مقالات صحفية مختارة > المجلس الاقتصادي والاجتماعي» حاجة وضرورة للحوار
روجيه نسناس السفير 5-1-2013
لبنان هو وطن الحوار انه وطن الحوار الوطني والسياسي والثقافي والحوار الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء. هذه الحقيقة تمثل ضرورة أساسية في الأحوال العادية، كما هي حاجة ملحة في المراحل الدقيقة. تعلمون ان الأزمات تكبر حين ننقسم. وان الإنقاذ يتيسر حين نتضامن لصنع الحلول. فبعد اكثر من ثلاثة عقود من المحن على أرضنا، وامام ما يشهده العالم حولنا من تقلبات وتحولات، ومع ما يتمثل لدينا من طموحات ومن تحديات، يهمني ان أركز على ثلاثة ثوابت: الأول: لقد آلت أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية الى حال صارت تفترض اعتماد برنامج اولويات متكامل للنهوض الاقتصادي والاجتماعي . الثاني: اي بناء اقتصادي اجتماعي إنمائي متكامل منشود، هو موصول ببناء مؤسسات الدولة بشكل حديث ومنتج. اي ان التعافي هو ثمرة تكامل بين القطاع العام الفاعل والقطاع الخاص السليم الثالث: لا بد من دفع وتيرة النمو بشكل متصاعد ومستدام لتخفيض الدين العام وأعبائه في المدى المنظور، ولتلبية الحاجات الملحة الآن، ولتأمين الاستقرار الاجتماعي، وتوفير فرص العمل ووقف تراجع الطبقة الوسطى ومكافحة التراجع المعيشي. بهذا البرنامج تتعزز الثقة بالدولة وبالغد، والثقة عندنا هي عامل حيوي للتعافي. وقد كشفت التجارب ان تعزيز الديموقراطية يستدعي تعزيز التنمية، اي كما يبنى لبنان وطنيا» بالوفاق، كذلك يزدهر اقتصادنا الوطني حين يشارك الجميع في إعادة البناء: فلا احد يحل محل احد، ولا قطاع يبني وحده لبنان الاقتصادي والاجتماعي. كلنا مقتنعون ان الاقتصاد الموجه يهدم المبادرة. ولكنا مقتنعون ان المنافسة حافز للتنمية. لذلك دور الدولة هام للسهر على صون المبادرة والمنافسة، وعلى تأمين الامان الاجتماعي في وقت واحد. هذا يعني ان خيار الحرية والديموقراطية، والخيار المجتمعي، يحضنان لبنان في وجه ما يسببه اقتصاد السوق من فوضى، ويعززان الارتباط بمصالح الوطن العليا. هذا ما اظهرناه في أكثر من مناسبة، وهذا ما عالجناه في كتابنا» «نهوض لبنان نحو رؤية اقتصادية اجتماعية» الذي بادرنا الى وضعه بالتعاون مع فريق الخبراء والأخصائيين، والى إصداره في العام 2007 أي منذ ست سنوات بالتحديد. بينت الوقائع ان نهوض لبنان يرتكز على ثلاثة ثوابت كبرى هي: الثابت الاول: لا نهوض اقتصاديا» ، بلا وفاق وطني شامل. الثابت الثاني: لا نهوض اقتصاديا» بلا امان اجتماعي، ولا أمان اجتماعيا» على حساب الاستقرار الاقتصادي الثابت الثالث: لا اصلاح حيويا» لا يجسد رؤية متكاملة تجيب على السؤالين التاليين: 1 ـ اية دولة نبني؟ 2 ـ اي دور اقتصادي للبنان في المرحلة المقبلة؟ اننا نمر بمرحلة نجد فيها اقتصاديين كبارا»، ولا نرى اقتصادا» وطنيا» ناميا». لقد انتعش اقتصادنا في السابق بفضل الاستثمارات، وبفضل الانتشار اللبناني في ديار الاغتراب، وبفضل السياحة وغير ذلك.
