مقالات صحفية مختارة > السلسلة: هل تسرّعت الحكومة في سـلوكـه؟
حسن شقراني الاخبار 19-10-2012 يستورد لبنان سنوياً أكثر من 100 ألف سيارة، تفرض الحكومة عليها رسوماً وضرائب تبدأ منذ وطأة هذه العجلات أرض المرفأ – أو حتّى المطار لبعض السيارات الفارهة الخاصة بالمسؤولين. من بين الضرائب المفروضة تلك الخاصة بالقيمة المضافة (TVA). في عام 2010 بلغت الإيرادات من هذه الضريبة 282 مليار ليرة، وهي ثبتت نسبياً خلال العامين الماضيين نتيجة تحليل حركة الاستيراد، لكن يُتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنسبة 50%. إذ أقرّت الحكومة في جلستها الأخيرة رفع تلك الضريبة إلى 15%، في إطار إجراءات ضريبية عامّة تعوّل عليها لتأمين التمويل اللازم لسلسلة الرتب والرواتب؛ القضيّة التي تشغل بال الأساتذة، موظفي القطاع العام من الحاجب إلى النائب، الحكومة ذاتها وصولاً إلى طلاب المدارس. مضى على إقرار السلسلة في الحكومة أكثر من شهر، لكن منذ ذلك الحين يبقى إرسالها إلى مجلس النواب معلّقاً بتأمين مصادر التمويل، نظراً لأنّ كلفتها تفوق مليار دولار، وهناك ما يكفي من العجز في المالية العامّة، بحيث إنّ أي إنفاق جارٍ جديد قد يؤدّي إلى تضخّم غير محسوب للدين العام. ويأتي رفع الضريبة على السيارات المستوردة (طبعاً!) في إطار سلّة من الإجراءات، منها رسم جديد على الاتصالات، رفع كلفة الطوابع، زيادة الفائدة على الودائع المصرفية، وزيادة الرسم على رخصة البناء، تكون رافداً ماليّاً يؤمّن لموظفي القطاع العام رفعاً لرواتبهم، التي بقيت مقضومة طوال سنوات طويلة. الأكيد حتّى الآن هو أنّه رغم إعلان الحكومة عن إنجاز رصدها لمصادر الواردات المحتملة، إلا أنّ الدراسة الاكتوارية المتكاملة لم تُنجز بعد، ومن المفترض أن تُنهيها وزارة المال – ومعها مشاريع القوانين الخاصة بالتعديلات الضريبية المطروحة – قبل 31 تشرين الأوّل 2012، وفقاً لمصادر وزاريّة. فهذا اليوم هو موعد جلسة حاسمة لمجلس الوزراء. جلسة يبدو أنّها ستتزامن مع إضراب لموظفي القطاع العام، كما حصل أمس، إذا لم تصدر إشارات إيجابية. من الأهمية بمكان إنجاز تلك الدراسة، إذ بحسب تقديرات متداولة وزارياً علمت بها «الأخبار» فإنّ كلفة السلسلة قد تتضاعف خلال السنوات العشر المقبلة (أي تُصبح 3200 مليار ليرة) نظراً إلى عوامل التراكم الحتمية: رواتب المتقاعدين تبقى سارية، مع العلم أنّ آخرين سيحلّون مكانهم في الوظائف العامّة. وفي هذا السياق يُلاحظ أحد الوزراء أنّه ربما كان هناك تسرّع في الالتزام مع هيئة التنسيق النقابية – التي تُمثّل موظفي القطاع العام في المفاوضات – حول موضوع السلسلة قبل إجراء الدراسة الشاملة. كذلك «في إطار الدراسة كان يجب الأخذ في الاعتبار أيضاً موضوع الإنتاجية في القطاع العام، واعتماد إجراءات تحفيزية لزيادة الفاعليّة» يُتابع الوزير نفسه. وفي الواقع يجري حالياً بحث مجموعة من