مقالات صحفية مختارة > هل يبقى قانون حماية المستهلك حبراً على ورق؟
كتب علي عوباني في الانتقاد الفساد المستشري في لبنان لم يرحم اللبنانيين حتى في لقمة عيشهم، وهو ما برز في الآونة الاخيرة مع افتضاح أمر الكثير من مستودعات اللحوم والاسماك بما حوته من مضبوطات فاسدة. فساد ما لبث أن تدحرجت كرته لتمتد على طول الاراضي اللبنانية وعرضها، كل ذلك في ظل غياب اي رقابة على سلامة الغذاء من قبل الجهات المعنية، فكان أن فرض هذا الملف نفسه على جدول أعمال الحكومة، فانعقدت لأجله اللجان واتخذت الاجراءات، لكن السؤال هل هذا كافٍ، ولماذا لا يوضع قانون حماية المستهلك الذي أقر عام 2005 على سكة التطبيق بدلاً من ان يبقى حبراً على ورق؟ *ما هو هذا القانون وما هي الآليات التي أقرّها لحماية المستهلك؟ قانون حماية المستهلك (رقم 659) الذي صدر عن مجلس النواب في 4 شباط 2005، يهدف كما يشير في مادته الاولى الى صون حقوق المستهلك وحمايته من الغش والاعلان الخادع والحؤول دون استغلاله. وفي هذا الصدد يعدد هذا القانون حقوق المستهلك في مادته الثالثة ومنها: - الحق بالحفاظ على صحة المستهلك وسلامته عند استعماله للسلعة. الحق بالاستحصال على معلومات صحيحة وواضحة ووافية تتعلق بالسلعة. - الحق باستبدال السلعة أو اصلاحها أو استرجاع ثمنها، بحال عدم مطابقتها للمواصفات المتفق عليها. - الحق بتعويض كامل ومناسب عن الاضرار الناتجة عن استهلاك سلعة لدى الاستعمال بشكل سليم. في المقابل، يفرض قانون حماية المستهلك على البائع بعض الواجبات ومنها اعلام المستهلك وتزويده بمعلومات صحيحة ووافية وواضحة عن السلعة وطرق استخدامها، تحديد الثمن وشروط التعاقد واجراءاته، والمخاوف التي قد تنتج عن الاستعمال. ولعل أبرز ما تضمنه القانون هو استحداثه لعدة آليات فاعلة من شأنها اذا ما طبقت ان تحمي المستهلك اللبناني من الغش وتردع التجار عن بيع المواد الفاسدة او المنتهية الصلاحية وهي التالية: محكمة حل النزاعات، المجلس الوطني لحماية المستهلك، الوساطة، تشديد العقوبات. المجلس الوطني لحماية المستهلك في التفاصيل، لحظ القانون دور الدولة في حماية المستهلك من خلال إنشائه هيئة تعرف بـ"المجلس الوطني لحماية المستهلك"، يرأسها وزير الاقتصاد، وتتألف من عضوية المديرين العامّين لتسع وزارات (الاقتصاد، الصناعة، الزراعة، الصحة العامة، البيئة، السياحة، الاتصالات، الاعلام، التربية)، بالإضافة الى رئيس مجلس ادارة مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية، وممثلين عن اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، وممثل عن الصناعيين وآخر عن نقابة وكالات وشركات الدعاية والاعلان، وممثلين عن جمعيات المستهلك. أما أهداف المجلس كما تحددها المادة 61 من قانون حماية المستهلك، فتشير الى أنه يتولى تقديم الاقتراحات الآيلة الى دعم دور المستهلك في الاقتصاد الوطني، والحفاظ على صحته وسلامته وحقوقه، وتأمين سلامة السلع وتحسين جودتها، وتوعية المستهلك وإعلامه وإرشاده وحثه على استعمال أنماط الاستهلاك المستدامة وعلى اعتماد السلع والخدمات التي تحافظ على البيئة.