لكن، مع زحف العولمة ومع التغييرات الجذرية السياسية والاقتصادية في الشرق الاوسط آن لنا ان ندرك : اولا»: ان الوفاق الوطني ضروري، لكن لا بد من التزام برنامج علمي وعملي للتنمية الشاملة عندنا: فليس بالسياسة وحدها نبني الوطن. بل بالانماء نرسخ الانتماء: فالنهوض الاقتصادي والاجتماعي يعزز التماسك الداخلي كما الوفاق الوطني يحصن النهوض الاقتصادي والاجتماعي . ثانيا»: ان جذب الرساميل من الخارج ضروري، لكنه غير كاف للخروج من الركود. يجب توظيف هذه الاستثمارات في القطاعات الانتاجية لا سيما تلك التي تسهم في بلورة دور لبنان في المنطقة وفي العالم. فاذا اثبتت المصارف والشركات المالية طوال سنوات المحنة، انها دعامة لاقتصادنا، وعنصر مساند للدولة، فلا شك في انها في زمن النهوض، ستلعب دورها من خلال برامج تنموية على صعيد القطاعات الانتاجية وخاصة المؤسسات الصغرى والوسطى . هذه التطلعات انطلقت بذورها، مع تولي رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي قبل اثني عشر عاما». قدر هذه الولاية انها كانت تأسيسية. كان علينا ان ننظم طرق عملنا، وان نوجد المقر الرسمي وان نجهزه. كان علينا ان نرسخ مفهوم المجلس من حيث هو ملتقى للهيئات الاقتصادية والاتحادات العمالية والنقابية وللجمعيات والمجتمع المدني .انه المركز الذي ينقل النقاش الاقتصادي والاجتماعي من السجال الى الحوار، ومن الشارع الى طاولة علمية وعملية ووطنية في ان واحد. فهذا المجلس هو مؤسسسة ميثاقية نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني. ومهمتها مشاركة الجميع في بلورة الآراء وفي الإسهام في صوغ البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الشامل بتحويل مشروع الدولة الإنقاذي الى مشروع وطن: فالخصخصة، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وصون الأمان الاجتماعي وسوى ذلك هي ورشة الجميع وليست مسؤولية السلطة وحدها، وليست ملقاة على عاتق قطاع دون غيره، وليست مطلوبة من فئة معينة بالذات. يعزز المجلس الاقتصادي والاجتماعي دوره من خلال ثلاث وظائف: 1 ـ وظيفة التمثيل الجامع. 2 ـ وظيفة الاختصاص والتوعية. 3 ـ وظيفة التشاور والتواصل بين السلطة والمجتمع. انه اذن مثال نموذجي للنبض الديموقراطي: فرئيسه ينتخب انتخابا» وهيئته الإدارية ولجانه تنتخب انتخابا»، ونتائج اعماله هي ثمرة حوار وتشاور الجميع. هو يبدي الرأي في ما تعرضه الحكومة عليه من ملفات، وهو يقترح، حسب اصول محددة، على الحكومة البحث في ملفات يراها حيوية وضرورية. ويقوم رئيس واعضاء المجلس بمهماتهم بشكل تطوعي ودون اي مقابل مادي. على الرغم من ان ملاكات المجلس الإدارية والفنية ما زالت شاغرة، الا منصب المدير العام، فإننا لم ندع أنفسنا نغرق في الإجراءات اليومية واللوجستية، بل جعلنا المجلس مركزا» مقصودا» للمؤتمرات والندوات الرسمية والدولية. وتذكرون ان مجلسنا أختير في مرحلة معينة ليكون مقرا» لجلسات مجلس الوزراء. لقد عملنا بكل اندفاع على أداء دورنا كاملا» فاصدر المجلس رأيا استشاريا في مشروع تعديل قانون الضمان الاجتماعي وفي ضمان الشيخوخة بصورة خاصة. كما ان المسائل الصحية استأثرت منا بالاهتمام، فأقمنا حوارا» دائما» لتحديد مقومات الملف الصحي وترشيد التوجهات لحلها. كا أصدرنا دراسة موسعة، ونظمنا سلسلة محاضرات تناولت موضوع التعليم الخاص العالي عندنا. الى جانب ذلك، اهتم المجلس بشروط الإنتاجية والمنافسة، واصدر دراسة عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة شجعت على اندماج الشركات الصناعية الصغيرة، وقد أقرتها الهيئة العامة. كما اعد المجلس دراسة اقترح فيها إعادة جدولة ديون الشركات المتعثرة. اضف الى ذلك، تناولت الهيئة العامة برنامج إنعاش الزراعة، وأحالته الى اللجان المختصة لإشباعه بالدرس، كذلك انشغلت اللجان بدراسة ملف السياحة. على خط مواز لكل هذه الورشة في الداخل، كان المجلس يبني علاقاته مع المجالس الاقتصادية والاجتماعية الدولية والأوروبية والعربية، فاخذ لبنان مكانه واسهم حضوره في تعزيز النظرة الى لبنان بعين كبيرة وكانت قرارات الدعم لمجلسنا ولبلدنا. هذا كله كان في ثلاث سنوات، ومنذ العام 2003 لم يتشكل المجلس، لكني بادرت مستجيبا» لرغبات كبار المسؤولين في الدولة الى ممارسة الحد الأدنى من تصريف الأعمال. فسعيت الى ان لا يبقى مقعد لبناني شاغرا» في المؤتمرات الدولية والأوروبية والعربية وقد حظي مجلسنا بالموقع المميز. وكم تأثرت حين أعرب مدير عام منظمة العمل العربية في جامعة الدول العربية معالي الوزير احمد لقمان عن حرصه على ان نعمل سويا» من اجل تكريس التعاون بين المنظمة والمجالس الاقتصادية والاجتماعية العربية . قد تسألون: اين المجلس اليوم من الملفات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية؟ اقول: لكن اين المجلس أصلا؟ فرئيس المجلس ليس هو كل المجلس وخصوصا في مرحلة تصريف الأعمال ولا بد من هيئة عامة التي ترسم الآراء والتوجهات التي بدورها تأتي ثمرة حوار وتعاون وتنسيق بين مختلف القطاعات والهيئات والاتحادات والمجتمع المدني والدولة. هذا المجلس حاجة وضرورة، هذا المجلس لا يأخذ مكان احد. انه المكان الذي يضم الجميع للإسهام في بناء التعافي الاقتصادي والاجتماعي . لقد كانت تجربته ناجحة. كان ذلك قبل عشر سنوات. واليوم بتنا في وضع يلزمنا معه الحد الأعلى من التضامن والتعاضد، لإنقاذ الاقتصاد، ولبناء المستقبل الاقتصادي والاجتماعي النامي. ان ثقتنا كبيرة بفخامة الرئيس العماد ميشال سليمان الساعي الى تثبيت مسيرة الأمان والإنماء، وبدولة الرئيس نبيه بري الحريص على تفعيل المؤسسات والنهوض الشامل، وبدولة الرئيس نجيب ميقاتي الجاهد في تعزيز خطى الإنقاذ والاستقرار. فلعلنا نرى المجلس يعود الى أداء مهماته .