مقالات صحفية مختارة > المشاريع المطروحة تنتهي إلى خصخصة الضمان الاجتماعي بفروعه الثلاثة
جدل حول الملاحظات الخاصة بالتغطية الصحية للبنانيين
جميل ملك السفير 2-2-2013
أثار موضوع الملاحظات على مشاريع التغطية الصحية المطروحة من قبل وزارة العمل والصحة و«الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، الذي نشرته «السفير»، جدلاً تقنياً ومالياً واجتماعياً بين أصحاب الاختصاص. فبعد دراسة رئيس اللجنة الفنية رفيق سلامة عضو مجلس إدارة الصندوق التي نشرتها «السفير»، وضع المدير السابق لفرع ضمان المرض والأمومة في الصندوق جميل ملك دراسة أخرى بمثابة ملاحظات جديدة حول جدوى وإمكانية تطبيق المشاريع الخاصة بالتغطية الصحية، يردّ فيها على ملاحظات سلامة، ويفند المشاريع في آن معاً. تعليقاً على المقال المنشور في «السفير» للرئيس السابق للجنة الفنية في «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» رفيق سلامة يوم الثلاثاء الواقع فيه 22/1/2013 بعنوان: «قراءة تقييمية ونقدية مقارنة لمشاريع التغطية الصحية المطروحة في لبنان» يهمنا عرض ما يلي: أولاً: ان فكرة أو نظرية الضمان (التأمين) الاجتماعي ظهرت لأول مرة في العالم إثر كارثة الانتاج والكساد التي عصفت بالاقتصاد العالمي على مدار السنوات 1929 1933 في محاولة جدية لإصلاح هذا النظام، وإعادة استنهاضه المستندة إلى القواعد والأسس التالية: أ إنهاء دور ووظيفة دولة الجندرمة الدركي وبزوغ دور ووظيفة دولة الرعاية الاجتماعية وصلاحيتها في وضع القواعد والأسس والتشريعات والمراسيم والأنظمة والتدابير التي تكفل الأمن وتؤسس لعلاقات إنتاج سليمة ومستقرة بين قوى الانتاج (تحديد ساعات العمل اليومية والأسبوعية وساعات الراحة والأجر العادل وحدَّه الأدنى الإلزامي وتوفير شروط السلامة المهنية وغيرها...). ب اعتبار المخاطر الاجتماعية التي تختلف أعدادها وأنواعها بين مجتمع وآخر والتي تصيب المواطنين على اختلاف فئاتهم الاجتماعية (ولا سيما منهم أصحاب الدخول المحدودة والمشردين والفقراء والتاعسين والمساكين) إنما يقع عبء مجابهتها والتصدي لمكافحتها على عاتق القوى الثلاث مجتمعة ومتكافلة ومتضامنة: الدولة وأصحاب الأعمال والعمّال، عن طريق استحداث تنظيم عام يؤمنون تمويله وفق قدرات كل طرف، وبدوره يتولى هذا التنظيم تغطية تكاليف مجابهة هذه المخاطر التي تصيب كل مواطن حسب حاجته التي تستدعيها مجابهة هذا الخطر الاجتماعي، وكل ذلك تأكيد لقاعدة: من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته، وهذا ما عرف بنظام الضمان الاجتماعي (يراجع بهذا الخصوص تقرير اللورد بفريدج الصادر سنة 1942، وهو وزير الخزانة البريطاني ورئيس اللجنة التي عرفت باسمه وصاغت نظام الضمان أو التأمين الاجتماعي). ثانياً: على ضوء ذلك اندفعت الدول، وفي طليعتها الدول الصناعية لصياغة ووضع تصاميم للضمان الاجتماعي وتشريعها قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها تتناسب وظروف وواقع كل دولة وقدراتها وعدد وأنواع المخاطر الاجتماعية فيها، وكان أول قانون للضمان الاجتماعي قد صدر سنة 1934 في الولايات المتحدة الأميركية، وتوالت الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والشرعات المتعلقة بحقوق الإنسان وأهمها الشرعة العالمية لحقوق الإنسان الصادرة سنة 1949 وفي احدى موادها النص على: «الضمان الاجتماعي حق لكل مواطن»، وآخرها اتفاقية الحد الأدنى للضمانات الاجتماعية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 102 / 1952 التي وقعها لبنان في حينه.
