الطلب على الخبز اللبناني ازداد في سوريا ومن السوريين في لبنان (رويترز) الأفران تريد أن «تغرف» المزيد من الأموال العامة. تطالب اليوم بزيادة كميات الطحين المدعوم من 18 ألف طن شهرياً إلى 20 ألف طن. تتخذ من النازحين السوريين والفلسطينيين ذريعة، مشيرة إلى ارتفاع الطلب. لكن المعطيات والوقائع تؤكد أن الخبز يهرّب إلى سوريا حيث تباع الربطة بما بين 5 دولارات و7 دولارا. إنها تجارة مغمّسة بدم السوريين. لكن السؤال يبقى: كيف ستتعامل الحكومة اليوم مع مطالب الأفران؟ محمد وهبة الاخبار 27-12-2012 «الدعم يفتح الشهية... والطحين يغبّر أينما حلّ». هذه العبارة التي يرددها المطلعون على ملف دعم الخبز، تبقى حاضرة دائماً في كل النقاشات المتصلة بالملف. يعرف هؤلاء المعنيون أن كل الأكياس البلاستيكية التي تنقل القمح والطحين فيها «ثقب أسود» تذهب منه كميات من الطحين المدعوم لتمويل أرباح تجّار القمح وصانعي الخبز من أفران ومخابز. ولم يعد خافياً على أحد أن قلّة من هؤلاء تسيطر على صناعة الخبز وتستحوذ على حصّة الأسد من الدعم، فيما المستهلك لا يصيبه سوى القليل القليل. رغم ذلك، تبدو شهيتهم اليوم مفتوحة على مصراعيها، لزيادة حصّتهم من الدعم بعدما بات رغيف الخبز يصنّع في لبنان بكلفة تراوح بين 800 ليرة و900 ليرة ليباع في السوق السورية بقيمة تراوح بين 5 دولارات و7 دولارات حسب المنطقة، أي بأكثر من 7 أضعاف السعر الرسمي المحدّد في لبنان بـ 1500 ليرة للربطة بوزن 900 غرام. الجشع يحرّك المطالب قبل أيام، تناهى إلى مسامع وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس، أن أصحاب الأفران والمخابز تحرّكوا في اتجاه المطالبة بزيادة كميات الطحين المدعوم، متذرّعين بأن الطلب على الخبز ارتفع مع ارتفاع عدد النازحين السوريين والفلسطينيين إلى لبنان. وفي رأي هؤلاء، أنه يجب زيادة كمية الطحين المدعوم في السوق من 18 ألف طن إلى 20 ألفاً، من أجل تلبية الطلب المتزايد الذي باتت تؤمنه الأفران عبر زيادة كمية الإنتاج، وبالتالي فهي تحتاج إلى زيادة كمية الدعم، أو تحرير أسعار الخبز لتتمكن من تلبية هذا الطلب من دون أن تشتري كميات إضافية من الطحين بالاسعار العادية غير المدعومة. ففي الحالة الراهنة، لا يمكن الأفران والمخابز، وفق تصريحات الأمين العام لنقابة أصحاب المخابز والأفران أنيس بشارة، التمييز في سعر مبيع ربطة الخبز بين اللبناني والأجنبي مع أن السعر الرسمي المحدّد بنحو 1500 ليرة للربطة من وزن 900 غرام ينتج من الطحين المدعوم، لكن بشارة لمّح إلى أن السعر يجب أن يكون 2000 ليرة للربطة المنتجة بطحين غير مدعوم. التهريب إلى سوريا اللافت في الأمر أن الوزارة اطلعت على معطيات تؤكد أن هناك كميات كبيرة من الخبز المنتج في لبنان تذهب يومياً إلى سوريا حيث يعدّ الخبز تجارة رائجة في هذه الأيام. ففي الأشهر الأخيرة، تبيّن للمعنيين بهذا الملف ولرجال الأعمال المتابعين، أن سعر ربطة الخبز في حلب وصل إلى 700 ليرة سورية (7 دولارات) مع ارتفاع حدّة المعارك العسكرية هناك، وهو الأمر الذي دفع أحد رجال الأعمال الحلبيين إلى شراء 25 ألف ربطة خبز من لبنان وتوزيعها في حلب. وبحسب صاحب فرن «شمسين» رياض السيّد، فإن سعر مبيع الربطة لهذا الرجل بلغ 1000 ليرة لبنانية «مساهمة منا مع الشعب السوري». غير