مقالات صحفية مختارة > لبنان يستورد بضائع بـ20 مليار دولار
سلامة: ازدياد الاستيراد قد يكون مرتبطاً بإعادة التصدير إلى سوريا
يستحوذ مرفأ بيروت على الحصة الأكبر من الواردات تصل فاتورة الاستيراد إلى 20 مليار دولار سنوياً. الرقم هائل، لكنه تزامن هذه السنة مع عجز في ميزان المدفوعات بقيمة تتجاوز الملياري دولار، علماً بأن هذا الميزان يمثّل حاصل تدفق الأموال من لبنان وإليه. التفسير الوحيد ورد على لسان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وهو أن لبنان يستورد لمصلحة سوريا محمد وهبة الاخبار 22-12-2012 رغم كل ما يحصل من توتّرات وضغوط سياسية وأمنية محلية وإقليمية... تستمرّ واردات لبنان بالتزايد. 5% بلغت نسبة الزيادة حتى نهاية تشرين الثاني 2012 لتصبح قيمة السلع المستوردة 19.4 مليار دولار مقارنة مع 18.4 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2011. أما في نهاية 2012، فيقدّر أن تتجاوز قيمة هذه الواردات 21 مليار دولار. الرقم هائل ويحتاج إلى الكثير من التفسير؛ فهل يستهلك المجتمع اللبناني كل هذه السلع؟ هل صحيح أن حاجات الإنتاج المحلي وحاجات الاستهلاك المحلّي تصل إلى 20 مليار دولار؟ كيف يموّل الاقتصاد اللبناني الاستيراد بالعملة الأجنبية، أي الدولار؟ غالباً ما تكون الإجابات مبنية على تقديرات وتفسيرات. لكن آخر هذه التفسيرات جاء على لسان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اللقاء الشهري المعقود مع المصارف ولجنة الرقابة على المصارف الخميس الماضي. يومها ردّ سلامة على سؤال متصل بأسباب استمرار عجز ميزان المدفوعات، مشيراً إلى أن «ازدياد الاستيراد قد يكون مرتبطاً بإعاة التصدير إلى سوريا، علماً بأن التدفقات المالية التي يفترض أن تغطي إعادة التصدير لا تظهر في ميزان المدفوعات». هذا يعني أن الاستيراد الذي يسدّد اللبنانيون قيمته بالدولار الأميركي لا يأتي، بالضرورة، تلبية لطلب السوق المحليّة، بل إن قسماً منه يعاد تصديره إلى السوق السورية التي تسدّد ثمنه من دون أن يظهر للمبالغ المدفوعة أي أثر في لبنان. لكن كلام سلامة يمكن أن يفسّر بأن البضائع التي يعاد تصديرها إلى السوق السورية تذهب من المعابر غير الشرعية، أي بطرق التهريب، ولعله هذا هو السبب الذي يبقي المبالغ «مخفية» عن المؤشّرات الرسميّة اللبنانيّة. فالمعروف أن ميزان المدفوعات هو حاصل كل عمليات تدفق الأموال من الخارج إلى لبنان وبالعكس، وبالتالي فإن أموال الاستيراد والتصدير تظهر بوضوح في هذا المؤشّر «إلا في حال كانت هناك أموال تستخدم في تهريب السلع» يقول خبير مطلع في هذا المجال. فللتهريب خصائص أبرزها أن ثمن السلع المهرّبة يُدفَع سلفاً ونقداً وبالعملة الأجنبية، لكن لدى المهرّبين مشكلة إدخال الأموال إلى النظام إذ لا يمكن هؤلاء التصريح للمصارف عن مصدر أموال شرعي يؤمّن لهم إدخال المصارف المال إلى النظام، وبالتالي فإن هذه الأموال تظهر عندما يدفع اللبنانيون ثمنها للمورّد سواء كان أوروبياً أو أميركياً أو من الشرق الأوسطي أو غيره، لكنها لا تظهر في مؤشرات التصدير التي تحتسب لدى المؤسسات الرسمية لأنها تدخل ضمن الاقتصاد الرمادي المعروف بالاقتصاد الموازي أو الاقتصاد غير الرسمي. ويتعزّز هذا المشهد الذي يرسمه حاكم مصرف لبنان عندما يظهر أن الصادرات اللبنانية لم تزد حتى نهاية تشرين الثاني 2012 سوى بنسبة 4% لتبلغ 4102 مليون دولار فيما بلغت الواردات 19408 ملايين دولار بزيادة نسبتها 5%. تشير هذه الإحصاءات إلى ارتفاع عجز الميزان التجاري في الاشهر الـ11 الأولى من السنة الجارية إلى 15306 ملايين دولار مقارنة مع 14565 مليوناً في الفترة نفسها من عام 2011، و12727 مليوناً في الفترة نفسها من عام 2010، و11741 مليوناً في الفترة نفسها من عام 2009. وبذلك، يكون هذا العجز قد ارتفع خلال السنوات الأربع الماضية بقيمة 3565 مليون دولار، أي بمعدل 892 مليون دولار سنوياً. واللافت أن الواردات، بحسب المعابر الجمركية، تظهر زيادة عبر مرفأ بيروت بنسبة 12%، وتراجعاً عبر مطار بيروت بنسبة 11%. أما على المعابر الحدودية البرية مع سوريا، فإن الاستيراد عبر المصنع تراجع 19% والعبودية 39% والعريضة 77% والقاع 78%. وفي المقابل، فإن الصادرات بحسب المكاتب الجمركية قد زادت بنسبة 7% عبر مرفأ بيروت، و14% عبر المطار، فيما انخفضت على المعابر الحدودية بنسبة 26% في طرابلس، و33% في العبودية، و100% على القاع. ويأتي هذا الارتفاع في الاستيراد مع ارتفاع وتيرة الطلب على السلع الاساسية في سوريا لا سيما المواد الغذائية والأساسية والمحروقات. ويقدّر المعنيون في لبنان بأن هناك كميات (300 ألف ليتر يومياً) من المازوت الأخضر تذهب إلى السوق السورية مهرّبة، لكن السوق المذكورة تحصل على كميات وافرة من العراق وتركيا والبواخر الروسية والفنزويلية... في حين ان الدفع نقداً وبالعملة الأجنبية يمثّل مشكلة لدى السوريين في هذا الوقت. ويضيف هؤلاء أن السلع المهرّبة من لبنان لم تعد محصورة بالنفط، بل هناك كميات كبيرة من السلع الغذائية والعصائر والمياه المعدنية وبعض السلع اليومية التي يحتاج إليها السوريون حالياً في ضوء الأحداث الجارية هناك.