كلما توسع النقاش حول انعكاسات مخاطر سلسلة الرتب والرواتب على الأوضاع المالية والاقتصادية من وجهة نظر الهيئات الخاصة والعامة، وبين تدهور الأوضاع الاجتماعية لأصحاب الدخل المحدود في القطاعين العام والخاص، تزداد صعوبة البحث عن إيجاد مصادر التمويل الخالية من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية. لا بد في هذا الإطار من تناول أكثر من موضوع اقتصادي اجتماعي على اعتبار انه لا إمكانية لتمويل السلسلة من دون فرض مصادر ايرادات إضافية من ضرائب ورسوم تقع على المكلفين من أشخاص وقطاعات على اعتبار انه لا مصادر أخرى متاحة على المدى المنظور. ويمكن في هذا المجال التوقف عند جملة أمور أساسية ذهب بعضها إلى التطرف في المواجهة بتعداد المفاعيل والنتائج السلبية الاقتصادية كما في التطرف في المطالبة بطريقة التطبيق وعدم القبول بالتقسيط. 1ـ الأمر الأول هو ان البحث عن مصادر تمويل السلسلة يفترض ان يكون من ضمن تحضير الموازنة العامة من قبل وزارة المالية مع اقتراحات الوزراء عند المناقشة وليس عن طريق وجود 25 وزيراً للمالية كما أشار الوزير محمد الصفدي مؤخراً، وهذا ما يوسع النقاش من دون نتيجة مباشرة أو قريبة. 2ـ هناك في الحسابات البسيطة، الاقتصادية منها والمالية وجود أكثر من 3 مليارات دولار تضيع سنوياً من عدم تفعيل الجبايات والتخلف الضريبي استناداً إلى حجم الاقتصاد اللبناني المقدر حالياً بحوالي 42 مليار دولار. 3ـ هناك فروقات من العائدات الجمركية وحدها، وكما ذكرت «السفير» منذ بداية مناقشة تمويل السلسلة أي منذ اشهر، ان الايرادات الجمركية في العام 2011 تراجعت عن الايرادات في العام 2008 بحوالي 500 مليون دولار علماً ان الصادرات اللبنانية من الخارج ارتفعت من 16,2 مليار دولار في العام 2008 إلى حوالي 20,1 مليار دولار في العام 2011 مما يعني زيادة الاستيراد 25 في المئة وتراجع الرسوم 500 مليون دولار أي حوالي 10 في المئة. 4ـ النقطة الرابعة الهامة في الأمر ان البحث عن تمويل السلسلة بات من حيث صعوبته وفترته الزمنية، يقارب ملف البحث عن استخراج الغاز من البحر والبر في لبنان نتيجة تباين المواقف السياسية والوزارية حول الصندوق والهيئة والتعيينات. 5ـ أبرز نقطة في قضية السلسلة هي عدم تحديد الحجم المالي على الخزينة بشكل نهائي، لعدم وضوح النتائج المالية على صعيد وضع التضخم المالي على الخزينة وعجزها وتضخم غلاء المعيشة نتيجة فلتان الأسعار. ناهيك عن فلتان فوارق الأجور بين القطاعين العام والخاص مما سيعيق القدرة التنافسية للقطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعة لارتفاع الكلفة خصوصاً وان القطاع الخاص يضم أكثر من 800 ألف مستخدم مقابل حوالي 210 آلاف للقطاع العام. في الخلاصة ان ما يضعف الحركة المطلبية ومنطقها التفاوضي هو الانقسام النقابي وتبادل التهم بين الاتحادات العمالية وهيئة التنسيق بالعمالة والعمالة المضادة، مما يجعل امر تمويل السلسلة يدخل في إطار الصراع السياسي الإقليمي والدولي ويذهب خارج حدود لبنان ليبطل تحقيق المطالب العمالية وهو الأمر الأخطر في الأيام المقبلة. الحكومة أمام خيارات ثلاثة، لا رابع لها، اما الاستدانة مباشرة عن طريق مصرف لبنان لمبلغ 2000 مليار ليرة دفعة واحدة أو مقسطة واما تضمين الموازنة رسوما وضرائب إضافية لتمويل العجز الإضافي بنسبة 10 في المئة، واما استحداث مصادر جديدة لموارد مالية غير متوافرة وهو الأمر الأصعب حالياً، لغياب الاستثمارات العربية والمحلية والمشاريع الجديدة التي تكبر الاقتصاد وترفع عائدات الدولة مع وقف الهدر والتهرب والتهريب والنفقات غير المجدية. هذا الواقع يقود ببساطة إلى القول ان الحوار الاقتصادي والاجتماعي المنتظر في السراي بات يحتاج إلى رعاية دولية لإصدار «ميثاق بيروت الاقتصادي والاجتماعي»، لأن استخراج تمويل السلسلة بات أصعب من استخراج الغاز والنفط من المياه الإقليمية.