تناضل «هيئة التنسيق النقابية» منذ نحو سنة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب. وقد استطاعت تحقيق مكاسب عدّة، تبدأ بفرض السلسلة على جدول أعمال مجلس الوزراء وإرباكه، ولا تنتهي ببلورة بداية عمل نقابي في القطاع العام، على الرغم من أن تلك البداية تبقى مهددة في النظام الطائفي ووسط الانقسامات المذهبية. لكنَّ المشكل الأخطر الذي يحمله هذا الحراك المطلبي أنّه ليس شعبيّاً. ليس المقصود الاستهانة بالفئات الواسعة التي تكوّن «هيئة التنسيق النقابية»، أو الطعن بأحقّية مطالبها التي يجب أن تُناقش ويُنظر إليها من جهة المواطنين وليس من جهة الطاقم السياسي فحسب، كما يجري الآن. وليس المقصود أيضاً القول إن ذاك الحراك «فئويّ»، وفق التعبير المصري لوصف التحرّكات النقابيّة، أي يخص مجموعة مهما كان حجمها دون غيرها. المقصود هو أنَّ بعض الهيئة، وتحديداً موظفي القطاع العام فئة غير شعبيّة. وإذا كان قول المعلّمين إنهم يطالبون بحقوقهم فتسبقهم المدارس الخاصّة إلى نيل المكاسب من زيادة الأقساط، ما يخفّف عنهم مسؤوليّة هذه الزيادة، فإن موظّفي القطاع العام ليسوا شعبيين أبداً. ونظرة المواطنين إلى هؤلاء لا تدفع إلى التضامن معهم. والمواطن والدولة لا يأخذان مقابل مطالبهم زيادة في الإنتاجيّة وتحسيناً نوعياً في العمل وتطهيراً من الفساد المستشري. هكذا، يبدون متسللين خلف المعلّمين الذين بدأ التململ من مطالبهم وتحرّكاتهم وإضراباتهم واعتصاماتهم يتنامى وسط المواطنين. هذه المعضلة الأبرز التي تثقل حراك «هيئة التنسيق النقابية» ومن ضمنها موظفو القطاع العام (المعلن منهم، أي باستثناء العسكريين والأمنيين الذين تشملهم سلسلة الرتب والرواتب). وإذ لا بد من الإقرار بحق هؤلاء في تنظيم عملهم النقابي وتطويره تنظيمياً وقانونيّا، لا بد من الإشارة إلى أن الفساد والطائفيّة والمحسوبيّة المذهبيّة عناصر بنيويّة لا تهدد التحالف مع المعلّمين فحسب، وإنما تهدد العمل النقابي برمّته مثلما تهدد الإدارات والإنتاجيّة كمّا ونوعاً. وحتّى الساعة لم يتحدّث أولئك الموظّفون في هذا الأمر أو يقولوا إنهم في صدد علاج مشاكل الإدارة. وإذا كانت القوانين تحظر عليهم الظهور والإدلاء بمواقفهم علناً، فإنهم يتحرّكون ويُمثّلون في «هيئة التنسيق النقابيّة»، التي بدورها لم تقارب، بالشكل اللازم، مشكلات الإدارات والتعليم الرسمي. بل ما زالت الهيئة بجسميها التعليمي والإداري العام ترمي المشكلة في وجه الطاقم السياسي والنظام اللذين يعرف المواطنون وتعرف الهيئة أنّهما ليسا في صدد تطوير الإدارات والتعليم وتطهير هذه وذاك، أو أي إطار آخر. فالفساد والطائفيّة والمحسوبيّة المذهبيّة من طبيعة ذاك النظام وطاقمه السياسي الحاكم ومن مكبّلات الموظّفين، إن لم نقل من طبيعتهم وامتيازاتهم أيضاً. هذا بالضبط ما يجعل تقديم الموظّفين والأساتذة وهيئاتهم النقابيّة خطاباً تحديثيّاً وسلوكيّاً أمراً ضروريّاً، بل شرطاً للمشروعيّة النضاليّة وامتحاناً لنظرة المواطنين إلى مطالبهم، بالرغم من أن الإصلاح والتحديث والتطهير ليست من مسؤوليّتهم وحدهم. ولحلفاء الموظفين في الإدارات الرسمية، أي المعلّمين الذين يملكون تجربة في هذا الإطار، ونظراً إلى مصادرهم الاجتماعيّة والسياسية المتنوعة وإلى طبيعة تكوين قطاعهم وآلية انتسابهم إليه، أن يؤدّوا دوراً في ذلك وفي دفع العمل النقابي في القطاع العام وتنظيمه، خصوصاً على أسس لاطائفيّة ومحسوبيّة أو فساديّة.