وفي هذا السياق، يشير رئيس جمعية المستهلك زهير برو الى "ان المجلس الوطني لحماية المستهلك جرى تعطيله منذ اقراره قبل ست سنوات، فلم يعقد اجتماعا واحدا منذ ذلك الحين، ويرجع برو سبب ذلك الى الخوف من دوره ومن ان يقوم بفضح عجز مديرية المستهلك وحمايتها للتجار وليس للمستهلكين"، موضحا انه "لهذه الاسباب طرحت جمعية المستهلك واتحادات المستهلك العربية منذ مدة ان تكون المرجعية القانونية لحماية المستهلك مستقلة وان لا تكون لا عند التجار ولا عند الصناعيين ولا عند المزارعين بسبب تضارب المصالح بينهم". الى ذلك، لم يكتف قانون حماية المستهلك بإنشاء المجلس الوطني، بل نص أيضاً على طريقتين لحل النزاعات الناشئة بين المستهلك والتاجر هما: الوساطة، ومحكمة حماية المستهلك (لجنة حل النزاعات). أما بشأن الوساطة، فهي تهدف الى التوفيق بين اطراف النزاع، على ان يقوم بدور الوسيط بحسب القانون موظف أو اكثر من وزارة الاقتصاد، ويقدم الحلول التي يقترحها، في ضوء اقوال اطراف النزاع والمستندات التي تقدم له. فاذا وافق اطراف النزاع على حل شامل أو جزئي، يدون الاتفاق في المحضر ويوقع عليه كل من الوسيط وأطراف النزاع ويكون بمثابة اتفاق ملزم. أما في حال عدم التوصل لأي اتفاق جزئي تحال الخلافات التي بقيت موضع نزاع الى محكمة المستهلك ( لجنة حل النزاعات).
محكمة خاصة بحماية المستهلك محكمة المستهلك معطلة فيما الاتجاه الحديث في العالم نحو المحاكم المتخصصة لمعالجة القضايا بسرعة تنشأ محكمة لحماية المستهلك أو لجنة لحل النزاعات، برئاسة قاضي شرف أو قاضٍ من الدرجة الرابعة فما فوق، وعضوية ممثل عن غرف التجارة والصناعة والزراعة، وممثل عن جمعيات حماية المستهلك. على ان ينحصر اختصاص هذه المحكمة بالنظر في النزاعات الناشئة بين التاجر والمستهلك. ولمحكمة المستهلك أصول خاصة تختلف في بعض جزئياتها عن الاصول المتبعة لدى القضاء الجزائي والعدلي، فهي معفاة من نصف الرسم المقطوع الذي يستوفى من الدعاوى القضائية، ولا تستوجب توكيل محام، كما ان القرارات التي تصدر عنها لا تقبل اي طريق من طرق المراجعة سوى الاعتراض واعتراض الغير وتصحيح الخطأ المادي والاستئناف امام محكمة الاستئناف المدنية.
رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، لفت في حديث لـ"الانتقاد" الى ان "محكمة المستهلك او ما سميت بلجنة حل النزاعات بين المحترفين والمستهلكين التي أقرها قانون حماية المستهلك لم تجتمع ولا مرة حتى اليوم"، مشيراً الى انه "جرى تعطيلها من قبل وزراء الاقتصاد السابقين، وهو ما حرم المستهلكين من إطار قانوني، آليات عمله أفضل بكثير من آليات عمل المحاكم الجزائية كونه مرتبطاً بأصول ومهل محددة، ما يسمح بالإسراع بحل مشاكل المستهلكين، وهذا في الاساس هو اتجاه حديث في العالم نحو أن يكون هناك محاكم سريعة تعالج مشاكل متخصصة، أما في لبنان فقد كتب ذلك على الورق، لكن السلطات السياسية منعت من بدء العمل به، والسبب ان وجود هذه المحكمة يظهر الفشل الكبير الموجود داخل مديرية حماية المستهلك. خصوصا اذا ما علمنا ان عدد الشكاوى والنزاعات شبه معدوم اليوم بمديرية حماية المستهلك". وفيما يلفت برو الى ان هذه المحكمة كان من المفترض ان تشكل ملجأ للمستهلكين خاصة اذا ما جرى متابعة موضوع الشكاوى، يخلص الى ان الخشية من فضح حقيقة ما يجري داخل مصلحة حماية المستهلك أفضت الى تعطيل المحكمة والحؤول دون انطلاقة عملها.