8 مخاطر اجتماعية و4 فروع صناديق
ثالثاً: في السادس والعشرين من أيلول سنة 1963 صدر قانون الضمان الاجتماعي اللبناني وبين دفتيه: 1 إنشاء مؤسسة عامة اسمها: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تتولى إدارة نظام الضمان الاجتماعي اللبناني بمختلف فروعه وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وتخضع لوصاية وزارة العمل بواسطة مفوض حكومة، ولرقابة مجلس الوزراء المسبقة، ولرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة وتنفرد من دون غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة ومن الادارة العامة بإدارة مرفق اجتماعي عام هو الضمان الاجتماعي. 2 تشريع نظام الضمان الاجتماعي الذي احتوى على: أ حددّ وعددّ المخاطر الاجتماعية التي أخذ بتغطيتها، وهي الثمانية التالية: 1- الشيخوخة والعجز والوفاة والمرض والأمومة وطوارئ العمل والأمراض المهنية والأعباء العائلية والتعليمية. ب حصر هذه المخاطر الاجتماعية في أربعة فروع /أنظمة/ صناديق وهي: 1 ضمان المرض والأمومة (الضمان الصحي) 2 ضمان طوارئ العمل والأمراض المهنية 3 ضمان الأعباء العائلية والتعليمية 4 ضمان تعويض نهاية الخدمة. ج حدد الخاضعين والمشمولين بالتغطية والمستفيدين من تقديمات فروعه بجميع فئات الشعب اللبناني والمقيمين على أرضه من الأجانب (من غير الخاضعين، ومن غير المشمولين بالمؤسسات الرسمية اللبنانية الضامنة). ووزعهم على ثلاث مراحل وفقاً لوظائفهم الاقتصادية، وأوضاعهم الاجتماعية مع الاحتفاظ بحق مجلس الوزراء لاحقاً في استقدام أي فئة من المرحلتين الثانية أو الثالثة إلى المرحلة الأولى وسريان خضوعها وشمولها بتقديمات الفروع النافذة كلها أو بعضها فوراً (القانون 16/75 تاريخ 11/4/1975).
«الصندوق».. وأجواء الحرب اللبنانية
رابعاً: تنفيذاً لقانون الضمان الاجتماعي تبعاً للقواعد والأسس أعلاه باشر الصندوق اعتباراً من 1/5/1965 تنفيذ المرحلة الأولى بوضع فرع ضمان تعويض نهاية الخدمة، ثم فرع تعويض الأعباء العائلية والتعليمية في 1/11/1965 ثم فرع ضمان المرض والأمومة (الضمان الصحي في 1/11/1970) وكلها وفقاً لنصوص في قانون الضمان الاجتماعي ومعها النصوص النظامية والمراسيم الصادرة تبعاً لها وفي ظل علاقات إدارية تنساب تسلسلياً (عمودياً ونزولياً) بين الأجهزة الثلاثة المكونة لهيكلية الصندوق القانونية من جهة وبين سلطة الوصاية (وزارة العمل) ومجلس الوزراء ومجلس النواب وغيرها من الوزارات والمؤسسات العامة من جهة أخرى. ودخل الصندوق أجواء الحرب اللبنانية التي بدأت في 26/2/1975 كما كل أجهزة الدولة بإداراتها ومؤسساتها العامة، وتعرض لتعديات وضغوطات ومضايقات أثّرت سلباً في مسيرته وأعاقتها في بعض الفترات إلا ان الصندوق بقي عند دوره قائماً بتنفيذ فروعه الثلاثة من دون توقف أو انقطاع، مؤدياً التقديمات ومجْبياً الاشتراكات وملاحقاً المقصرين لتسديدها بالطرق القانونية والنظامية، ومستعيناً باحتياطه النقدي وفوائده ومواكباً بالتشريع (مراسيم اشتراعية وقوانين عادية) كل ما له اثر في الحفاظ على مؤسسة الصندوق وتفعيل دورها (المرسوم الاشتراعي رقم 17 تاريخ 4/3/1977 المتعلق بسن أحكام خاصة لمعالجة تأثير الحوادث التي حصلت في لبنان اعتباراً من 26/2/1975 