مقالات صحفية مختارة > 5 مليارات دولار ضرائب في 9 أشهر
استقرار المالية و«غضب الإقليم» تحدّيات 2013
المصدر الأكبر للضرائب هي تلك المفروضة على القيمة المضافة التي بلغت 1.64 مليار دولار (أنور عمرو ــ أ ف ب) استمرّت حصيلة الضرائب في لبنان في الارتفاع خلال عام 2012، بالحدّ الأدنى في الفصول الثلاثة الأولى، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة. ماذا يعني ذلك؟ حسن شقراني الاخبار 4-1-2013
طبيعي جداً أن ينحدر أداء الاقتصاد اللبناني إلى المستوى الذي سجّله في العام الماضي. انعكاسات أحداث سوريا ليست هينة أبداً، وخصوصاً أنها ترافقت ــــ ولا تزال ــــ مع مقاطعة خليجيّة واضحة، لكن اللافت أنّه رغم تباطؤ النموّ وتوسّع إنتاج السلع والخدمات، استمرّت إيرادات الحكومة في التضخّم. فخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2012، بلغت الإيرادات العامّة الإجماليّة 7.1 مليارات دولار، مرتفعةً بنسبة 3.3%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. واللافت أنّ الإيرادات الضريبية ارتفعت بنسبة أكبر، حيث بلغت 5.6%، لتفوق 5.2 مليارات دولار. المصدر الأكبر للضرائب هو تلك المفروضة على القيمة المضافة (TVA) التي بلغت 1.64 مليار دولار، مرتفعةً بنسبة 2.2%. وقد مثّلت الإيرادات الضريبية 73% من الإيرادات الإجماليّة، مع العلم أن المكون الآخر للإيرادات العامّة (أي غير الضريبية منها) سجّلت تراجعاً. الغريب في المسألة هو أنّه طوال عام 2012 جرى الحديث عن ركود اقتصادي سيؤدّي إلى تدهور المالية العامّة، نظراً إلى تراجع مكوّنات إيرادات الأخ الأكبر؟ لدرجة أنّ الحديث عن تصحيح لأجور موظفي القطاع العام جرى دفعه إلى دائرة التمييع المعتاد. «صحيح أنّ النموّ كان ضعيفاً في العام الماضي، غير أنّه لم يكن سلبياً» يُعلّق كبير الاقتصاديين في بنك «عودة»، مدير قسم الأبحاث، مروان بركات. «فحتّى وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، التي تُعدّ محافظةً إجمالاً، بلغ النمو 2%». بالفعل، هناك تفاوت كبير في تقديرات النمو. فالصندوق مثلاً حافظ على توقعاته طوال العام الماضي، ولم يُراجعها سلباً رغم تدهور الأوضاع الإجمالية، محلياً وإقليمياً في أكثر من لحظة. في المقابل عمدت مؤسسات أخرى ـــــ مثل مصرف «باركليز» ـــــ إلى خفض كبير للتقدير فاق نقطة مئوية كاملة. «صحيح أن الإيرادات سجّلت ارتفاعاً، لكن الأهمّ في بيانات المالية العامّة هو ارتفاع العجز بنحو ملحوظ»، يُتابع الخبير الاقتصادي. فبحسب بيانات وزارة المال، بلغ العجز خلال الفترة المذكورة 3104 مليارات ليرة (2.05 مليار دولار) مرتفعاً بنسبة 52% عن العام الماضي. زيادة هذا العجز ناجمة عن ارتفاع النفقات بنسبة 10.7% إلى 9.2 مليارات دولار تقريباً. ويُشار هنا إلى أنّ جميع بنود الإنفاق في الموزانة (المالية العامّة مكوّنة من عمليات الموازنة وعمليات الخزينة) سجّلت تراجعاً باستثناء الإنفاق لمؤسسة كهرباء لبنان. فقد حوّلت الخزينة إلى المؤسسة خلال الفترة المذكورة 1.73 مليار دولار، بارتفاع نسبته 54% عن العام السابق تقريباً. وللإشارة، حتّى خدمة الدين العام (فوائد وأقساط) سجّلت تراجعاً بنسبة 8% وبلغت 2.7 مليار دولار. انطلاقاً من توسّع العجز هذا، يُعرب الاقتصاديون عن مخاوفهم من العام الجديد، في رأيهم أنّ الاستقرار على هذا الصعيد ذو أهمية خاصّة للاستقرار العام في البلاد، وخصوصاً في ظلّ بحث ملفّ شائك كالأجور في القطاع العامّ. لا شكّ أن هناك مخاوف حقيقية تتعلّق بتدهور في المالية العامّة خلال العام