يرصد المصرفيّون مؤشّرات عديدة، أبرزها النموّ الحقيقي للودائع بقيمة 2.7 مليار دولار حتى نهاية تشرين الثاني وتداعيات «الربيع العربي» على الانتشار المصرفي. وفي رأي الباحثين المصرفيين أن الخطر الأكبر يكمن في احتمال حصول تدهور أمني أو عسكري محلياً محمد وهبة الاخبار 7-12-2012 حتى نهاية أيلول، لم يكن الباحثون المصرفيون قد رصدوا دخول «أموال طازجة» إلى القطاع المصرفي سوى بقيمة 1.5 مليار دولار. لكن خلال شهر تشرين الأول، دخل إلى القطاع 1.2 مليار دولار إضافية، أي ما قيمته الإجمالية 2.7 مليار دولار لترتفع نسبة النمو الحقيقية للودائع من 1.2% في نهاية أيلول إلى 3.8% في نهاية تشرين الثاني. هذه النسبة تعدّ متدنية، إلا أنها في رأي الباحثين لا تمثّل مصدر الخطر، بل هي مؤشّر على ارتفاع حدّة المخاطر وأبرزها المخاطر المحلية. قبل أيام، عقد «ملتقى لبنان الاقتصادي» وتضمن جلسة «القطاع المصرفي» شارك فيها 4 مصرفيين: المدير العام لـ«فرست ناشيونال بنك» نجيب سمعان، شادي كرم مصرفي سابق ومستشار خاص لرئيس الجمهورية، مازن سويد كبير الاقتصاديين في «بنك ميد»، ونسيب غبريل رئيس قسم الأبحاث في «بنك بيبلوس». وبعد الجلسة مباشرة، عُقد لقاء مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. لكن ما قيل بين الجلسة الأولى واللقاء مع سلامة يحمل الكثير من التناقض أو الكثير من مبدأ «التقيّة»، ففيما شدّد سلامة على أن الودائع نمت في المصارف بنسبة 7%، أوضح غبريل وسويد أن نموّ الودائع لم يزد حتى نهاية أيلول على 1.2%، في حين أن الإحصاءات الصادرة عن جمعية المصارف تشير إلى أن النمو الحقيقي للودائع لم يزد على 3.8%. كان سويد قد عرض معدلات نموّ الودائع المصرفية، مشيراً إلى أنها زادت خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية بقيمة 6 مليارات دولار، لكن «الأموال الطازجة» (Fresh Money) التي دخلت إلى لبنان تقدّر بنحو 1.5 مليار دولار فقط». وفي الجلسة نفسها، لم يتردّد غبريل في الإشارة إلى صحّة ودقّة الرقم الذي كشف عنه سويد، نظراً الى أن القطاع لم تدخل إليه أموال جديدة (طازجة) سوى الرقم الذي ذكره سويد، لافتاً إلى أن «النموّ الباقي في قاعدة الودائع مصدره الفوائد». في الواقع، تفيد الميزانية المجمعة للمصارف بأن الودائع المصرفية ارتفعت من 121.5 مليار دولار في نهاية كانون الأول 2012 إلى 127.8 مليار دولار في نهاية أيلول 2012 و128.7 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني 2012، أي أنها زادت حتى أيلول 6.3 مليارات دولار، و7.2 مليارات دولار حتى نهاية تشرين. لكن النموّ الحقيقي للودائع هو الذي يعكس حركة دخول المال الجديد الطازج إلى القطاع، وليس ذلك الناتج من الفوائد، ففي عملية حسابية تأخذ في الاعتبار معدلات الفائدة المثقلة على الودائع بالليرة والدولار، والتي تبلغ 5.46% على الليرة و2.84% على الدولار، يتبيّن أنه من أصل مبلغ 7.2 مليارات دولار احتسبت في نمو الودائعّ، هناك مبلغ 4.5 مليارات دولار هو ناتج من الفوائد المترتبة على الودائع، فيما الباقي أي 2.7 مليار دولار هو من المال الطازج، علماً بأن هذه الأموال لم تكن تزيد على 1.2 مليار دولار في نهاية أيلول. ينطلق غبريل من نسب نموّ الودائع بوصفه مؤشّراً لمجموعة تحديات ومخاطر مرتقبة. فهو يعتقد بأن التحدّي الأساسي يتعلق اليوم بالانتشار المصرفي والتوسّع خارج لبنان. فمن مميزات هذا الانتشار أنه كان يمثّل فرصة لزيادة التسليف خارج لبنان، ولا سيما أن التسليفات المحلية في لبنان مركّزة بنحو نصفها في تمويل الدولة والدين العام، وبالتالي فإن نوعية الأرباح المحققة من التسليفات للقطاع الخاص تختلف عن تلك المتصلة بالدولة، لكن المصارف اللبنانية كانت قد بدأت «تحقق أرباحاً من الانتشار الخارجي، إلى أن أتى الربيع العربي بتداعياته في تونس، ومصر، وسوريا، والأردن... حتى في السودان حيث كانت هناك مشاكل كبيرة بعد انفصال الجنوب عن الشمال، وفي دول الخليج العربي كانت هناك مشاكل أيضاً... لكن تداعيات الربيع العربي أوقفت فرص التسليفات الخارجية». رغم ذلك، يعتقد غبريل أن تداعيات الربيع العربي على المصارف اللبنانية هي أمر مؤقت، لكن هناك تحديات محلية الطابع، «فالتوقعات الأكثر تفاؤلاً تشير إلى نمو الاقتصاد اللبناني بمعدل حقيقي لا يتجاوز 0.5%، فضلاً عن مخاوف من اتساع العجز في الموازنة وارتفاع حاجة الدولة إلى الاستدانة من المصارف». ويضيف غبريل إلى ذلك «وجود تحديات من نوع الامتثال للعقوبات الأميركية لأن أي سوري يريد أن يفتح حساباً في مصرف لبناني يعامل على أنه يحمل مرضاً فتاكاً. وهناك أيضاً كلفة تطبيق اتفاقية (FATCA) التي تتحدث عن تطبيق قانون التهرب الضريبي للأميركيين في خارج الولايات المتحدة». رغم ذلك كله، فإن الخطر الأساسي، في رأي غبريل، هو «خروج الودائع من لبنان. فهذه الودائع تموّل القطاعين العام والخاص، وهناك قسم منها يذهب إلى احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، فيما المصارف لديها حاجة إلى السيولة في ظل هذه الأوضاع الصعبة، ما يعني أن بدء خروج الودائع ستكون تداعياته قوية على القطاع المصرفي وعلى السوق بكاملها». ويستذكر غبريل المرات التي بدأت فيها هذا المنحى عملياً: خلال الأسابيع التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، خرجت ودائع توازي 5% من الودائع في تلك الفترة، وفي أثناء حرب تموز خرجت ودائع توازي 3%، وفي كانون الثاني 2011 حين أسقطت حكومة سعد الحريري خرج مبلغ 1.1 مليار دولار، أي ما يوازي 1% من الودائع. «أما اليوم، فإن أي حرب إسرائيلية ستكون آثارها موازية للأحداث الثلاثة المذكورة، وربما أقوى، وهناك حالة ثانية لها تداعيات مشابهة وهي أن يتحوّل لبنان إلى ساحة حرب داخلية» يقول غبريل. اقتصاد العدد ١٨٧٦ الجمعة ٧ كانون الأول