مقالات صحفية مختارة > ضعف الاقتصاد» كافٍ لإثارة المخاوف
هروب الودائع: النموّ 5.2% والفائدة 5.47%
ما أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لجهة وجود ضعف في الاقتصاد، أثار مخاوف عدد من المصرفيين رغم إصراره على أن الوضع المالي والنقدي بخير. وكلام سلامة يصل إلى حدود التناقض مع كلام هؤلاء في مجالسهم الخاصة فبعضهم يتحدث بقلق بالغ و«مستقبل بلا أفق» محمد وهبة يدلي عدد من المصرفيين بآرائهم استناداً إلى المؤشرات المصرفية الأخيرة الصادرة عن مصرف لبنان، ابتداء بمعدّل نموّ الودائع ومروراً بنموّ التسليفات للقطاع الخاص، ووصولاً إلى نموّ ودائع القطاع العام... وهؤلاء يقدّمون تفسيرات سلبية للمؤشرات والبيانات الاقتصادية والمالية والنقدية، ويؤكدون أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لم ينفِ ولم يتحفّظ في مجالسه الخاصة عما يقال عن وجود صعوبات كبيرة في سيولة بعض الشركات وصعوبات أخرى تواجهها المصارف المنتشرة في العالم أيضاً حيث يضرب الركود. البيانات الأخيرة الصادرة عن مصرف لبنان تشير إلى أن الودائع المصرفية قد نمت بمعدّل 5.2% خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، فزادت ودائع المقيمين بقيمة 4.31 مليارات دولار منذ مطلع السنة الجارية حتى نهاية أيلول 2012 لتبلغ 98.7 مليار دولار. أيضاً زادت ودائع القطاع الخاص غير المقيم بقيمة 1.72 مليار دولار لتبلغ 22.9 مليار دولار، فيما زادت ودائع القطاع المالي غير المقيم 286 مليون دولار لتبلغ 6 مليارات دولار. وبذلك، فإن مجموع هذه البنود الثلاثة للودائع المصرفية يكون قد ارتفع من 121.5 مليار دولار في نهاية كانون الأول 2011، إلى 127.8 مليار دولار في نهاية أيلول، أي بزيادة إجمالية قيمتها 6.3 مليارات دولار، ونسبتها 5.2%. «هذا معدل غير كافٍ مصرفياً» يقول مصرفي متابع. هذا الأخير يرى أن ما لم يقله مصرف لبنان هو «أن الضعف في الاقتصاد سينعكس ضعفاً في العمل المصرفي، وإذا طرأت أي تطوّرات سلبية فإن الضعف سينقلب تدهوراً... وعندها ستكون وتيرة ومسار التداعيات مختلفين تماماً». ويفسّر هذا المصرفي العتيق، أن نموّ الودائع ناجم عن أمرين أساسيين؛ الأول هو أن سعر الفائدة المثقلة على الودائع في المصارف يبلغ 5.47%، أي أنّ النمو الناتج من الفائدة هو أعلى، أي أنه لم تدخل أي مبالغ جديدة على القطاع. ويضاف إلى ذلك أن حركة تداول النقد بين ودائع وقروض تزيد حجم الودائع افتراضياً (المقصود هو زيادة وهمية لأن الوديعة تتحول إلى قرض ثم إلى وديعة ثم إلى قرض... لتصبح كل ليرة موازية لـ5 ليرات بالحدّ الادنى). وما يعزّز فرضية المصرفيين عن هروب الودائع من لبنان، هو وجود مؤشر آخر أكثر دلالة، أي ميزان المدفوعات الذي يعبّر عن حركة دخول وخروج الاموال من لبنان، فرصيد هذا الميزان، اليوم، هو عجز بقيمة 1931 مليون دولار. إلى أين ذهبت الأموال؟ إذا كان هذا الوضع هو السائد على صعيد الودائع، فما هو الوضع في باقي المؤشرات المصرفية؟ الإجابة تأتي من الميزانية المجمّعة للمصارف عن الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية. فهذه البيانات تشير إلى أن التسليفات للقطاع الخاص زادت بقيمة 2.7 مليار دولار، أي بزيادة نسبتها 7.8%، وخلال شهر آب وحده زادت بقيمة 429 مليون دولار. في المحصّلة زادات محفظة هذه التسليفات في نهاية أيلول 2012 إلى 36.9 مليار دولار. وفي المقابل، ارتفعت ودائع المصارف لدى مصرف لبنان خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، بقيمة 4.86 مليارات دولار لتبلغ 52 مليار دولار (هذا لا يعني أبداً أن مصرف لبنان بإمكانه استعمال كل هذ الاموال فور طلبه، بل هناك جزء كبير من هذه الأموال يصنّف ضمن الكتلة المتحرّكة التي لا يعوّل عليها في حال حصول أي مكروه، وهذه الكتلة تخفض الرقم المعلن عن احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية إلى مستوى أقلّ مما يعلن). أما توظيفات المصارف في سندات الخزينة فلم تزد سوى بقيمة 787 مليون دولار لتبلغ محفظة السندات لدى المصارف ما مجموعه 30 مليار دولار. هذا المشهد في تسليفات المصارف يعني بوضوح، أن المصارف تودع وتوظّف لدى القطاع العام نحو 82 مليار دولار، أي ما يوازي 64.1% من ودائعها. أما تسليفاتها للقطاع الخاص فهي توازي 28.8% من الودائع الإجمالية، وبالتالي فإن تركّز التوظيفات بهذا المستوى المرتفع يزيد المخاطر وقد يرفع من احتمالات زيادة مخاطر تصنيف المصارف الأكثر تركّزاً. فهذا التركّز، وإن كان مستقرّاً حالياً، إلا أنه يأتي في سياق ركود اقتصادي قوي يتزامن مع أوضاع صعبة في المنطقة ستزيد الضغوطات على التسليفات المصرفية، وستزيد من القروض المتعثرة التي تزيد بدورها من خسائر المصارف أيضاً... «الأمر كلّه عبارة عن سلسلة واحدة متصلة ببعضها، فلا يمكن الادعاء بأن جزءاً أساسياً من الوضع بخير، وأن سعر صرف الليرة المثبت وهمياً، هو بخير أيضاً» يقول مصدر مصرفي مطلع. ويضيف، إن اللبنانيين سيدفعون ثمن كل هذه السياسات، إذ «لا شكّ في أن تثبيت سعر صرف الليرة طيلة هذه الفترة دفع أسعار الأصول نحو الارتفاع في لبنان لتصبح أسعار المواد الأساسية الحياتية باهظة وكلفة السكن غالية جداً. اللبنانيون لم يعودوا يشعرون بأنهم مربوطون بحلقة مفرغة على النحو الآتي: الأسعار ترتفع، فنضطر لزيادة الرواتب والأجور، فيحدث تضخم في دفق النقد إلى السوق يدفع مصرف لبنان إلى امتصاصه بكلفة مرتفعة، ثم يدفع التضخّم الاسعار صعوداً لنعود إلى نقطة البداية من جديد... وقد استمرّ هذا الأمر طيلة السنوات الماضية، حتى أصبحت قيمة الليرة بالحضيض وبات إنقاذ المصارف والدين العام هو الشغل الشاغل لمصرف لبنان والدولة كلها، أما القيمة الشرائية لدى اللبنانيين فهي غير ذات أهمية. اليوم فقط يمكن رؤية هذا الأمر بوضوح أكبر، لكن السؤال من يعالج هذه المشكلة وكيف؟». اقتصاد العدد ١٨٥٣ الاربعاء ٧ تشرين الثاني