الجديد. ظهرت تلك المخاوف من رحم ملفّ تصحيح سلسلة الرتب والرواتب، لدرجة أن استقرار البلاد يُرهن بها مباشرة. فعلى سبيل المثال، ربط معهد التمويل الدولي (IIF) النمو الاقتصادي في عام 2013، بحجم الأموال التي ستُتاح في جيوب موظفي القطاع العام. يقول المعهد في آخر تقويم له عن لبنان، إنّ معدّل النموّ في العام الجديد سيبلغ 3.5% إذا بلغت كلفة تصحيح الرواتب في القطاع العام، وهيكليتها، مليار دولار فقط، وترافق تحريرها مع إصلاحات مؤسساتية وزيادة في معدّل الامتثال الضريبي. في المقابل، ينحدر النمو إلى واحد في المئة فقط إذا تدهور الوضع الأمني أكثر وارتفعت كلفة التصحيح المذكور إلى 1.5 مليار دولار. طبعاً، هناك اجتهادات كثيرة في ملف الأجور ليست كمية فقط. فالحجّة حول ضرورة إجراء تصحيح على صعيد الإنتاجيّة في القطاع العام ستستمرّ في عام 2013، على أمل أن تستقرّ في إطار مخطّط عام لزيادة فاعلية القطاع العام، وتحقيق زيادة في الأجور لا تكون تضخميّة ومؤذية للاقتصاد ككلّ في نهاية المطاف. لكن هناك حجّة أخرى تضمّنها تقويم مصرف لبنان الشامل حول تأثيرات تصحيح الأجور. تُفيد بأنّ الأموال التي ستتوافر لشريحة معينة من القوى العاملة ستُمثّل محفزاً مهماً للطلب الاستهلاكي الذي يُمثّل نحو 75% من الناتج الإجمالي؛ ومن شأن حقنة كهذه أن توفّر دفعاً للعجلة الاقتصادية لا قوّة رادعة. على أي حال، يبقى التحدّي الأبرز للبنان واستقراره الاقتصادي والنقدي في عام 2013، هو المالية العامّة وفقاً للعديد من الخبراء، وبينهم مروان بركات. «يجب أن يكون ضبط المالية العامّة على رأس الأولويات» يقول. «نحن نرى ماذا يحصل في البلدان التي تعاني تفاقم المديونية العامّة والعجوازت، وهي بلدان متطوّرة. هذا المؤشّر يأخذ حيزاً مهماً من النقاش في تلك البلدان، فماذا عن لبنان الذي تبلغ مديونيته العامّة قياساً إلى الناتج 135%؟». هكذا، في ظلّ الاضطرابات الإقليميّة وترقّب ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا تحديداً، الأهمية هي للاستقرار المالي والنقدي، يُتابع بركات، «وذلك غير ممكن من دون احتواء العجز والحيلولة دون تردّيه. وهو تحدٍّ يفوق أي تحدي آخر». في هذا السياق، تُشدّد وكالة التصنيف الائتماني «Fitch» في تقريرها الأخير عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على أنّ الضغوط ستستمرّ على لبنان في العام الجديد، نتيجة الأزمة السورية تحديداً، وتدفّق النازحين. غير أنّها تُشدّد في الوقت نفسه على أنّ لبنان سيتمكّن من تأمين احتياجاته التمويلية بفضل تدفّق الأموال من الخارج. وفي الواقع تمكّن لبنان حتّى الآن من احتواء غضب الإقليم ـــــ من سوريا إلى الخليج ـــــ ومن احتواء مشاكل غياب الإصلاح واستشراء الفساد. واستمرّ في اللعب الاقتصادي والمالي ضمن إطار من النموّ الكمي من دون تغييرات جذرية في النموذج المعتمد. في هذا الإطار يُمكن توقّع مختلف السيناريوات، إيجابية كانت أم سلبية. فعلى سبيل المثال تتوقّع وكالة «Fitch» نفسها أن ينمو الاقتصاد اللبناني بنسبة 2.5% في العام الجاري، أن يهدأ تضخّم الأسعار إلى 5% (مقارنة بـ6.5% العام الماضي) وحتّى أن يتراجع عجز الحساب الجاري والدين العام الإجمالي إلى 15.2% و131.9% من الناتج المحلي الإجمالي. هي أخبار جيدة في المبدأ، لكن إلى أي مدى، وكم يجب أن يتفاءل المقيمون؟ بحسب أرقام الضرائب فإنّ المكلّفين يُسدّدون الضرائب باستهلاكهم أو بمجرّد حصولهم على دخل، غير أنّهم لا يقطفون ثمار احترام هذا التكليف، من البنى التحتية وصولاً إلى التغطية الصحية الشاملة.