تراجع النتائج المالية والاقتصادية للعام 2012 وضرب النمو يهددان بالتمدد إلى العام 2013 بيت الداء في عجز الموازنة وتردي الكهرباء.. و19,4 مليار دولار عجز المؤسسة منذ 1992
عدنان الحاج السفير 17-12-2012
مع اقتراب نهاية العام 2012، وعلى الرغم من عدم اكتمال النتائج الاقتصادية والمالية والمعيشية للسنة كاملة، فإن المؤشرات باتت واضحة من غير باب، ومن أكثر من مصدر، بأن العام 2013 لن يكون أفضل من العام 2012، من حيث حجم النمو الاقتصادي وتدفق الاستثمارات وتزايد حجم المشاريع الخارجية، بدليل وحيد وهو استمرار تراجع مؤشرات مثلث عناصر النمو الاقتصادي الأساسية. مع إضافة عنصر أساسي وهو تزايد عجز الخزينة والموازنة في مرحلة من دون موازنات عامة ترعى ضبط الإنفاق العام وتحد من نمو العجز وكلفة المديونية العامة. ابرز نقاط الخوف تنمو من عنصرين أساسيين، موضوع عجز الكهرباء الذي لن يقل عن 2900 مليار ليرة سنوياً وتردي خدماتها أولاً. والعنصر الثاني هو هم تمويل سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام وانعكاساتها التضخمية على الاقتصاد واعتراض «الهيئات الاقتصادية» على مفاعيل السلسلة، ما يعيق إمكانية إقرارها بسهولة نتيجة صعوبة مصادر التمويل، بسبب الخلافات بين مكونات الحكومة، لا سيما بعض الوزراء الذين يتصرفون وكأنهم أباطرة أو ملوك وزاراتهم، وبالتالي لا يجوز مقاربة مصادر زيادة إيرادات الدولة من مصادر متاحة فيها. هذا ما حصل مؤخراً، من اعتراضات ومقاطعة خلال مناقشة اقتراحين لتعديلات تعريفة الكهرباء التابع لوزارة الطاقة، وزيادة عامل الاستثمار في قطاع البناء، وهو أمر يخص وزارة الأشغال العامة (مديرية التنظيم المدني)، والتي يراها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفريقه الاقتصادي مصادر أساسية لتمويل السلسلة من دون فرض ضرائب كبيرة على المواطنين،على أمل البحث في مصادر أخرى. المهم أن كل المقترحات أبعدت إمكانية إقرار السلسلة التي يرى وزير المالية محمد الصفدي أن وزارة المالية لديها إمكانية لتطبيق السلسلة ولو معدلة أو مقسطة بعدما دفعت غلاءات المعيشة. كذلك يرى وزير المالية أن التعديلات الضريبية المقترحة والمحالة بموجب مشاريع قوانين من شأنها أن تؤمن إيرادات تخفف من أعباء السلسلة ومن عجز موازنة العام 2013 الذي يفترض أن يكون دون عجز العام 2012 للحد من المخاطر المالية على لبنان وتأمين مصادر تمويل العام المقبل.
^^ عجز الموازنة والكهرباء
أصعب ما ستواجهه الدولة في سنة انتخابية في العام 2013 هو البحث عن تقليص العجز وتراجع مصادر التمويل لحاجات الدولة، والسنة الانتخابية تترافق عادة مع محاولات لزيادة النفقات الخدماتية من دون حساب، في إطار الترويج الانتخابي لإغراء الناخبين في المناطق. أما بالنسبة لمصادر التمويل من دون ضرائب جديدة (من زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى الأملاك البحرية، وزيادة الضريبة على الفوائد المصرفية ورسوم السيارات وغيرها من رسم الطابع المالي)، فهي تحتاج إلى تفعيل العجلة الاقتصادية وتحريك عناصر مثلث النمو وهو أمر يستحيل حصوله في ظل الانقسامات الداخلية والتوترات الأمنية اللبنانية وتزايد التوترات في المنطقة، لا سيما تسارع وتيرة الصراعات في سوريا التي تنعكس على لبنان من الأمن إلى الاقتصاد. من هنا ضرورة العمل بالحد الأدنى على تنشيط حركة التجارة الداخلية والخارجية، بمعنى زيادة الصادرات للحد من عجز الميزان التجاري الذي يتخطى 16 مليار دولار. كذلك خلق المناخ لتدفق حركة الرساميل والتوظيفات الخارجية لخلق فرص عمل وزيادة ايرادات الدولة من دون ضرائب من خلال تكبير الاقتصاد، وهو أمر صعب، في ظل عدم توافر مناخ الاستقرار المشجع لحركة التوظيف، لا سيما ان الحركة التجارية فقدت أكثر من 50 إلى 60 في المئة من حجم أعمالها خلال العام 2012 ولم يظهر ما يمكن تغيير وجهتها. النقطة الثالثة تتعلق بالحركة السياحية المتراجعة على الدوام نتيجة الظروف العامة وعدم توافر الثقة الخارجية نتيجة الانقسامات.
^^ تأخر تلزيم الكهرباء والبواخر نحو التحكيم!
