محمد وهبة الاخبار 8-1-213 آلاف الشكاوى على المعاينة الميكانيكية لم تدفع إلى التشكيك بالخدمة التي تقدمها الشركة الملتزمة. كل ما أثير حول «آلام» تشغيل هذا المرفق العام، لم يزد على اعتباره «زوبعة في فنجان». زوبعة يعمل وزير الداخلية مروان شربل على التجديد لها لمدة 7 سنوات إضافية ليشرب اللبنانيون من الفنجان نفسه حين حصلت الشركة المشغّلة على عقد لمدّة 10 سنوات انتهت في 31 كانون الأول 2012. ففي آب 2002، وفي عهد الوزير السابق الياس المرّ، قرّر مجلس الوزراء اعتبار العلاقة مع الشركة «التزاماً مؤقتاً»، أما اليوم فتستمرّ الشركة استناداً إلى «القوّة القاهرة» الناتجة من نظرية تسيير المرفق العام. هكذا تلزّم الدولة الخدمات العامة. في الجلسة ما قبل الأخيرة لمجلس الوزراء، أطلع وزير الداخلية مروان شربل، الوزراء، على آخر نشاطاته في وزارة الداخلية. بشّرهم بأنه يجري مفاوضات مع شركة «فال» السعودية من أجل تجديد عقد تشغيل «المعاينة الميكانيكية». شربل كان متحمساً أكثر من أي وقت مضى عندما أوضح لزملائه أنه يعمل على تحسين شروط العقد لمصلحة الدولة. أبلغهم أن الشركة مستمرّة حالياً وفق شروط العقد السابقة لكنه سيرفع لهم نتائج المفاوضات الجديدة التي تتضمن حصول الدولة على عائدات مالية وفتح 5 مراكز معاينة جديدة... لكن الشركة «تريد التجديد لسبع سنوات، فيما أنا سأعمل معهم للحصول على 5 سنوات» وفق ما نقل أحد الوزراء عن لسان شربل. كان الأجدر باللبنانيين أن يقولوا «شكراً مروان شربل» فها هو يرفض شروط شركة «فال» ويعدهم أمام ممثليهم في السلطة التنفيذية أن يجدّد العقد 5 سنوات «على ذوقه» لا «على ذوق» شركة «فال» لمدّة 7 سنوات. لم يذكر شربل أي كلمة عن مناقصة، أو تلزيم جديد، أو كل ما يمتّ إلى هذا المجال بصلة، حتى أنه لم يشر إلى أن ما يقوم به مخالف للقانون ويرفضه ديوان المحاسبة من أساسه. فهذه الشراكة بين «الداخلية» و«فال»، نفّذت بفعل «فاعل سياسي» سعى ويسعى إلى قضم «الهبرة» وحده أو بمشاركة قلّة قليلة. عقد «فال» مع وزارة الداخلية يشبه كل عقود الدولة مع شركات القطاع الخاص والتي توزّعت وفق محاصصة مذهبية مثل عقود سوكلين وسوكومي، وسوليدير، والخلوي وغيرها... إلى أن ظهر عقد المعاينة الميكانيكية في آب 2002 الذي خرج برعاية ساسة لبنان الذين غطّوا على الكثير من العورات التي ظهرت «متلبّسة» أمام وزير الداخلية السابق زياد بارود. أول ما اكتشفه بارود هو دفتر الشروط والعقد الموقع بين الداخلية و«فال». ففي رواية المطلعين على الملف «اُجهد الوزير بارود في البحث عن دفتر الشروط في محاولة لمعرفة شروط العقد لكنه لم يحصل على إجابة حاسمة بشأن وجود العقد إلى أن تبيّن له أنه يكمن في إحدى دوائر وزارة الداخلية حيث كان مخفياً لفترة من الزمن». وبالنسبة لبارود كانت تفاصيل العقد أهم مكوّن في العلاقة التعاقدية بين الطرفين والتي تشتمل على التزامات الشركة وواجباتها «لكن ما تبيّن بعد اطلاع بارود على العقود أن الشركة لم تلتزم تنفيذ بنوده رغم أن بنود العقد في غالبيتها تأتي لمصلحة الشركة لا لمصلحة الدولة اللبنانية