مقالات صحفية مختارة > السوق العقاريّة تغرق في سُبات التفسيرات
تسهيلات مصرفية بـ 8 مليارات دولار وقروض سكنية بـ 269 مليون دولار
ارتفعت مستويات انكشاف السوق المصرفية على القطاع العقاري، وتحديداً قطاع الإنشاءات والمقاولات العقارية، إلى 8.15 مليارات دولار. لم يوضع أي من تجّار العقارات والمباني على لائحة «المتعثّرين» بعد، لكن السوق لا تخفي وجود أزمة قوية وركود عميق محمد وهبة الاخبار 31-20-2012 «السوق راكدة بصورة عميقة». هكذا يصف رئيس شركة رامكو، رجا مكارم، الحالة الراهنة للسوق العقارية. التوصيف لا يختلف عليه أيّ من العاملين في السوق، لكن أسباب الركود لا تزال مثار جدل. بعض تجار العقارات يعتقدون بأن الأزمة الحالية في لبنان ذات طابع سياسي، وغيرهم يعتقد بأن العقلانية في الأسعار حلّت بدلاً من الجنون الذي كان سائداً في السنوات السابقة، فيما يشير قسم آخر إلى أن الأزمة قد تكون لها جذور مالية غير ظاهرة بعد. أزمة سياسية ــ إقليمية إذاً، هذا هو مثلث التفسيرات للركود العقاري في لبنان. لكل طرف في لبنان نظريته الخاصة، وكلّ يشدّ نحو مصلحته. أما الواقع على الأرض فقد يكون مختلفاً أو مزيجاً من التفسيرات الثلاثة. في المنحى الأول لتفسير الأزمة، يعتقد الأمين العام لجمعية تجار ومنشئي الأبنية في لبنان، أن عدم تحرّك السوق منذ نحو سنة ونصف يعود إلى أسباب سياسية «فالمشكلة ليست مادية، أي أنه ليست هناك مشكلة تمويل، ولا مشكلة زيادة في عرض الشقق تشبه ما حصل في عام 1994 حين انفجرت فورة إنشاءات لم تتوقف إلا بعد إغراق السوق بنحو 100 ألف وحدة سكنية أدّت إلى تضخّم ظاهري في العرض». وفي رأيه أن الركود سببه تورّط لبنان بأزمة سياسية ـــ إقليمية. كلام ممتاز يشير بوضوح إلى فئة معيّنة من كبار التجّار الذين فقدوا زبائنهم الخليجيين الذين توقفوا عن المجيء إلى لبنان بناءً على قرارات سياسية من دولهم. ومعظم الزبائن المذكورين، هم مضاربون عقاريون قرروا الخروج من السوق اللبنانية قبل نحو سنتين حين عرضوا ملكياتهم العقارية في لبنان للبيع لأن أسعارها تضاعفت مرات عديدة وحققت لهم أرباحاً طائلة. أما كبار التجّار، فهم الذين انتشرت أخبار الركود الكبير بين أوساطهم بعدما استمرّوا بتشييد أبنية وأبراج فخمة على طول الخط الساحلي في بيروت وفي منطقة وسط بيروت التجاري ومناطق في داخل العاصمة، فضلاً عن بعض مناطق الاصطياف في الجبل. السعر العادل أصحاب التفسير الثاني للركود العقاري يشيرون إلى أن العقلانية حلّت بدلاً من الجنون. من أبرز أصحاب هذا الرأي مكارم. يعتقد هذا الخبير العقاري بأن ما يحصل حالياً من عرض وطلب على العقارات يعبّر عن عقلانية البائع والشاري. لكنه يقسم الزبائن إلى مجموعتين؛ الأولى هي الطبقة الوسطى من الأسر اللبنانية التي تبحث عن شقق صغيرة في مدينة بيروت وضواحيها بميزانية لا تتجاوز مليون دولار. أما المجموعة الثانية، فهي الطبقة العليا من الأسر المهاجرة التي تبحث عن شقق بمساحة تتراوح بين 300 و400 متر مربع بميزانية لا تتجاوز مليوني دولار. يرى مكارم أن هناك الكثير من الإشارات الإيجابية والصحية التي يمكن لحظها في الركود الحاصل في السوق العقارية، وأبرزها تغيّر عقلية الزبائن «فبعد سنوات من الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي والشقق، تحوّلت السوق نحو العقلانية، وبات الزبائن أكثر استعداداً وهدوءاً وواقعية لجهة توقعاتهم وأحكامهم على السوق». في الواقع، ينطلق مكارم من أن «شراء العقار هو قرار عاطفي وسعي نحو الرفاهية»، ليؤكد أن «الزبائن الذين يحملون توقعات متفائلة سيجدون دائماً عذراً مقبولاً لتأجيل عملياتهم، أما الباقون فهم يرون الفرص في السوق لتملك عقار بالسعر العادل». ضغط السيولة لا يعتقد أصحاب التفسير الثالث بأن هناك ما يسمى السعر العادل في سوق ريعية الطابع وتخضع لكثير من المصالح والحسابات. فهؤلاء، وهم خبراء اقتصاديون ومصرفيون، يشيرون إلى وجود أزمة مالية بدأت تطرق عتبة بعض التجّار والمطورين العقاريين. وفي رأي هذه المجموعة أن السوق العقارية تشهد ركوداً قوياً منذ أكثر من سنة ونصف، فيما تقتصر المبيعات في السوق على عدد قليل من القروض السكنية المدعومة الفوائد عبر المؤسسة العامة للإسكان وعلى الشقق الصغيرة والأكبر قليلاً. ويلفت هؤلاء إلى أن بعض المطورين والمضاربين بدأ «يعرج» بسبب تراكم الأعباء عليهم، لكنهم لا يتوقعون أن تحصل انهيارات ومفاجآت في السوق نظراً إلى أزمة بعض كبار المطورين حالياً الناجمة عن ضغط في السيولة. ويشير مدير دراسات وأبحاث في إحدى المؤسسات المصرفية الكبرى إلى أن التجّار يعتمدون في البدء على «المبيع على الخريطة» الذي يوفّر لهم تمويلاً للبدء بالتشييد بعد أن يكونوا قد وضعوا قسماً من رأس مالهم في عملية شراء الأرض، لكنهم يعتمدون على المصرف للحصول على باقي التسهيلات. غير أن ركود مبيعات الشقق الفخمة والكبيرة، بدأ يتراكم في الأشهر الماضية لتصبح وتيرة نمو القروض للمقاولات والإنشاءات أكبر من وتيرة نمو القروض السكنية. فبحسب إحصاءات مصرف لبنان، بلغت محفظة التسهيلات المصرفية الإجمالية لأعمال المقاولات والبناء، في نهاية آذار 2012، ما قيمته 8.15 ملايين دولار، أي ما يوازي 17.8% من مجمل القروض المصرفية للقطاع الخاص. أما القروض السكنية، فقد بلغت قيمتها الإجمالية 6.25 مليارات دولار، أي ما يوازي 15% من مجمل القروض للقطاع الخاص. لكن في عام 2012 وحده، بلغت قيمة التسهيلات للمقاولات والبناء نحو مليار دولار، في مقابل قروض سكنية في الفترة نفسها بما قيمته 269 مليون دولار. اقتصاد العدد ١٨٤٧ الاربعاء ٣١ تشرين الأول