أن هناك الكثير من التحفظات على هذه الخطوة، لا سيما أن السيّد نفسه أكّد تلقيه شكاوى «عن أن ربطة الخبز من إنتاجنا تباع في حلب في السوق السوداء بمبالغ كبيرة، لكن الأمر ليس بيدنا إيقافه، إذ لا يمكن أن نوقف الإنتاج ونقطع الخبز عن الشعب السوري». أما في العاصمة دمشق فلم يزد سعر ربطة الخبز على 100 ليرة (دولار واحد) حيث الهدوء النسبي متوافر أكثر في هذه المنطقة، لكن في حمص ارتفع سعر الربطة إلى نحو 500 ليرة (5 دولارات) مع التصعيد الأمني والعسكري... وهذا الأمر ينطبق على كثير من المناطق السورية بحسب قربها أو بعدها عن لبنان أو عن بلدان مجاورة يمكنها تصدير الخبز. وبحسب ما ينقل عاملون في هذا المجال، فإن الأفران اللبنانية باتت تصدّر كميات كبيرة إلى هناك، إما عبر المعابر الشرعية حيث يضع العاملون على خط لبنان ــ سوريا، عدداً محدوداً من ربطات الخبز معه ويبيعها هناك في السوق السوداء، او بالمئات التي يجري تهريبها يومياً عبر المعابر المنتشرة على الحدود البقاعية والشمالية للبنان مع سوريا. مقترحات نحاس إزاء هذه المعطيات ومطالب الأفران، يتوقع أن يطرح الوزير نحاس موضوع زيادة كميات الطحين المدعوم في السوق على جلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم. نحاس لا يريد الدخول في هذا الأمر الذي يحمل طابعاً سياسياً، بل سيترك الأمر للحكومة التي عليها أن تقرّر زيادة الدعم وكيفية تمويله، أو الإبقاء على مستوياته الحالية، وبالتالي مواجهة الأفران وتجار الخبز. لكن نحاس سيعرض 3 خيارات: ــ خفض وزن ربطة الخبز. ــ تحرير سعر الخبز والغاء الدعم. ــ زيادة كمية للطحين المدعوم من 18 ألف طن إلى 20 ألفاً وتمويلها من الخزينة العامة. ــ توزيع الدعم على شكل بونات تذهب إلى الأسر المحتاجة حصراً. لكلّ من هذه الخيارات مشاكله؛ فخفض وزن الربطة يعني عملياً زيادة سعرها، وهو أمر اعتادت الحكومات على استعماله كحلّ للاستمرار في الدعم ولتفادي ضغوطات أصحاب الأفران. ففي عام 2007 كان وزن الربطة 1120 غراماً بسعر 1500 ليرة، أي أن سعر الغرام الواحد كان 1.33 ليرة، أما اليوم فإن وزن الربطة 900 غرام بسعر 1500 ليرة، أي أن سعر الغرام 1.66 ليرة، بزيادة نسبتها 25.3% . وبالتالي فإن مثل هذا الخيار يعني عملياً الرضوخ لمطالب التجار. وبالنسبة للخيار الثاني، فهو ليس أمراً شعبياً، لكنه يعد خياراً جدياً مطروحاً للتخلص من التجار. غير أن بعض المطلعين، يؤكدون أن الأفران ستتنافس وستطحن بعضها البعض، فهي تسلّم اليوم ربطة الخبز بما بين 1100 ليرة و1300 ليرة لبائع المفرق... وبالتالي فهي قادرة على التخلّي عن جزء من أرباحها للتنافس. ويعدّ الخيار الثالث جزءاً من برنامج عمل كان يقوم به البنك الدولي في لبنان ساعياً مع وزارة الشؤون الاجتماعية إلى تحديد الفقراء الذين يجب أن تشملهم برامج الدعم الحكومية. لكن مشكلة هذا الأمر متصلة بمعايير تحديد من هم الفقراء في لبنان. دعم النازحين بـ«النأي» لكن المشكلة الأكبر بالنسبة لنحاس هي سياسية الطابع، فمن هو اليوم على استعداد لأن يطرح مشكلة تمويل وإغاثة المهجرين من سوريا. ألن يستثمر الأمر في السياسة؟ ماذا تريد الحكومة في هذا الإطار: النأي بالنفس، أم أنها تأخرت على مثل هذا الخيار؟ مهما كان قرار مجلس الوزراء بهذا الشأن، فإن هذه الخيارات تأتي على أساس أن الدعم يموّل، حالياً، من الخزينة العامة بمبلغ 1.8 مليون دولار شهرياً. إذ إن سعر طن الطحين المدعوم يبلغ 580 ألف ليرة (385 دولاراً) على باب المطحنة (أي من دون كلفة النقل)، فيما سعره في السوق يبلغ 730 ألف ليرة (485 دولاراً)، أي بفرق 150 ألف ليرة تدفعه الدولة على 18 ألف طن طحين شهرياً. وقد استمرّت هذه الكمية بالتدفق إلى الأفران منذ أربعة أشهر إلى اليوم لتبلغ قيمة الدعم الإجمالية 7.2 ملايين دولار، فيما تبلغ الكلفة الإجمالية التقديرية لمدّة سنة 21.5 مليون دولار. ومعروف أن هذه الآلية تتضمن الكثير من «السرقة الشرعية» والهدر اللذين يذهبان إلى جيوب أصحاب الأفران والمخابز. وبحسب دراسة مستقلة أجرتها مؤسسة متخصصة لمصلحة وزارة الاقتصاد، فإن 18 ألف طن طحين، هي كمية تفيض عن الحاجة الفعلية للسوق المحلية. وقد أكّدت هذه الدراسة أن 16 ألف طن هي كمية عادلة لإنتاج ما يكفي من الخبز العربي ليفيض السوق بها. وهذا يعني أن هناك 2000 طن طحين مدعوم تذهب هدراً لإنتاج أنواع أخرى من الخبز والحلويات والمناقيش التي يزيد فيها هامش الربح على 200% من كلفة الإنتاج. أسرار الإنتاج لا يمكن حصر الهدر بهذا الباب وحده، فهناك أبواب كثيرة يعلمها صانعو الرغيف. فالكمية المذكورة مخصصة لتكفي نحو 800 ألف أسرة لبنانية على أساس أن كل طن طحين ينتج 1000 ربطة خبز، وبالتالي تضخّ الافران 600 ألف ربطة خبز يومياً في السوق. لكن في الواقع، فإن في صناعة الخبز الكثير من الأسرار، فعلى سبيل المثال، لا تقلّ نسبة الرطوبة في الخبز المنتج محلياً عن 23% لدى كل المخابز والافران، وفق كلام المعنيين في هذا المجال، فيما يجب أن تكون النسبة القصوى 15%. هذا الفرق يسمح بزيادة الانتاج من كل طن بما يصل إلى 25% إضافية ليصبح الطن منتجاً لنحو 1250 ربطة... ليس هذا السرّ الوحيد في هذه الصناعة، فهناك الكثير منها، وهو ما يثير الشكوك بأرقام الأفران عن حجم الإنتاج من الطن الواحد، إذ يشير المعنيون إلى أن ارتفاع سقف الفرن هو عنصر أساسي في زيادة الإنتاج (ليضغط الحرارة)، أما تشغيل الفرن فهو أمر قد يبدو مكلفاً في البداية، لكن ارتفاع درجة حراراته يقلّص الكلفة إلى حدود كبيرة... كل هذه الأسرار تشير إلى أن كلفة صناعة ربطة الخبز تراوح بأسعار اليوم بين 800 ليرة و900 ليرة، فيما تباع للمستهلك بنحو 1500 ليرة، أي بنسبة ربح تصل إلى 66.6%. زيادة الأرباح هكذا، يبدو واضحاً أن زيادة كميات الإنتاج تزيد الأرباح من دون أي شكّ. وإذا كانت هذه الارباح ممولة في جزء منها من الدولة عبر آلية توزيع الطحين على الأفران والمخابز، فإن المطالبة بزيادة الكميات المدعومة بناء على نظرية اتساع السوق، هي مطلب مقنّع لزيادة الأرباح، وهو أمر تكشفه الوقائع التي جرت بين 2007 و2011. ففي تلك الفترة قرّرت الدولة العودة إلى دعم الخبز وتثبيت سعر ربطة الخبز على 1500 ليرة بوزن 1120 غراماً، لكنها دفعت كلفة مرتفعة وخفّضت الوزن لتحافظ على السعر المذكور. وبحسب تقرير لوزارة المال، بلغت كلفة الدعم خلال الفترة الممتدة بين 2007 و2008 (14 شهراً) 93 مليار ليرة، فيما بلغت هذه الكلفة خلال الفترة الممتدة بين 2010 و2011 (10 أشهر) 21 مليار ليرة. وفي عام 2012 بلغت الكلفة خلال 4 أشهر 10.8 مليارات ليرة. الجزء الأكبر من هذه المبالغ ذهب إلى أصحاب المطاحن وأصحاب الأفران والمخابز، فيما المستهلك لا يطاله من هذا الدعم سوى النزر اليسير، إذ إن حصّة الأسرة الواحدة في لبنان من كل مبالغ الدعم على 28 شهراً، لا تزيد على 5571 ليرة شهرياً، أي 185 ليرة يومياً، أي ما يوازي 12.3% من سعر مبيع الربطة الواحدة. لكن هذه الحصّة تعدّ متواضعة جداً قياساً الى أرباح الأفران المدعومة بمعدّل 11% (المعدل احتسب على أساس الكمية المدعومة في كل طن واحد نسبة إلى الأرباح الإجمالية منه)، أي أن هامش الربحية لدى الأفران يزيد مع الدعم بهذا المعدل رغم أن لدى الأفران نسبة ربحية مرتفعة جداً بهامش يصل إلى 66% من كلفة إنتاج كل ربطة. الطلب الزائد إذاً، الأفران تمارس ضغوطاً واسعة لزيادة كميات الطحين المدعوم، بذريعة ازدياد الطلب على استهلاك الخبز نظراً إلى تدفق النازحين السوريين والفلسطينيين إلى لبنان الذين تجاوز عددهم 200 ألف، مشيرة إلى أنه لا يمكن التفريق بين لبناني غيره، ما يعني أن الدعم يذهب إلى الجميع وأن على الدولة أن تغطي زيادة الطلب حتى لا تشتري الأفران الطحين بالاسعار العالمية التي تفوق 730 ألف ليرة، وعندها لن تتمكن من بيع الربطة بالسعر والوزن المحدّدين من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة. ويزعم هؤلاء التجّار، أن الاستهلاك زاد بنحو 2000 طن طحيناً، أي ما يعادل 2.4 مليون ربطة خبز شهرياً، أو 80 ألف ربطة خبز يومياً. وبالتالي، يعتقد بعض أصحاب المخابز والأفران أن هذا الوضع يوجب على الحكومة زيادة الكميات المدعومة من 18 ألف طن شهرياً إلى 20 الفاً لتلبية الطلب الزائد. لكن في المقابل، فإن بعض أصحاب الأفران يرون في تحرير سعر ربطة الخبز أمراً مفيداً للجميع. ولهذا السبب يقول رياض السيد، إن الأفران «تريد تحرير السعر وتحرير الوزن ليصبح سعر الربطة 2000 ليرة بوزن 1100 غرام». لكن الواقع، أن 2000 ليرة تشتري 1200 غرام. غير أن مطلب التحرير تتبناه المطاحن، فبحسب عضو نقابة أصحاب المطاحن، نزار شبارق «من الأفضل للدولة أن تترك القطاع حرّاً لأنه كلما ارتفعت الأسعار أو زاد الطلب على الخبز، ستطالب الأفران بزيادة الدعم. كل شيء مدعوم معرّض للمشاكل». ________________________________________ 10 أفران و75% من السوق خلال السنوات الماضية تقلّص عدد الأفران وبدأ إنتاج الخبز يتركّز في قلّة قليلة بدأت تتحكّم بالسوق. فالإحصاءات الرسميّة تشير إلى أن نحو 10 أفران كبيرة تستحوذ على 75% من الحصّة السوقية للطحين، وهناك فرن واحد يحصل شهرياً على 4000 طن طحين، أي ما يوازي 22.3% من الطحين المدعوم، وهو الوحيد الذي لديه فروع في سوريا ومعروف أن ملكية الفرن ليست له وحده بل لديه شريك بقاعي له جذور سورية. واللافت أن الأفران الكبيرة التي تستحوذ على حصص واسعة من السوق، ليست منتشرة في كل لبنان، بل تعتمد على «غزو» السوق بواسطة التوزيع، وتدفع أموالاً طائلة على التوزيع. لكن في رأي المعنيين بهذا الملف، فإن زيادة تركّز الحصص السوقية بيد قلّة من الأفراد يخلق حيتاناً كبيرة، ويضرب صغار المخابز والأفران في القرى والمناطق النائية، فيما الدعم «حلال» على هؤلاء فقط الصامدين في الأرياف والقرى الجبلية حيث الزراعة هي العمل شبه الوحيد إلى جانب بعض التجارات البسيطة. اقتصاد العدد ١٨٩٢ الخميس ٢٧ كانون الأول