مقالات صحفية مختارة > مخـرج لفـكّ السلسلة عـن عنـق الحكومة!
عدنان الحاج السفير 29-11-2012
لا مخرج قريباً للحكومة من أزمة سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام، ما لم تنفذ التزامها بقرار الموافقة على السلسلة وإحالته على المجلس النيابي، ولو كان ذلك بتعديل وتقسيط السلسلة كما جاء قرار الحكومة على أربعة أو خمسة أقساط تنتهي في العام 2017 تلافياً للآثار التضخمية وتوزيعاً للعبء المالي. هذه الخطوة وحدها تنقل المشكلة الاجتماعية المعيشية من الشارع إلى المجلس النيابي، الذي عليه أن يقر قانون السلسلة مع القوانين المرفقة الخاصة بمصادر التمويل، والتي أنجزها وزير المالية بطلب من مجلس الوزراء، وحولها من اقتراحات إلى مشاريع قوانين من شأنها أن تؤمن عائدات إضافية بما يقارب حوالي 2000 مليار ليرة وهي توازي كلفة وأعباء السلسة على الخزينة من دون أن تزيد العجز في الموازنة العامة . هذه الخطوة، أو المبادرة، وحدها تحفظ ماء وجه الحكومة تجاه التزاماتها وقرارها غير المنفذ، بإحالة السلسلة على مجلس النواب بعدما أقرتها مقسطة، بناء على موافقة وزير المال وغالبية أعضاء الحكومة، كي لا نقول الوزراء كافة في الحكومة. في المقابل، لن تستطيع «هيئة التنسيق النقابية»، التي ترفض التقسيط حتى الآن، رفض قرار الحكومة المتخذ منذ أشهر، ولو بتقسيط السلسلة، وهي ستعمل من دون شك على سحب التحرك من الشارع والتوقف عن تعطيل المدارس وتشريد عشرات آلاف التلاميذ، وتحميل الأهل الخسائر بعشرات المليارات ناهيك عن تعطيل الإدارة العامة في الوزارات والمؤسسات التي تزيد الخسائر من خلال تعطيل المعاملات. في التفاصيل، هناك مجموعة من الوزراء القلائل الذين خاضوا مفاوضات السلسلة يقرون بضرورة عدم تجاهل الحركة المطلبية في الشارع، ويدعمون توجه إحالة السلسلة على مجلس النواب مع بعض المقترحات حول تفعيل إنتاجية القطاع العام والإدارات العامة وزيادة ساعات العمل، أسوة بالقطاع الخاص، مع تطبيق جملة تدابير تتعلق بعدم التوظيف والحد من الهدر في الإدارة العامة وبعض الأجهزة والوزارات، وهو أمر يمكن تحصيله لزيادة الإيرادات وتوفير المزيد من العائدات المقدرة بنحو ملياري دولار سنوياً في حال تنشيط العمل الإداري. وعلمت «السفير» نقلاً عن زوار رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنه مع تطبيق السلسلة، ولم تعد المماطلة جائزة بعد قرار الحكومة وبالتالي يجب إحالتها على مجلس النواب. في المقابل، هناك وزراء آخرون على صلة بالقطاع الخاص والهيئات الاقتصادية ومن متابعي مفاوضات السلسلة يقولون ان «ليس من عاقل يمكن أن يوافق على هذه السلسلة أو تحمل اعبائها على الاقتصاد وهي ستحول لبنان إلى أغلى بلد في العالم من حيث كلفة القطاع العام». لكن السؤال كيف تمت الموافقة على إقرار السلسلة في مجلس الوزراء ومن ثم اكتشاف مخاطرها وانعكاساتها على المالية العامة؟ الجواب بكل بساطة أن الخوف من الآثار التضخمية شرحه ملخص كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لـ«السفير» قبل عرضه في مجلس الوزراء، وهو أن التقسيط المدروس للسلسلة يحد من أثرها التضخمي، لكون ضخ السيولة دفعة واحدة بنحو 2200 مليار ليرة من شأنه أن ينعكس زيادة في عجز الميزان التجاري، لأن لبنان يستورد معظم حاجاته من الخارج، وان الطبقة المستفيدة من السلسلة ستتوجه إلى الاستهلاك وشراء السلع من السوق. وهذا يعني عجزاً إضافياً في ميزان المدفوعات نتيجة خروج الأموال من لبنان أكثر من الدخول إليه. وهذا أمر مفهوم اقتصادياً نظراً لتزايد العجز في ميزان المدفوعات إلى أكثر من 1900 مليون دولار حتى الفصل الثالث من 2012. في الخلاصة، ان المشكلة تخص 180 ألف موظف ومعلم ومتقاعد في مختلف الأجهزة، وان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما زال يكرر أنه مع إقرار السلسلة شرط تأمين مصادر التمويل، وهو كلام بات يحتاج إلى التطبيق مع تحديد سقف زمني، على اعتبار أن التأخير بات ينعكس على صدقية تعهد الحكومة بتنفيذ وعودها وتطبيق قراراتها، ما يدفع الرئيس ميقاتي إلى البحث عن مصادر إضافية للتمويل تلافياً للضغوط المالية ومراعاة لنصائح صندوق النقد الدولي للسلطات المالية والنقدية من وزارة المال إلى البنك المركزي. في المناسبة، نذكر ببعض مصادر التمويل المتاحة من دون اعباء وضرائب على المواطن ومنها: ـ هناك نحو 48 الف عقار للدولة غير مستثمرة في مختلف المناطق اللبنانية، منها 18 ألف عقار ممسوح تشكل كلها نحو 16 إلى 18 في المئة من الاراضي اللبنانية. وهناك فضلات العقارات التي عليها مخالفات، من دون المخالفات على الأملاك البحرية. هذه وحدها في حال بيع الفضلات واستثمار العقارات المفرزة تؤمن عائدات تغطي حيزاً كبيراً من عجز الموازنة وليس السلسلة فقط في حال تفعيل الإدارة. ـ هناك نحو 3000 مليار ليرة تضيع سنوياً بين التهرب الضريبي والتخلف عن الدفع، وكذلك الهدر على البوابات والمرافق والتقديمات الصحية والتربوية بين الضمان والصحة والخدمات. ـ هناك عجز سنوي في مؤسسة الكهرباء يقدر بنحو 2900 مليار ليرة (نحو ملياري دولار) من دون توافر الكهرباء. وهو أمر إذا عولج من حيث الانتاج يوفر وحده كلفة السلسلة ولو مقسطة أو معدلة. ـ يبقى الخوف أن يتحول الطرح إلى مقايضة بين وجود الكهرباء أو السلسلة نظراً لتقارب الكلفة وهو أمر يشبه النكتة السمجة. ـ في أوسط التسعينيات صدر تقرير لرئيس مجلس الخدمة المدنية الراحل الدكتور حسن شلق، نشرته «السفير» في حينه، يقول فيه: «ان رواتب موظفي الإدارة العامة الحالية تحول الموظف إما إلى سارق وإما إلى فقير». هذا الواقع يطال غالبية موظفي إدارات الدولة. اوقفوا أسباب السرقة والفقر في الإدارة، يتوقف الهدر وتتحسن الإيرادات العامة.