مقالات صحفية مختارة > صعوبة تمويل استحقاق آذار بـ800 مليون دولار مع تراجع الإيرادات
انعكاسات إضافية لاستقالة ميقاتي اقتصادياً ومالياً في ظل تراجع المؤشرات
عدنان الحاج السفير 25-3-2013
لا شك بأن استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبعيداً من الأثر السياسي والأجواء الأمنية السائدة في البلاد، ستكون لها بعض الآثار السلبية على الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد، والتي تعاني أصلاً من صعوبات كثيرة نتيجة عدم الاستقرار الذي أدى ويؤدي إلى تراجع مجمل المؤشرات مع الفصل الأول من العام 2013. الخوف ليس على المؤشرات المتراجعة سابقاً والمستمرة اليوم، وإنما على تراجع مؤشرات جديدة تدخل في صلب المالية العامة للدولة التي دخلت مرحلة جديدة مع إقرار «سلسلة الرتب والرواتب» للقطاع العام والتي ستزيد عجز الموازنة في ظروف اقتصادية صعبة لا نمو فيها ولا حركة استثمارات خارجية أو داخلية جديدة تزيد إيرادات الدولة وتخلق فرص عمل جديدة لعشرات آلاف الشباب اللبناني من متخرّجي الجامعات والمهنيات وطالبي دخول سوق العمل. في معرض الحديث عن الصعوبات، لا بد بداية من التوقف عند استحقاقات الدولة بالعملات الأجنبية المقدرة بحوالي 800 مليون دولار، والتي كانت وزارة المال تحضّر إصداراً لسندات «اليورو بوند» خلال هذا الأسبوع، وهو أمر قد يتأثر من حيث حجم المخاطر وعدم إقبال المصارف الخارجية على تسويق هذا الإصدار بعدما تمنعت المصارف اللبنانية الكبرى عن المشاركة في تسويق هذه العملية، ناصحة وزارة المال بعدم إمكانية نجاحها في هذه المرحلة نتيجة الظروف المالية في المنطقة وفي ظل الأزمة اليونانية والقبرصية، إضافة إلى وجود مخاطر عالية نتيجة الوضعين المالي والسياسي الداخلي. مع الإشارة هنا إلى أن موضوع المالية العامة وإقرار الحكومة لـ«سلسلة الرتب والرواتب» زاد من تمنع المصارف المحلية عن المشاركة في تمويل احتياجات الدولة، ليس بالعملات فقط وإنما في الإصدارات الأسبوعية بالليرة اللبنانية، ما يجعل مصرف لبنان يزيد تدخله لتغطية العجز الأسبوعي، وبالتالي سيجد نفسه مضطراً لتأمين الاستحقاق بالعملات الأجنبية لشهر آذار الحالي. الخطورة الأخرى التي جعلت وزير المال محمد الصفدي يتحفظ على صيغة سلسلة الرواتب وكلفتها الجديدة هو أن إيرادات وعائدات الخزينة خلال الفصل الأول من العام 2013 تراجعت أكثر من 432 مليار ليرة، ما يعني صعوبات مالية مقبلة من دون كلفة السلسلة نتيجة التردي الاقتصادي والنشاط التجاري خلال مطلع العام 2013. الأخطر من كل ذلك أن بند احتياطي الموازنة لم يبق لديه سوى بضعة ملايين من الليرات، حيث قضت نفقات الوزراء على كل المبالغ الاحتياطية، وهو أمر جعل وزير المال يبلغ الحكومة أنه ليس لديه مبالغ لتسديد بعض الاعتمادات المتوقفة لمعظم المتعهدين وبعض ملتزمي الخدمات لحساب الدولة اللبنانية والمستحقات لكثير من المؤسسات. هذا أمر سيظهر أكثر وضوحاً خلال الفترة القليلة المقبلة.
