادائها. وعلى نحو خاص، بدء العمل بفعالية بمديرية الدين العام في وزارة المالية. والعمل ايضا على تفعيل الاجهزة الرقابية، وعلى تطوير الوظيفة العامة على نحو يؤمن لها استقطاب الكفاءات ومعالجة الاوضاع غير النظامية في بنيتها وعملها، إضافة الى تطوير المؤسسات العامة المنتجة وتشركة التجاري منها. هذه الاولويات الست في مجالات المالية العامّة جاءت لتدعم توجّها (عبّر عنه البيان الوزاري) نحو «وضع برنامج اقتصادي يلبي طموحات اللبنانيين»، ويهدف الى تحقيق «الاصلاحات الاساسية التي تؤدي الى تصحيح الاختلالات البنيوية في الاقتصاد اللبناني، والعوائق التي تحد من قدرة الاقتصاد على تحقيق مستويات نمو مرتفعة ومستدامة»... وبما ان ضعف البنية المادية التحتية من اهم العوائق المذكورة، التزمت الحكومة الحالية في بيانها ايضا وايضا بـ «إطلاق برنامج الانفاق الاستثماري في قطاعات اساسية كالكهرباء والمياه والنقل العام، آخذة بالحسبان الخطة الشاملة لترتيب الاراضي... وضرورة تأهيل البنى التحتية وتطويرها، وتحسين بنية اسعارها وكلفة خدماتها». وحتى لا يتسرّب الشك الى الاذهان، كالعادة، ختمت هذه الحكومة بيانها بعبارة فيها جزم وحزم: «ان اللبنانيين سئموا اقوالا ويريدون افعالا»... فهذه الحكومة، كما وصفت نفسها في بيانها، «هي فريق عمل وطني تتجاوز في سبيل انجاز مهمتها كل ما يفرق، وتلتقي على كل ما يجمع»... انتهى البيان. قد تثير هذه الاستعادة (غير الحميدة) لفقرات من البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الاستغراب بعد نحو 450 يوميا (تقريبا) من اعلانه، ولا سيما ان اي حكومة سابقة لم تلتزم اصلا ببياناتها الوزارية ولا مرّة، بل ان الوزراء والنوّاب (والمواطنين) لا يعيرون اي اهمية لمثل هذه البيانات «الفولكلورية»... الا ان هدف الاستعادة اليوم هو رسم المشهد «الكاريكاتوري»، عشية الانتخابات النيابية في عام 2013، وهو المشهد الذي يطبع سلوك القوى السياسية المدّعية تبنّيها خطابا «تغييرياً» او «اصلاحيا»، او اقلّه، خطابا يتبرأ من «تركة» الحكومات السابقة التي اوصلت الدين العام الى نحو 70 مليار دولار فعليا، وعمّقت التفاوتات الطبقية (اكثر من نصف اللبنانيين يعانون فقر الدخل) وتعمّدت زيادة تركيز الثروة في أيدي قلّة من النافذين (وجماعاتهم) وهو ما يعبّر عنه التركّز الشديد في الودائع المصرفية (اذ إن اقل من 0.8% من الحسابات المصرفية، او ما يوازي 0.2 من المودعين ربما، تستأثر اليوم بنصف الودائع تقريبا، اي اكثر من 60 مليار دولار). بداية، لم تلتزم مكوّنات هذه الحكومة باي من التزاماتها وخطبها، ما عدا انها تجاوزت في سبيل انجاز مهمّتها «كل ما يفرّق» والتقت على «كل ما يجمع». فهي اجتمعت على «حراسة» تركة الحكومات السابقة، وتمثيل مصالح طبقية معادية للفقراء والضعفاء، وزيادة إضعاف الدولة وتفكيكها ومحاصصتها. وهي، اي مكوّنات الحكومة الحالية، تصرّفت بوقاحة وفجور وعنف في مواجهة اي طرح يسهم في «تصحيح النمط الاقتصادي» و«الاصلاح البنيوي للنظام الضريبي» و«اعادة توزيع الاعباء على نحو يراعي اوضاع ذوي الدخل المحدود»، و«اعادة الاعتبار الى مداخيل الانتاج مقارنة بمداخيل الريع»... فهي أسقطت مشروع التغطية الصحيّة الشاملة لجميع اللبنانيين، وأجهضت امكانية تنفيذ برنامج للاستثمار العام المجدي لتأمين الكهرباء والمياه وانظمة النقل العام والاتصالات، وحاربت اقتراحات ممكنة لفرض ضريبة معتبرة على الربح العقاري وربح الفوائد، ومنعت بالتالي نقل جزء من الثروة الريعية المتراكمة الى الاسر ومؤسسات الانتاج المثقلة ميزانياتها باعباء واكلاف لا طائل لها على تحمّلها. لم تكتف مكوّنات هذه الحكومة بتجاهل التزامات بيانها الوزاري، بل انقلبت عليها وذهبت الى تبنّي كل نقيض لها، ولا سيما في مجال رصد كيفية تعاملها مع الاولويات الست التي حددتها في مجالات ادارة المالية العامّة: 1- لم تحترم هذه الحكومة الاسس الدستورية والقانونية التي ترعى الموازنة، ولا سيما لجهة احترام المهل والشمولية والسنوية، فالدولة لا تزال من دون موازنة منذ عام 2006، ولم تتم معالجة الانفاق غير الدستوري وغير القانوني الذي بلغت قيمته نحو 85 مليار دولار بين عامي 2005 و2012. ولم يُنشر بعد قانون الاعتمادات الاستثنائية الذي يُفترض ان يغطي مخالفات فظيعة باعتماد «سلفات الخزينة» لتمويل الانفاق الاضافي خلافا لاحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية، كما تأخّرت الحكومة كثيرا باحالة مشروع قانون موازنة عام 2012 على مجلس النواب، وهو لا يزال قابعا في أدراج المجلس على الرغم من انقضاء 9 اشهر من اصل 12 شهرا يُفترض ان يغطّيها هذا القانون. كذلك تعمّدت هذه الحكومة وضع العراقيل امام المباشرة في مناقشة مشروع قانون موازنة عام 2013 (على غرار ما حصل في شأن مشروع القانون السابق)، اذ عمدت الى ارتكاب مخالفة دستورية اضافية، بفصلها مسألة تمويل سلسلة الرواتب لموظّفي الدولة والقطاع العام عن مشروع قانون الموازنة نفسه، اذ ان الدستور ينص بوضوح على عدم تخصيص اي ضريبة لنوع محدد من الانفاق، وبالتالي يفرض ان تكون الموازنة شاملة كل نفقات الدولة ودخلها في السنة المقبلة، بمعنى ان تكون موحّدة. والواضح ان هذه الحكومة تسترشد بحِكم فؤاد السنيورة عن أنه «لا انفاق اضافيا من دون ايرادات اضافية»، وكأن الانفاق القائم قبل زيادة الرواتب او تفعيل الاستثمار العام في تأمين البنى التحتية والخدمات الاساسية هو انفاق مقدّس غير قابل لاعادة ترتيب، على عكس ما ورد في البيان الوزاري لجهة العمل على «اعتماد ضبط النفقات ذات المردودية الضئيلة». وتكفي متابعة تقارير الاجهزة الرقابية السنوية لفهم ان نسبة كبيرة من الانفاق القائم يمكن خفضها او التخلّص منها في حال اصلاح الادارة، وتحسين انتاجيتها وضبط الهدر المقونن او غير المقونن (من ذكر كلفة منظومة الفساد الراسخة وكلفة خدمة الدين العام الهائلة البالغة اكثر من 6 الاف مليار ليرة سنويا)... ما يحصل حاليا على صعيد البحث في تمويل كلفة زيادة الرواتب البالغة نحو 1520 مليار ليرة عبر استحداث ضرائب جديدة وزيادة ضرائب قائمة، يهدف بالدرجة الاولى الى تطيير مشروع الموازنة نفسه، اذ لا يمكن تبرير فصل هذا البحث عن بحث الموازنة نفسها، الا في اطار الرغبة في وضع الناس في مواجهة الموظفين، واشعارهم بان كلفة هؤلاء عليهم باتت لا تحتمل، وتنمية موقف عدائي ضدهم يسهم في المزيد من الاضعاف للدولة، وهذا ايضا يتناقض مع البيان الوزاري الذي التزم بـ«تطوير الوظيفة العامة على نحو يؤمن لها استقطاب الكفاءات ومعالجة الاوضاع غير النظامية في بنيتها وعملها». 