على تنفيذ أحكام قانوني العمل والضمان الاجتماعي اعمال وإنفاذ قانون سلفة البطالة للمضمونين الخاضعين لنظام تعويض نهاية الخدمة الذين اضطروا للتوقف عن العمل وضع مشروع قانون الشيخوخة والعجز والوفاة في 6/1/1978 (الذي عرف لاحقاً بمشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية) وذلك ليحل نهائياً محل قانون تعويض نهاية الخدمة طبقاً لما تنص عليه المادة 49 من قانون الضمان الاجتماعي. وما كاد نظام الضمان يخرج من نفق الحرب معافى ويستعد لاستئناف مسيرته بقوة وثبات، إذا برياح وعواصف نظام العولمة بجناحيه العسكري والاقتصادي/الاجتماعي تجتاح العالم ومنه منطقتنا العربية، فإذا بجيش الولايات المتحدة الأميركية يغزو العراق ويبدد ثرواته ويدمر سيادته ويحل جيشه ويؤسس تشريعياً لتفتيته وتقسيمه وإذا بالبنك الدولي مسوّق قيم النظام العولمي الاقتصادي (النيوليبرالية الخصخصة اقتصاد السوق)، يحط في منطقتنا ومنها لبنان، وفي محفظته وصفات خصخصة الضمان الاجتماعي اللبناني وتصفية الصندوق، ودفن قاعدتي التكافل الاجتماعي والتوزيع ورفع رايتي الرسملة والخصخصة وتحرير الموازنة العامة من كل بند يمول السياسة الاجتماعية والإنفاق عليها. ولأن المخططات الهادفة إلى ضرب الضمان وتصفيته نهائياً لا تتم دفعة واحدة بل على دفعات احتراماً لذكاء الشعب اللبناني أو ضحكاً عليه - فقد بدأت مبكراً ومع مطلع تسعينيات القرن المنصرم معاول الهدم تأخذ طريقها إلى التنفيذ في عمارة الضمان الاجتماعي من خلال حملات إعلامية متمادية وإجراءات قانونية وإدارية عديدة سبق وعرضناها في حينه وأهمها: 1 حملات إعلامية مكتوبة ومسموعة ومرئية، وندوات ومناظرات تلفزيونية ضد الضمان الاجتماعي اللبناني (فكرة ومؤسسة ونظام تقديمات واشتراكات) تهدف إلى اهتزاز قناعة الشعب اللبناني والمضمونين فيه، وتنظيم ندوات في بيروت تدعو إلى خصخصة الضمان اقتداءً بما أقدمت عليه دولة تشيلي في أميركا الجنوبية. 2 طرح مسودة مشروع قانون من قبل احد مراجع الحكم في لبنان في العقد الأخير من القرن العشرين يقضي بإعفاء أصحاب الأعمال والدولة (بصفتها صاحب عمل) من جميع الاشتراكات المتوجبة عليهم لفرعي التعويضات العائلية والمرض والأمومة التي لم يدفعوها اعتباراً من تاريخ تنفيذ كل فرع (الأول في 1/11/1965 والثاني في 1/11/1970) وحتى نهاية سنة 2000 والمقدرة بعشرات مليارات الليرات. ولقد جوبهت مسودة المشروع هذا بالرفض الغاضب، ومن قبل من؟ من قبل أصحاب الأعمال الذين كانوا يواظبون على دفع الاشتراكات المتوجبة عليهم ضمن الأوقات والمهل النظامية لمخالفة ذلك لأحكام الدستور ومبدأ مساواة اللبنانيين أمام التكاليف. فاضطر المعنيون به إلى سحبه من التداول والتبرؤ منه. وعادوا بعد مدة لطرحه بصيغة أخرى وهي التقسيط لمدة عشرين سنة ومن دون فوائد، فكان نصيب هذا الطرح الجديد الرفض حتى صُرف النظر عنه.. إلا ان الديون هذه لا زالت متوجبة لصندوقي هذين الفرعين، ولم تدفع، مما أثر على ماليتهما وتعرضهما للتوقف عن الدفع في حينه. 3 امتناع وزارة المال عن تسديد الاشتراكات المتوجبة على الدولة (بصفتها صاحب عمل) وكذلك بصفتها داعمة في نسبة من الاشتراكات المتوجبة على سائقي السيارات العمومية الذين يملكونها ويسوقونها بأنفسهم، وكذلك