تمسك بالموازنة المتقشّفة وسقف العجز وتنويع مصادر التمويل
عدنان الحاج السفير 1-3-2013
يحاول وزراء مقاربة موضوع تمويل «سلسلة الرتب والرواتب» وأعبائها المالية وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي وعجز الخزينة من باب تقدير كلفة الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد من حجم النفقات والموازنة العامة، بحيث ستشكل بعد «السلسلة» أكثر من 39 في المئة من حجم النفقات وهي نسبة مرتفعة. وزراء من أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة دراسة تمويل «السلسلة» قبيل إحالتها إلى مجلس الوزراء خلال الفترة القليلة المقبلة يؤكدون لـ«السفير» أن الكلفة المتبقية من السلسلة لا تتعدى 541 مليار ليرة وهي التي يفترض تقسيطها على أربع سنوات انطلاقاً من موازنة العام 2013 بعد إقرارها. وزير المال محمد الصفدي كان قد ناقش منذ أيام الأمر مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حيث تم التداول بضرورة إيجاد الصيغة والطرح الذي ستواجه به الحكومة «هيئة التنسيق النقابية». الصيغة تقضي بتمديد حجم «السلسلة» والزيادات بعد تعديلها مع مصادر تمويلها بصورتها المقسطة لتقول ان هذه هي السلسلة بصيغتها التي تتحملها الحكومة والاقتصاد، وستدفع مقسطة على ثلاث أو أربع سنوات بما في ذلك تحديد مصادر التمويل انطلاقاً من زيادة عامل الاستثمار الذي يؤمن حوالي 900 مليار ليرة. كذلك زيادة المحسومات التقاعدية وفرض ضريبة على تعويضات الصرف مع تعديلات طفيفة على المعاشات التقاعدية والحسومات. يتمسك وزير المال بجملة أرقام أساسية تقضي بالآتي: ـ أولاً ـ ان نفقات الموازنة يجب ان لا تزيد عن 21700 مليار ليرة، وان سقف العجز يجب أن لا يزيد عن 5250 مليار ليرة كإشارة إلى الأسواق والجهات المانحة والمؤسسات الدولية بجدية الحكومة بضبط العجز والتقيد بمستوياته. ـ ثانياً ـ ان كلفة الرواتب والأجور اليوم ومعاشات القطاع العام تقارب 7453 مليار ليرة، بما فيها معاشات التقاعد التي تقدر بحوالي 1850 مليار ليرة. ومساهمات الدولة في الضمان الاجتماعي من اشتراكات عن الأجراء والفئات الخاصة وحصة الدولة في الضمان الصحي والتي تبلغ حوالي 280 مليار ليرة. ـ ثالثاً ـ هناك تمسك بالحد من تزايد كلفة الدين العام والذي يقدر بحوالي 56700 إلى 5700 مليار ليرة حداً أقصى. يضاف إلى ذلك مبلغ حوالي 2869 مليار ليرة لدعم «مؤسسة كهرباء لبنان» بعدما تم تقليص هذه النفقة بشكل ملحوظ. ـ رابعاً ـ هناك تقديرات أولية لبعض التدابير الأساسية من زيادة عامل الاستثمار والتضارب حول هذه الأرقام، حيث يرى بعض الوزراء ان هذه التقديرات تقارب 900 مليار ليرة، فيما يرى بعض الوزراء من أعضاء اللجنة أن هذه التقديرات ليست دقيقة وتحتاج إلى دراسات رقمية (اكتوارية) تحدد الكلفة الحقيقية والعائدات المقدرة التي يفترض أن تكون رافداً لإيرادات الموازنة أيضاً، بما يقلص العجز في ظل شح مصادر التمويل. ـ خامساً ـ النقطة الأهم في هذا الأمر ان تقديرات الإيرادات العامة التي تنطلق منها الموازنة تعتمد على مبلغ قدره 14800 مليار ليرة، بما يعني ان الإيرادات مع العجز المقدر بحوالي 5250 و5600 مليار ليرة ستصل إلى حدود 21 ألف مليار ليرة بعد إضافة الجزء الأول من السلسلة المقدر بحوالي 247 مليار ليرة. مع التأكيد هنا أن العديد من الوزراء أعضاء اللجنة الوزارية يعتبرون ان النفقات الفعلية والانعكاسات اللاحقة تفترض المزيد من الدراسة تلافياً للمحظور. في حين ان الوزراء الداعين لتمويل «السلسلة» بعد إقرار مصادر تمويلها التي أصبحت مبلورة بشكل أفضل، يقولون ان السلسلة أشبعت درساً بعد إقرارها وبتفاصيلها.