خلافاً لكل العقود السيادية». وفي حين كان يجب أن تفتتح الشركة مراكز معاينة ميكانيكية في كل المناطق، لم تفتتح سوى مراكز محدودة، ولم يكن لدى الدولة «حقّ فسخ العقد إذ أزيل هذا البند من دفتر الشروط». وهذا العقد تحديداً، تحوّل إلى مسرح للتجاذبات السياسية كان أبلغ تعبير عنها مضمون الرسالة التي وجهها، يومها، النائب السابق إيلي الفرزلي إلى رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، إذ قال: «يجب ان يعرف رئيس الجمهورية كونه مؤتمناً على النظافة العامة، وأعني هنا نظافة الكف، ان هناك مناقصة رست على شركة... وديوان المحاسبة يقول نعم ثم يقول لا. تذهب القضية إلى مجلس الوزراء، يقرّر مجلس الوزراء رسو الالتزام على شركة قريبة من قريب مرجع. اتحفظ بحق اقامة دعوى والمطالبة بإلغاء هذه المناقصة عندما تتغير موازين القوى في السلطة في أقرب وقت ممكن لأعيد تقويم الاعوجاج الذي يحمل في طياته سرقة مال عام. هي شركة سعودية تخفي شخصيات لبنانية موجودة في الدولة وفي قلب الحكم عندي شكوك حول المعاينة الميكانيكية. يجب ان يعلموا اني سأشكوهم وسأطلب فسخ العقد. هناك تعميم لحالة الفساد في البلد ويقولون ان مجلس الوزراء مررها. هذا الكلام أقول انني سمعته، أريد ان أعرف من هي الشركة؟ ولماذا رسا عليها الالتزام ولم يرس على الشركة التي رسا عليها أولاً؟ أولاً كيف وزّعت المراقبة الميكانيكية وما هي الأسماء والشركات؟ شو اللي صار». يومها، أدّى هذا التصريح إلى خلاف كبير بين الفرزلي ولحود، على أساس أن المقصود به هو الياس المرّ «صهر الرئيس». غير أن ديوان المحاسبة كان قد رفض هذه المناقصة بقراره 805/ر.م تاريخ 15/7/2002 مشيراً إلى أن التلزيم «مخالف لدفتر الشروط الخاص لجهة شرط المليون معاينة سنوياً، بحيث قدم الملتزم افادتي خبرة لشركتين منفصلتين تملك كل منهما ثماني سنوات خبرة، الا انه لا ينطبق على اي منها الشرط المذكور». واللافت أن الدولة لم تكن تحصل على أي قرض من هذا التلزيم، بل كان التلزيم وفق طريقة «BOT» التي منحت الشركة الملتزمة بموجبها حقّ الحصول على جعالة بقيمة 13 دولاراً أميركياً للسيارة ما دون 3.5 طن و35 دولاراً للشاحنة، ثم في عام 2008 ارتفعت الجعالة إلى 22 دولاراً بزيادة نسبتها 67% مقارنة مع ما كانت عليه سابقاً للسيارات ما دون 3.5 طن، و58 دولاراً للشاحنات. ووفق حسابات تمهيدية فإن الشركة كانت تحصل على أكثر من 12 مليون دولار سنوياً من عائدات معاينة 900 ألف سيارة، وكان هذا المبلغ ينمو بصورة متواصلة سنوياً مع ارتفاع أعداد السيارات في لبنان إلى أكثر من 1200 سيارة يمكن تحصيل مبالغ منها تتجاوز 40 مليون دولار. أين تذهب كل هذه الأموال؟ رغم حجم المبالغ، يعدُ شربل بتحقيق عائدات للدولة من تجديد العقد. لكن لا أحد يأبه أن هذه الصفقة هي خصخصة مباشرة لخدمة عامة يجب أن تقدّمها الدولة للمواطن الذي يدفع ضرائبه، لا بل هي أسوأ أنواع الخصخصة التي تجري بلا مناقصة ولا منافسة ودفتر شروط وضعت بنوده في أيام «الوصاية»، وهو أمر يثير الكثير من التساؤلات عن المسؤولين والضباط الذين فاوضوا شركة «فال»،