أما موضوع الكهرباء فيستأهل وحده وقـفة مطـولة في ظل تأخر حسم مناقصات تلزيم معامل الانتاج، لا سيما معمل دير عمار في طرابلس، لزيادة الطاقة الإنتاجية بما يفوق 525 ميغاوات، إضافة إلى 240 ميغاوات للجية والزوق، وهو أمر لم ينجز بعد. أما موضوع البواخر الذي تأخر عن موعده عدة أشهر لأسباب غير مبررة أو معروفة، في الوقت الذي عاش الناس فيه أسوأ أزمة كهرباء في تاريخها لجهة تراجع الانتاج وتزايد ساعات القطع من الشتاء إلى الصيف. فالطاقة المنتجة اليوم لا تزيد عن 1200 ميغاوات بينما الحاجة هي تفوق 2500 ميغاوات. من هنا أهمية إنجاز البت في المناقصات، لا سيما مناقصة معمل دير عمار الذي سيؤمن، حسب النتائج، أكثر من 5 مليارات كيلوات ساعة بكلفة 13,6 سنتا للكيلوات ساعة أي أقل بحوالي 20 سنتاً عن متوسط كلفة إنتاج المعامل الحالية، من صور الى بعلبك والزوق والجية وحتى الزهراني والبداوي (حيث الكلفة بين 29 و37 سنتاً)، ما يعني أن الوفر السنوي في حال التنفيذ اليوم سيخفض كلفة العجز بحوالي المليار دولار سنوياً. كذلك فإن كلفة إنتاج المعمل الجديد في حال تلزيمه وفقاً لنتيجة المناقصة التي أجرتها إدارة المناقصات بموافقة البنك الدولي واستشاري سويسري تقل بحوالي 10 الى 11 سنتاً عن كلفة البواخر التي تأخرت عن موعدها من دون تبرير يذكر، مع العلم ان البواخر لن تزيد التغذية كونها ستحل محل بعض مجموعات الزوق والجية التي تخضع للصيانة والتأهيل. وعلمت «السفير» ان السفيرة الإسبانية في لبنان سلمت الرئيس ميقاتي رسالة من حكومتها تطالب فيها بأن تعامل الشركات الإسبانية بشفافية نظراً للعلاقات المميزة بين لبنان وإسبانيا ووقف إسبانيا دائماً إلى جانب لبنان. المهم في الأمر أن مجموعة الشركة الاسبانية «أبنيرـ بوتيك» الفائزة مبدئياً بالمناقصة في دير عمار، تتوجه في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع وزارة الطاقة، في ضوء قرار مجلس الوزراء، إلى التحكيم الدولي أو النقض أمام مجلس شورى الدولة نظراً لعدم قانونية قرار مجلس الوزراء، الذي فوض الوزير المعني المفاوضة لخفض السعر (بحجة عدم توافر الأموال لتغطية إنشاء 550 ميغاوات بكلفة 660 مليون دولار). أما كلفة التأخير وإعادة المناقصة فتحمل الخزينة وكهرباء لبنان أكثر من 750 مليون دولار على اعتبار أن إعادة المناقصة العامة ستؤخر زيادة الإنتاج لمدة 9 أشهر على الأقل لتنفيذ المناقصة بعد إعداد دفتر الشروط. أما كلفة ربح التحكيم من قبل الشركة الاسبانية «أبنير» فإنها ستفوق بكثير كلفة الخفض المطلوبة لتتوافق وحجم الأموال التي تقول وزارة الطاقة انها بحدود 505 ملايين دولار. فالخطأ الكبير هو في دفتر الشروط الذي طلب 450 إلى 500 ميغاوات زائدا أو ناقصا 10 في المئة، بينما لا تملك الوزارة ثمن هذه الطاقة. مع الإشارة هنا إلى أن هناك أموالا في بند الانشاءات الكهربائية تفوق المطلوب مع خفض بعض الانشاءات. من هنا القول ان أعباء كلفة التأجيل ستفوق كلفة المعمل الحالي، لا سيما ان خطة الكهرباء كانت قدرت كلفة إنشاء الميغاوات بحوالي المليون و250 الف دولار. كل ذلك سيعود إلى مجلس الوزراء لمعاودة المناقشة والبحث عن الحلول والتدابير في حق البواخر وغيرها من المناقصات التي تنتظر الحسم. تبقى إشارة أخيرة إلى أن عجز الكهرباء والكلفة على الاقتصاد تتخطى 6 مليارات دولار نهاية 2012. في حين ان كلفة عجز الكهرباء منذ العام 1992 وحتى نهاية العام 2012 فاقت 19,4 مليار دولار وهو عجز متراكم نتيجة فارق أسعار النفط، والتعرفة الموضوعة على سعر 25 دولاراً لبرميل النفط وهو اليوم فوق الـ100 دولار. أما النقطة الأخيرة الواجب التوقف عندها فهي أن عجز الكهرباء المقدر بحوالي 2900 إلى 3000 مليار ليرة يشكل حوالي 53 في المئة من عجز الموازنة العامة البالغ حوالي 5600 مليار ليرة.