2- لم تنجز هذه الحكومة ما التزمت به لجهة قطع حساب السنوات التي لم يقطع حسابها، فحسابات الدولة المالية غير مدققة بحسب الاصول منذ عام 1993، بل يمكن القول إن الدولة من دون حسابات نهائية منذ عام 1979، وهو تاريخ يحمل معنى واضح. ففي بداية الثمانينيات من القرن الماضي انهارت الدولة كليا، وتعرّضت لغزو واسع من قبل الميليشيات، لا يزال ماثلا حتى اليوم. وتجري اليوم محاولات حثيثة لفرض مقولة «عفا الله عمّا مضى»، وإذا نجحت هذه المحاولات، فإن اثرها يوازي الاثر الذي تركه قانون العفو عن جرائم الحرب، الذي جعل اللبنانيين في حالة حرب دائمة ومتواصلة! 3- لم تبحث هذه الحكومة في اي سياسة تهدف الى خفض عبء الدين العام على الاقتصاد، وضبط خدمته وحجمه نسبة الى الايرادات، بل على العكس تماما، فالعبء يتزايد (نحو 6 الاف مليار ليرة في الموازنة، ومثلها تقريبا من خلال ميزانية مصرف لبنان، الذي يصدر شهادات ايداع بفوائد عالية لدعم ارباح المصارف، ومن خلال التمنّع عن تسديد مستحقات لمؤسسات عامّة كالضمان الاجتماعي ومؤسسة ضمان الودائع، او لمؤسسات خاصة متعاقدة مع الدولة كالمستشفيات ومتعهدي الاشغال العامّة والاستملاكات، فضلا عن رواتب المتعاقدين)، كما ان هذا العبء لا يزال يتمتّع باولوية مطلقة في الانفاق العام، وقد بلغت هذه الحكومة درجة من تقديس خدمة الدين العام تجاوزت فيها الحكومات السابقة، من خلال ما اقترحته خطّة «الاصلاح الاقتصادي» لجهة تخصيص ايرادات الغاز المكتشف في البحر لهذه الغاية حصرا، وعلى حساب كل الاولويات الاخرى التي تجسّد «تطلعات» اللبنانيين و«آمالهم». 4- اعتمدت هذه الحكومة، كسابقاتها، اساليب «تسييب» موارد البلاد وممتلكاتها كالنفط والمياه والاملاك العامة والبحرية والنهرية، فالاعتداءات على هذه الموارد متواصلة، وترتفع وتيرتها لتصيب املاكا عامّة ومشاعات نجت في المراحل السابقة، وما يحصل اليوم في المنطقة المستحدثة بالردم قبالة وسط بيروت يعزز مقولة «أن المال السائب يعلّم الناس الحرام». وكل ما تحاول ان تفعله هذه الحكومة اليوم يناقض التزاماتها في البيان الوزاري، إذ تطرح تسوية جديدة لمخالفات البناء بدلا من تغريمها وازالتها احتراما لحقوق اللبنانيين وهيبة القانون والدولة، كما تطرح «طابق الميقاتي» الاسوأ من «طابق المر» تشريعا للاعتداء على الملك العام المجسّد في عوامل الاستثمار وحقوق البناء والارتفاعات، كما تطرح رسوماً وغرامات هزيلة على احتلال الاملاك العامّة البحرية، من دون اي تفكير في معاقبة المحتلين والاقتصاص منهم، ورفد خزينة الدولة بمليارات الدولارات نتيجة تغريمهم فعليا عن كل الفترات التي احتلوا فيها املاك اللبنانيين واستثمروها في مراكمة ثروات خاصة هائلة. وتكفي الاشارة إلى ان التقديرات المتداولة اليوم عن حجم اشغال الاملاك العامّة البحرية تصل الى اكثر من 8 ملايين متر مربع، نصفها تقريبا ليس مرخصا (علما ان معظم الرخص غير قانونية ايضا). 