المقارنة بين لبنان واليونان
الجانب المعارض لموضوع السلسلة في مجلس الوزراء واللجنة يحاول مقارنة الوضع اللبناني بما حصل في اليونان. منطلقاً من الواقع القائل بأنه عندما وصلت كلفة الأجور في اليونان إلى 27 في المئة من النفقات انهار الوضع المالي في اليونان وحصلت الأزمة، فكيف الأمر مع لبنان الذي تصل فيه الكلفة حالياً إلى حوالي 39 في المئة. هذا الفريق يساير موقف «الهيئات الاقتصادية» ويرفع وتيرة التحذير من الوقائع على اعتبار ان رئيس الحكومة يعترف في غير مناسبة بأنه مع إقرار السلسلة وتحويلها إلى المجلس النيابي بعد تأمين مصادر التمويل التي لا تنعكس على الوضع المالي للدولة. وهو يقترح جملة أمور، منها ربط مصادر التمويل بين الموازنة والسلسلة وصولاً إلى القول بأن مصادر الإيرادات الجديدة يجب ان تفوق كلفة السلسلة لكي تمول عجز الموازنة وتقلص هذا العجز بما يتوافق والإشارات للأسواق الخارجية.
المعادلة الجاري بحثها
المعادلة الجاري بحثها اليوم تنطلق من القول ان كلفة الرواتب والأجور هي بحدود 5650 مليار ليرة يضاف إليها 1850 ملياراً كلفة تعويضات ومعاشات التقاعد. أما كلفة السلسلة فتقدر بحوالي 1500 مليار وتتضمن زيادة غلاء المعيشة بحوالي 750 مليار ليرة وهي وقعت فعلاً. فيكون مجموع كلفة الرواتب والأجور حوالي 9 آلاف مليار ليرة أي حوالي 6 مليارات دولار. بمعنى آخر ان الأجور تشكل 39 في المئة من نفقات الموازنة بعد تقليصها إلى حوالي 21 ألف مليار ليرة وبعدما حسم وزير المال منها حوالي 2000 مليار ليرة وهي كانت 23 ألف مليار. أما خدمة الدين فتشكل حوالي 25 في المئة من النفقات زائداً حوالي 15 في المئة لعجز الكهرباء، وهذا يعني أكثر من 80 في المئة من النفقات ومن دون كلفة النفقات الاستثمارية واحتياجات المشاريع وتمويل تجهيزات الجيش وخدمات الإدارة التي يفترض أن تسير أمور الدولة، وهذه المبالغ كانت سابقاً حوالي 4000 مليار ليرة، وهذا أمر يصعّب إعداد الموازنة المتقشفة التي تسعى إليها وزارة المال والحكومة.
دراسة اكتوارية
المعضلة تنتظر دراسة اكتوارية حول كلفة «السلسلة» وانعكاساتها على معاشات التقاعد، كذلك تنتظر التقديرات الفعلية لعائدات عامل الاستثمار، بينما تستمر الإضرابات في القطاع العام وتعطيل معاملات الناس وتعطيل المدارس وتهديد مستقبل الطلاب والتلاميذ. المفارقة هي أن متوجبات «السلسلة» في حال إقرارها دفعة واحدة أو مقسّطة تفترض تأمين الدفعات الأعلى فوراً، في حين ان مصادر التمويل تحتاج مشاريع قوانين يقرها المجلس النيابي وهذا أمر ليس محدداً من حيث المدة الزمنية المطلوبة وليس من حيث العائدات وتحسين الجباية والحد من الهدر وإقفال أبواب التهريب والتسليفات. كل ذلك يجري والحكومة لن تخضع تحت ضغط الإضرابات في حين ان الموظفين و«هيئة التنسيق» لن يتراجعوا عما يعتبرون أنه بات حقاً مكتسباً.