العقوبات رادعة ومشددة
اما بالنسبة للعقوبات التي نص عليها قانون حماية المستهلك، فيلاحظ انها اتت مزدوجة ودمجت بين الغرامة الاكراهية والحبس، وبذلك أتت أشد من العقوبات التي نص عليها قانون العقوبات، وهي تراوحت بين الحبس من شهر لمدة سنة مع غرامة تتراوح بين عشرة ملايين وخمسة وسبعين مليون ليرة لبنانية في حال كانت السلع لا تتوافق مع المواصفات المعتمدة والمتعلقة بالسلامة، فيما شددت العقوبات الى 3 سنوات و75 مليون ليرة في حال نجم عن استعمال المستهلك للسلعة تسمم او مرض، اما اذا نجم عنها انتشار مرض وبائي أو ادت الى التسبب بوفاة انسان، فشددت العقوبة لتتراوح من 3 الى 10 سنوات، فيما الغرامة تراوحت بين خمسة وسبعين مليونا الى مئة وخمسين مليون ليرة. على ان تضاعف العقوبة في حال تكرار المخالفة، علما انه يمكن للمحكمة ان تقضي ايضا بمنع المخالف من ممارسة نشاطه نهائيا أو مدة 5 سنوات على الاقل، او ان تقرر وقف التعامل بالسلعة موضوع المخالفة، فضلا عن مصادرة السلع المغشوشة وتلفها. المعلومات الواجب إدراجها على لصاقات السلعة: نوع السلعة، مكوّناتها، الوزن الصافي، أو حجمها أو عددها. مدة الصلاحية، بلد المنشأ، اسم المصنع وعنوانه. المخاطر والمحاذير الناجمة عن استعمال السلعة وفي هذا الاطار، يرى رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو ان العقوبات الواردة في قانون حماية المستهلك أفضل بكثير على الورق لكنه يشير الى انها أسوأ بكثير في حال التطبيق، لافتا الى ان ما تظهره الارقام الحالية هو ان بعض القضاة يجدون أسبابا تخفيفية غريبة عجيبة للتجار الفاسدين حتى في حال تكرارهم للجنحة ولبيع السلع واللحوم الفاسدة، ويضرب برو مثالا على ذلك، فيشير الى ان مديرية حماية المستهلك قامت مطلع هذا العام بتنظيم محاضر ضبط بـ25 مليون ليرة، وهو حد معقول كعقوبة، انما بعض القضاة لجأوا الى منح اسباب تخفيفية للمخالفين حتى جرى إلغاء عقوبة السجن ببعض الحالات التي تكررت فيها المخالفات، فأحد المتاجر وجد عنده 3 مرات بضائع فاسدة، وحينما حكم عليه بالسجن قام احد القضاة بتخفيف العقوبة بحقه الى مليون ليرة فقط بدلا من السجن. واعتبر برو ان كل ذلك يشكل رسائل خاصة للتجار ونوعا من الحماية غير المباشرة لهم، من خلال افساح المجال امامهم بالمخالفة على ان يجري منحهم اسبابا تخفيفية من قبل بعض القضاة. مشددا على ضرورة ان يقف القضاء الى جانب المستهلك لان القضاء يفترض ان يكون ملجأ للمواطن في ظل الصراعات السياسية والطائفية المسيطرة على الادارات المركزية.
وفي الختام، لفت برو الى ان وزارة الاقتصاد التجارة تحولت الى وزارة تجارة لا علاقة لها بالمستهلكين، داعياً الى اصلاح مديرية حماية المستهلك، موضحا انه "لا يجوز ان تستمر كما هي ويجب اجراء الاصلاحات الضرورية عليها، وخصوصاً ان اسمها مديرية حماية المستهلك وليس مديرية حماية التجار". وخلص برو الى ان المدخل الصحيح لاصلاح مجمل الوضع القائم هو تطبيق قانون حماية المستهلك بأن يجتمع المجلس الوطني لحماية المستهلك، وتوضع المحكمة الخاصة به على سكة التطبيق، لافتا الى ان اللجان التي تجتمع اليوم اجتمعت سابقا، فكان ان اتت النتائج والحلول غير مبنية على اسس صلبة، موضحا ان "الاساس الصلب هو قانون سلامة الغذاء فهو الاصل الصلب الذي يجب البناء عليه اما ما هو قائم اليوم من اجتماعات والى آخره فنخشى ان لا تكون سوى مجرد بالونات وفقّاعات هواء للتنفيس لعلّ الناس تنسى، فيعود اللبنانيون لاحقا للانتقال من محطة يأس الى محطة يأس اخرى".