الطروحات تتعلّق بهذا الشأن على طاولة مجلس الوزراء، منها على سبيل المثال، إعادة النظر في ساعات العمل في القطاع العام؛ ربما زيادة تلك الساعات خلال أيام الأسبوع، ومنح الموظف يومي عطلة في نهايته. لكن ليست الدراسة الشاملة هي وحدها المنتظرة، إذ إن لهذا الإنفاق الجاري الكبير المترتب على السلسلة انعكاسات نقديّة مهمّة. فالأموال عبارة عن كتلة نقديّة موضوعة بتصرّف شريحة معيّنة من القوى العاملة، قد تؤدّي إلى خلل واضح على صعيد التضخّم وعلى الليرة. إذاً حالياً تنتظر البلاد تلك الدراسة الشاملة والتقويم الذي سيحمله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى جلسة مجلس الوزراء، لكن كيف يرى الخبراء المختصون الوضع؟ يُشير خبراء اقتصاديون منخرطون في النقاش السياسي/ الاقتصادي من المنظور العام إلى أن تجاهل الطبقة السياسية إجراءات إصلاحية أكثر عمقاً في النظام الضريبي ـــ تضمن تطوير الاقتصاد اللبناني عموماً، والأهم الاستقرار على المدى المتوسط – قد يؤدّي إلى انعكاسات مالية ونقدية خطيرة إلى حدّ ما لتطبيق السلسلة. «قبل الحديث عن السلسلة كان يجب إعادة النظر في البنية الضريبية الإجمالية، وتحديداً على صعيد الاستهلاك والدخل والثروة» يُعلّق أحد الخبراء متحفظاً على الإفصاح عن اسمه. هو يقصد ضرورة إقرار الضرائب التصاعديّة، تكليف الإيرادات الريعية وصولاً إلى خفض نسبة الضرائب غير المباشرة من الوعاء الضريبي الإجمالي، نظراً لأنّها تمسّ مباشرة الفقراء. من جهة أخرى «كان يجدر بالطبقة الحاكمة إطلاق إصلاح وإن بمستوى خفيف على صعيد بعض أوجه الإنفاق التي تحمل طابعاً سياسياً وتُكبّد المالية أكلافاً باهظة» يُتابع الخبير نفسه. وبالتالي، فإنّ أي إنفاق جار إضافي من دون الإصلاحات المذكورة، بالحجم الذي تفرضه سلسلة الرتب والرواتب، «يحمل احتمالات بل حتّى مخاطر ارتفاع العجز والضغوط على المستوى النقدي ومعدّل التضخّم، وطبعاً سعر صرف الليرة الوطنية». من جهة أخرى، تبدو الحكومة عالقة في زاوية محدودة لناحية تأمين الموارد. فهي تحصر تفكيرها في كيفية فرض ضرائب جديدة، من دون الالتفات إلى أموال دسمة يُمكن جبايتها بتطبيق بعض الإصلاحات البسيطة ليست ضريبية. وفي هذا الإطار تُشير المصادر الوزاريّة نفسها مثلاً إلى أنّ تقديرات في وزارة المال توضح أنّ الهدر الكبير الذي تتكبّده الماليّة العامّة على المعابر الحدوديّة التي تُشرف عليها الجمارك، تصل قيمته إلى مليار دولار تقريباً. «فلماذا لا يتمّ اللجوء إلى تقنين أكثر فاعلية على هذا الصعيد، عوضاً عن فرض الضرائب؟». وهناك مجالات كثيرة أخرى لتأمين الإيرادات غير الضريبية – مثل التخمين العقاري – تُدير لها الحكومة الأذن الصمّاء، لتبقى الكرة في ملعبها. وضع يجب أن تستمرّ فيه هيئة التنسيق النقابيّة لعلّ وعسى تنجح في فرض إصلاح في مكان ما على حكومة «كلنا للعمل». اقتصاد العدد ١٨٣٨ الجمعة ١٩ تشرين الأول