مقالات صحفية مختارة > لا نموّ للودائع المصرفيّة في 2012
ميزان المدفوعات عاجز والسيولة الجاهزة لم تزد والنشاط الاقتصادي يتباطأ
في اللقاء الشهري الأخير بين جمعية مصارف لبنان وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قال الأخير إن الودائع المصرفية ستنمو في عام 2012 بمعدّل 8%. هذا الكلام «ليس دقيقاً» وفق وصف مصرفيين عتق، لأن طريقة الاحتساب فيها الكثير من «الغشّ»!
محمد وهبة الاخبار : 4-10-2012
«لا نموّ للودائع المصرفية في عام 2012 بل على الأرجح هروب الودائع» يقول مصدر في جمعية مصارف لبنان لـ«الأخبار». يؤكد هذا المصرفي المتابع، أن ما تصريحات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن نموّ الودائع بنسبة 7% أو 8% خلال عام 2012، «لا تمتّ إلى الواقع بصلة». فما يحصل فعلياً، أن احتساب نموّ الودائع على طريقة سلامة، وبعض المصرفيين غير المهنيين، لا يأخذ بالاعتبار أن هناك فوائد تزاد على الودائع بصورة دورية تجعلها تبدو متورّمة (تجعلها تزيد نظرياً)، فضلاً عن أن زيادة التسليفات في السوق المحليّة تُسهم إلى حدّ كبير في زيادة هذا التورّم الذي يعبّر عن نموّ وهمي للودائع. لذلك، يرجح المصدر أن تتقلصّ قاعدة الودائع في القطاع المصرفي لعام 2012، وهو أمر يعبّر إلى حدّ ما عن تباطؤ النمو الاقتصادي الحقيقي. ويستند هذا المصرفي إلى مجموعة مؤشرات تدلّ على الاتجاه السلبي لنموّ الودائع، مشيراً إلى أن عجز ميزان المدفوعات بقيمة 1342 مليون دولار. هذا الميزان يعدّ أبرز مؤشّر على حركة النقد في اتجاه لبنان فيما هو عاجز اليوم، أي أن حجم المبالغ التي خرجت من لبنان هي أكثر من تلك التي دخلت إليه، وبالتالي كيف تنمو قاعدة الودائع في ظل هذه النتيجة السلبية؟ ومن المؤشرات الأساسية التي يعتمد عليها مصرفياً لاستطلاع بيئة النموّ المصرفي، هي تلك المتصلة بالنمو الاقتصادي، فكيف يتباطأ النموّ الاقتصادي ويبقى نموّ الودائع على حاله؟ وهناك مؤشّر آخر على نموّ الودائع، يتصل بالسيولة المصرفية التي لم تزدد خلال عام 2012، ولا يتوقع أن تزداد، فما يسمى بالسيولة الجاهزة بالعملات الأجنبية موظّفة في الخارج وتبلغ 20 مليار دولار، وإذا احتسبنا كل المبالغ التي تعدّ سيولة جاهزة لدى المصارف سواء بالليرة أو بالدولار أو موظّفة لدى مصرف لبنان بشهادات إيداع وسواها من الأدوات المالية، تبلغ 30 مليار دولار، وهو رقم لم يزد خلال الأشهر الأخيرة، لا بل يتجّه أكثر نحو التقلّص. هكذا يشير المصرفي إلى أن حجم الودائع المصرفية الفعلية، أي غير المتورّمة، لا يتجاوز 70 مليار دولار من أصل 120 ملياراً تظهر في الميزانية المجمّعة للمصارف حالياً، «وهذا ينسجم مع الإحصاءات التي تشير إلى أن هذه الودائع تذهب في اتجاهين: الأدوات المالية السيادية مثل سندات الخزينة وشهادات الإيداع والاحتياط الإجباري، وتذهب ايضاً إلى التسليفات للقطاع الخاص. هذان العنصران يمثّلان نحو 70 مليار دولار حالياً، والباقي هو عبارة عن تورّمات وهمية للمال لا يمكن الاعتداد بها». هذه المؤشرات لا تختصر كل الوضع المصرفي القائم حالياً، لكنها تكشف عن مظاهر الوضع الحالي؛ فمنذ آذار 2011، أي عندما اندلعت الأزمة في سوريا، بدأ الاقتصاد اللبناني يتأثّر بالتداعيات السلبية المستوردة من الحدود الشمالية، وإن كان بصورة تدريجية وبوتيرة متسارعة. وقد أثّرت هذه التداعيات على تدفق الودائع، فلم تعد معدلات الفائدة المرتفعة في لبنان، مغرية بالنسبة لحاملي المبالغ والمسثتمرين. فبحسب تقرير أعدّه مصرف «FFA Private»، إن النموّ الذي يتحدّث عنه سلامة للودائع المصرفية بمعدل 8%، ناجم بنسبة 75% عن ودائع المقيمين، أي إنه نموّ ذاتي ووهمي، لأنه لم تدخل مبالغ جديدة إلى القطاع. ويشير التقرير أيضاً إلى أن معدلات الدولرة في الودائع تراجعت إلى 65% في نهاية حزيران 2012. كذلك، ارتفعت قيمة التسليفات اللقطاع الخاص لتبلغ قيمة المحفظة الإجمالية نحو 41.7 مليار دولار في حزيران 2012، واللافت أن غالبية هذه التسليفات ذهبت إلى قطاع التجزئة أو قروض التجزئة. لكن الوضع العقاري متلبّد بالغيوم الرمادية، فالتقرير يتحدّث عن انكشاف على مختلف مفاصل هذا القطاع بقيمة 16.4 مليار دولار في نهاية 2011 مقارنة مع 13.6 ملياراً في نهاية عام 2010، أي بزيادة 20% في حين أن القروض في هذا المجال وفي هذه الفترة، لم تزد سوى بنسبة 13%، ما يعني أن هناك هوّة كبيرة تتسع بين حجم الاستثمارات والتسليفات في القطاع العقاري. وهذا الانكشاف يمثّل 40% من مجمل التسليفات المصرفية في عام 2011. ويتوقع مصرف «FFA Private» أن تبقى أرباح المصرفا باهتة وسط إقبال ضعيف للمستثمرين والتحدي الذي تواجهه ظروف التشغيل، والضغوط المتواصلة بسبب إجراءات اتخاذ مؤونات بوجه القروض المتعثّرة... لكن العبء ينتج أيضاً من تباطؤ النمو الذي يؤدّي إلى تباطؤ قيمة الأتعاب والعمولات. رغم ذلك، حققت المصارف أرباحاً في عام 2012 موازية تقريباً للارباح المسجّلة في الفترة نفسها من عام 2011، وهي أرباح ليست بسيطة كما يصوّرها أصحاب المصارف، ففي عام 2011 ربحت المصارف 1.6 مليار دولار، أي ما يوازي 4% من الناتج المحلي الإجمالي. لذلك يقول التقرير إن المصارف لديها القدرة على تحقيق نموّ معتدل في ميزانياتها. ________________________________________ «الامتثال الأميركي» قال رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه في منتدى «قانون الامتثال الضريبي الأميركي FATCA»، أمس، إن هذا القانون يطال حسابات الأميركيين الخارجية (حاملي الجنسية أو الإقامة) ويدخل حيّز التنفيذ في 2013. ويطال أيضاً الشركات والكيانات التجارية التي يسهم فيها أميركيون. القانون الأميركي يُلزم المصارف والمؤسسات المالية الأخرى بالتصريح عن هؤلاء العملاء. وبالتالي على المصارف أن توقع اتفاقية مع مصلحة الضرائب الأميركية، فيما الخيار الثاني أمامها، في حال عدم تعاونها مع الأميركيين، أن تقتطع مصلحة الضرائب الأميركية 30% من تحويلات هذه المصارف عبر المصارف الأميركية. اقتصاد العدد ١٨٢٥ الخميس ٤ تشرين الأول