^^ في أرقام مشروع الموازنة العامة
كل ذلك يحصل في ظل عدم وجود موازنة عامة للعام 2012 وبالتالي للعام 2013، على الرغم من إحالة مشروع الموازنة من قبل وزارة المال إلى مجلس الوزراء منذ أسبوعين على أمل مناقشتها من قبل الحكومة، وهو أمر لن يحصل بعد استقالة الرئيس ميقاتي، ما سيزيد المأزق المالي للدولة. النقطة الأهم أن إمكانية تطبيق السلسلة والمشاريع المرفقة للتمويل التي تحتاج إلى قوانين، لن تبصر النور في ظل الفراغ الحكومي والغياب الملحوظ لجلسات المجلس النيابي حتى خلال وجود الحكومة المستقيلة. لقد لحظ وزير المال محمد الصفدي في مشروع موازنته إلى مجلس الوزراء أنه قلّص نفقات الموازنة بحوالي 1779 مليار ليرة من حوالي 23 ألف مليار ليرة إلى 21229 مليار ليرة. ويشير تقرير الموازنة العامة إلى إلغاء اعتمادات بقيمة 1520 مليار ليرة كانت مخصصة لتمويل السلسلة، على أن تؤمن ايراداته من مجالات ضريبية تفرض ضمن الموازنة العامة. لكن نفقات الموازنة العامة تتضمن مبلغ 750 مليار ليرة لتسديد غلاء المعيشة لموظفي القطاع العام والمؤسسات العامة على اعتبار أن ما دفع للموظفين في القطاع العام لم تتم تغطيته في موازنة العام 2012 على الرغم من أنه دفع اعتباراً 1-2-2012، وكان بمثابة سلفة على غلاء المعيشة. إشارة إلى أن المعضلة الأساسية تكمن بين تأمين مصادر تمويل عجز الموازنة الذي حدد وزير المال سقفه بحوالي 5245 مليار ليرة على اعتبار أن الايرادات ستكون بحدود 15984 مليار ليرة بزيادة حوالي 1410 مليارات ليرة عن العام 2012. مع العلم أن هذا التراجع في النشاط التجاري والاقتصادي لا يبشر بسهولة تحقيق هذا الهدف.
^^ المؤشرات تزداد صعوبة
بالعودة إلى المؤشرات، يتضح أن الوضع المالي يعاني من صعوبة في إمكانية تحسين عائدات الدولة في ظل مناخ عدم الاستقرار السائد والمستمر منذ أشهر في ظل غياب الخطوات العلاجية في حدودها الدنيا لتقليص النفقات وزيادة العائدات: 1- على صعيد الدين العام، فقد سجل حتى الآن حوالي 58,2 مليار دولار مقابل حوالي 53,7 مليار دولار للفترة ذاتها من العام 2012 أي بزيادة قدرها حوالي 8,5 في المئة، في حين أن النمو الاقتصادي بقي أقل من 1,5 في المئة، وهذا يعني أن نمو الدين عاد ليكبر أكثر من النمو الاقتصادي. اللافت في الأمر أن الدين العام بالعملات (الدين الخارجي) ارتفع حوالي 3,5 مليارات دولار بما نسبته حوالي 17 في المئة، وذلك ضمن البحث عن تخفيض كلفة الدين. 2- تراجعت حركة رخص البناء حوالي 20 في المئة خلال الشهرين الأولين من السنة الحالية، كما تراجعت المبيعات العقارية بما يقارب 15 في المئة عن الفترة ذاتها من العام 2012. 3- كانت بعض المؤشرات الإيجابية بدأت بالظهور خلال الشهر الأول من السنة من حيث تسجيل ميزان المدفوعات فائضاً بقيمة 383 مليون دولار، بعد عجوزات كبيرة خلال العامين 2011 و2012 تفوق 3,9 مليارات دولار، لكن هذا المؤشر عاد إلى الجمود وبعض التراجع. كذلك حركة الرساميل الوافدة ومعظمها من اللبنانيين العاملين في الخارج التي سجلت حوالي 1624 مليون دولار خلال الشهر الأول ولم تستمر في وتيرتها. 4- الحركة السياحية تواصل تراجعها الكبير الذي يفوق 20 في المئة عن العام 2012، وهي من ضمن مثلث عناصر النمو الاقتصادي إلى جانب حركة الصادرات الصناعية والزراعية التي حافظت على معدلات مقبولة، على الرغم من تضرر الحركة البرية ومحاولة اعتماد وسائل النقل البحرية، ما يزيد الكلفة، ويعيق النشاط التجاري المعتمد في أكثر من 60 في المئة على التصدير البري إلى الأسواق العربية والخليجية، وهي الأسواق الرئيسية للمنتجات والصادرات اللبنانية. في المحصلة، إن استقالة الحكومة الميقاتية في هذه المرحلة الصعبة، ستزيد من حال الحذر والتوتر في الأسواق المالية، المتوترة أصلاً، وستحد من حماسة المتعاملين على الاكتتاب في سندات الدولة الداخلية والخارجية، كما ستزيد من صعوبة الخروج بمشروع موازنة قادر على التقيد بسقف العجز وسقف النفقات وحجم العائدات المقدرة. كما ستطرح مصير تمويل سلسلة الرواتب على بساط البحث في ظل نمو الفراغ والهدر، وفي غياب الموازنات للمؤسسات. عدنان الحاج