5- بدلا من «ادخال اصلاحات بنيوية في النظام الضريبي»، بحسب ما التزمت به هذه الحكومة في بيانها الوزاري، ذهبت الى النقيض تماما، إذ تعمل في اقتراحاتها الواردة في مشروع قانون موازنة عام 2013 (على سبيل المثال) الى تعميق عدم عدالة هذا النظام، فهي تسعى الى زيادة الايرادات بقيمة 3993 مليار ليرة من خلال زيادة الضريبة على القيمة المضافة الى 12% وزيادة الضريبة على ربح الفوائد الى 7% فقط، ومن دون الاخذ بالاعتبار التفاوت بين اصحاب الودائع الصغيرة الذين يتحملون عبء هذه الضريبة، وأصحاب الودائع الكبيرة الذين يجنون ارباحا هائلة من دون أي عبء ضريبي يُذكر، اذ تكفي الاشارة إلى ان الضريبة على ارباح الشركات وتوزيعها تصل الى 23%، وهذا ينطبق على ما تطرحه هذه الحكومة في مجال الضريبة على الارباح العقارية، إذ عمدت الى اعتماد آلية لاحتساب هذه الضريبة تلغي مفاعيلها فعليا، وتُبقي المضاربين على العقارات غير مكلّفين فعليا بأي عبء حقيقي... والأنكى ان الحكومة عادت الى تغريم مستهلكي الاتصالات من خلال فرض رسم مقطوع على كل فاتورة، بهدف جباية المزيد من الايرادات، علما ان ثلثي فاتورة الاتصالات هي مكوّنات ضريبية وشبه ضريبية، كما أن الاقتراحات المتداولة في اطار تمويل سلسلة الرتب والرواتب تشمل زيادة بقيمة 1400 مليار ليرة على ايرادات رسم الطابع المالي! وكل ذلك يعني تعميقا للخلل الكبير في النظام الضريبي، إذ إن الضرائب غير المباشرة تمثّل نحو 80% فعليا من مجمل الايرادات. 6- واخيرا، لا تزال الادارات الرديفة تسيطر على الادارة المالية، والاجهزة الرقابية معطّلة، والوظيفة العامة بقيت اطارا توزيعيا لتوظيف «الجماعات» المطلوب ولاءاتها لحماية سلطة «الزعامات»، حتى التي جرى إقصاؤها من الحكومة. ________________________________________ زيادة الفقراء تطرح الحكومة في كل مناسبة زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 12%، اي بنسبة 20% دفعة واحدة، وذلك التزاما ببرنامج باريس 3 السيئ الذكر، وهي ترفض الخوض في بحث يتناول البدائل المتاحة، ولا سيما لجهة فرض ضرائب عالية على المضاربات العقارية وارباح التوظيفات المالية وتغريم الذين اعتدوا على الاملاك العامّة، من دون منحهم أي حقوق لمواصلة احتلالهم لها... ويعبّر هذا الاصرار عن انحياز واضح ضد الفقراء واصحاب الدخل المتوسط، وهو ما سبق ان حذّرت منه دراسة اعدّتها الجامعة الاميركية في بيروت (كلية الاقتصاد) بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ضمن «مشروع بناء القدرات للحد من الفقر» المدرج في اطار برنامج باريس 3 نفسه. قدّرت الدراسة الأثر المباشر لهذه الزيادة على الاستهلاك الحقيقي للأسر. وقد استندت إلى تحليل بسيط للتغير في الضريبة على القيمة المضافة، مستخدمةً بيانات دفاتر الإنفاق للدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر – المسح المتعدد الاهداف لعام 2004، وبعض مؤشرات الأسعار... وتبيّن ان ارتفاع الضريبة نقطتين مئويتين سيؤدي إلى خفض الإنفاق الاستهلاكي لدى الأسر الفقيرة بنسبة 11%. وبناءً على هذا التحليل، فإن نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى (2.4 دولار في اليوم) سترتفع من 8% حاليا إلى 10%، أما نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (4 دولارات في اليوم) فسترتفع من 28% إلى 35% (اي إن اكثر من مليون و400 الف لبناني سيصبحون تحت خط الفقر). ما يعني ان زيادة هذه الضريبة سيكون لها اثر سلبي على وضع الأسر المتوسطة، وتلك التي تعيش فوق خط الفقر مباشرة. اقتصاد العدد ١٨١٦ الاثنين ٢٤ أيلول