ولنفس الأمر بالنسبة للمختارين، وتقدر هذه المتوجبات بمئات الملايين. وكذلك امتناع وزارة المال عن تسديد ما يتوجب على الدولة بنسبة 25 في المئة من مجموع نقديات فرع ضمان المرض والأمومة سنوياً، والتي صارت تتجاوز الألف مليار ليرة، ولا يقلل من خطورة هذا العامل وآثاره السلبية على مالية الضمان الاجتماعي اقدام وزارة المال على تسديد دفعات لا يزيد مقدار الدفعة عن خمسين مليار ليرة مع بُعد المسافة الزمنية بين تسديد وآخر. 4 إصدار القانون رقم 18 تاريخ 5/9/2008 (المتعلق بإنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس) الذي نص في إحدى مواده على عدم خضوع العاملين داخل هذه المنطقة من أصحاب أعمال وأجراء إلى قانوني العمل والضمان الاجتماعي نص في إحدى مواده الأخرى على حث وتشجيع أصحاب الأعمال لتنظيم عقود تأمينية صحية لأجرائهم في شركات التأمين الخاصة. 5 صدور مراسيم بتخفيض معدلي الاشتراك في فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية منذ 1/4/2001 (من 15 في المئة إلى 9 في المئة في الفرع الأول، ومن 15 في المئة إلى 9 في المئة في الفرع الثاني من دون الاستناد إلى أية دراسة مالية وإحصائية واكتوارية تبين بقاء التوازن المالي على حاله في كلا الفرعين.
المشاريع الثلاثة للتغطية الصحية
خامساً: وعلى طريق هذه الحملة بل الهجمة على الضمان الاجتماعي اللبناني (فكرة ومؤسسة ونظاماً) واستمرارها جاءت هذه المشاريع الثلاثة للتغطية الصحية الشاملة التي طرحت على التوالي خلال السنوات الأربع الأخيرة، فما هي، وما هو ردنا على رفيق سلامة بشأنها: 1 مشروع وزير الصحة السابق الدكتور محمد خليفة (2008 2009) الذي سماه سلامة تجاوزاً بمشروع حكومة الرئيس السنيورة. 2 مشروع وزير العمل السابق الدكتور شربل نحاس (2011). 3 مشروع وزير الصحة العامة الحالي علي حسن خليل (2012). 1 بداية وللوهلة الأولى يتراءى للقارئ وهو يطلع على هذه المشاريع الثلاثة كما عرض لها سلامة - أن التغطية الصحية الشاملة هذه تطرح لأول مرة في لبنان، وأن ذلك يشكل هدفاً نبيلاً يجب العمل الدؤوب لتحقيقه، بينما الحقيقة الصارخة تبين وتفيد بغير ذلك وهذا ما لم يتطرق إليه سلامة بحيث ان هذه التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين (من غير المشمولين بتغطية الأجهزة التأمينية العامة في الإدارات العامة وغيرها)، قد سبق لها وشرعت بموجب قانون الضمان الاجتماعي الصادر في 26/9/1963 والمعدل بالقانون رقم 16/75 تاريخ 11/4/1975 (الكتاب الثاني الباب الأول (نظام ضمان المرض والأمومة المواد 13 27) وبدأ تنفيذه من قبل الصندوق اعتباراً من 1/11/1970 وعلى مراحل قانونية ثلاث. 2 ونحن نتعرف إلى أصحاب هذه المشاريع الثلاثة ومواقعهم في الإدارة العامة، نتساءل عن مدى صحة ومشروعية وصلاحية أي منهم لوضع مثل هذه المشاريع؟ وتقاليد الإدارة العامة اللبنانية وقواعدها النافذة في هذا المجال واضحة كل الوضوح ولا سيما قواعد فصل السلطات، وفصل الصلاحيات، وفصل الاختصاصات فيها. فالصندوق (بأجهزته الثلاثة) هو صاحب الصلاحية والاختصاص بوضع هذه المشاريع والإنهاء بها لتأخذ طريقها القانوني عبر المراجع المختصة ومنها أصحاب المشاريع الثلاثة بحكم مواقعهم الرسمية وصولاً إلى مجلس النواب.
«دراسة الكلفة في الأول والثالث وهمية»
3 وبالنسبة لـ: ثغرة عدم التغطية «التي حددت في المشروعين الأول والثالث بـ2,200,000 مواطن لبناني ما زالوا حتى الآن خارج أي تغطية صحية، أي أكثر من نصف الشعب اللبناني (كما يضيف سلامة)، فإننا نعتقد وبكل مسؤولية أن الأرقام المتداولة في لبنان يجب ان تكون موضع حذر وتبصر عميق عند الأخذ بها والبناء عليها. فحول هذا الموضوع بالذات وإنما في سنة 2000 (يوم كنا في مديرية فرع ضمان المرض والأمومة كانت أرقام المؤسسات التأمينية العامة العاملة في لبنان ومنها فرع ضمان المرض والأمومة في الصندوق، تشير إلى أن 60 في المئة من الشعب اللبناني مشمول بالتغطية الصحية في هذه المؤسسات، هذا من دون أن تدخل في نسبة الـ60 في المئة هذه نسبة المواطنين المشمولين بتغطية أنظمة البلديات الكبرى ونقابات المهن الحرة المنشأة بقانون) فإذا كان الأمر كذلك في سنة 2000 أفلا يمكن أن تكون هذه النسبة قد ارتفعت في سنة 2012 إلى حدود 70 في المئة من الشعب اللبناني؟ وعليه تكون دراسة الكلفة كما هي في المشروعين الأول والثالث المبنية على أن أكثر من نصف الشعب اللبناني حتى الآن هم خارج أي تغطية صحية هي خارج الحقيقة والواقع ووهمية في أحسن الأحوال. 4 وبالنسبة لتمويل كل من هذه المشاريع الثلاثة، فيلاحظ أنها تقع على عاتق الخزينة العامة والضرائب، ويبدو واضحاً أن هناك تقليلا متعمداً من أهمية التمويل عن طريق الاشتراكات المفروضة على أصحاب الأعمال والعمال، والترجمة العملية لذلك هو تحرير أصحاب الأعمال من التزاماتهم وهذا ما يطلبونه دائماً، أما الأجراء فيقبلون بذلك وربما تكون لهم بمثابة رشوة، والقصد تغييب مفهوم الضمان الاجتماعي والتكافل بين قوى الإنتاج برعاية الدولة وحمايتها وكفالتها وتمهيداً مرحلياً ينتهي بالإجهاز على الضمان الاجتماعي (فكرة ومؤسسة وتكافلاً اجتماعياً) وحلول الخصخصة مكانه.
«كيف تمكن سلامة من البقاء؟»
5 أخيراً وعند الوصول إلى تحديد إدارة هذه المشاريع، فإنه يتضح جلياً استبعاد مؤسسة الصندوق من إدارة المشروعين الأول والثالث وحلول وزارة الصحة مكانها، وفي المشروع الأول ينتهي دور وزارة الصحة على الإشراف والمراقبة فقط أما التنفيذ فيكون على همة القطاع الخاص بالتلزيم لشركة واحدة أو اكثر. أما المشروع الثاني (وبصرف النظر عن شاعريته وطموحه الذي يسابق الخيال كما بيّنا ذلك في حينه) فإنه أبقى الإدارة للصندوق متزامناً ذلك مع إصلاحه وتطويره، الا ان سلامة يرفض ذلك، ويشن هجوماً على الصندوق قائلاً: «إنها مؤسسة عاجزة عن القيام بمهامها الأساسية، وقد استعصت حتى الآن على جميع محاولات التحديث والإصلاح»؟ هذا وسلامة يشغل حالياً عضو مجلس إدارة الصندوق وعضو هيئة مكتبه منذ عشر سنوات على الأقل، فكيف تمكن من البقاء في هذا المجلس وهو على هذه الحال فلماذا لم يقدم استقالته يا ترى؟! وعليه فإن هذه المشاريع كما يبدو تنتهي إلى خصخصة الضمان (فكرة ومؤسسة ونظاماً بفروعه المتعددة). أما وزارة الصحة بمهامها الجليلة في التخطيط الدائم لسياسة صحية شاملة في لبنان، فإنها باتت في موقع يحررها من عملية الاشتغال بقضايا تنفيذية في العلاج أو الرعاية الصحية المباشرة.
جميل ملك المدير السابق لضمان المرض والأمومة (الضمان الصحي) في صندوق الضمان