مقالات صحفية مختارة > سلسلة الإداريين: كذبة الإصلاح
تضج أروقة الوزارات والإدارات العامة هذه الأيام بالأحاديث وتحليل أرقام سلسلة الرواتب. يبدو جميع الإداريين غير راضين عن مشروع مجحف بحقهم، فيما لحق الظلم بالفئتين الرابعة والخامسة على خلفية «شلحونا أكثر مما أعطونا» فاتن الحاج الاخبار 5-4-2013 إعلان
صدمة واستنفار. هذه هي حال الموظفين في الإدارة العامة بعيد القرار الأخير لمجلس الوزراء بإحالة سلسلة الرواتب على المجلس النيابي. تكثر التساؤلات بشأن الراتب الجديد وقيمة الدرجة والظلم اللاحق مما سمّته الحكومة ورقة إصلاحية وما سمّاه الموظفون ورقة تخريبية. تعلو الصرخة لدى كل الفئات الوظيفية من الأولى إلى الخامسة. يشكو المديرون العامون من تراجع رواتبهم؛ فبعدما كان راتب المدير العام في السلاسل القديمة يفوق راتب القاضي بـ800 ألف ليرة لبنانية وراتب الأستاذ في الجامعة اللبنانية بمليون ليرة لبنانية، بات أقل من الراتبين. لكن لموظفي الفئة الرابعة حكاية أخرى مع أرقام لم تنصف «الذراع التنفيذية للوظيفة العامة». وقبل سوق هواجس الموظفين، يبدو مفيداً التذكير بأنّ عدد المنتمين إلى الفئة الرابعة يبلغ 5230 موظفاً من أصل 8970 موظفاً في الملاك الإداري، أي إنها تمثل نحو 58.3%. كيف لحق الظلم بموظفي الفئة الرابعة؟ يقول الموظف في الضريبة على القيمة المضافة إيهاب نصر إنّ «المكسب الوحيد الذي حققناه هو تأسيس حركة نقابية وكسر القيد المفروض على الموظف، وفي ما عدا ذلك أرقام السلسلة لا تعنينا». ويشرح نصر أنّ الخطأ بدأ منذ اللحظة الأولى لفلسفة بناء المشروع من فوق لتحت. كيف؟ يلفت إلى أنّ معدّي السلسلة اقترحوا الزيادة من دون أي آلية واضحة تحكم النسب بين الفئات. لا يرى نصر منطقاً علمياً في «تركيب» الأرقام سوى السقف المالي المحدد لرواتب موظفي الملاك الإداري والأجراء والمتعاقدين، والذي يجب ألا يتعدى 137 مليار ليرة لبنانية. يشعر الشاب بأنّ موظفي الفئتين الرابعة والخامسة تركوا لمصيرهم «وشلحونا أكثر مما أعطونا». تفنّد الموظفة في وزارة الشؤون الاجتماعية وائلة حمزة هذا الكلام بالأرقام، فتشير إلى أنّ الزيادة الناتجة من تحويل السلسلة بعد إعطاء غلاء المعيشة في ½/2012 ، هي 13% للفئة الخامسة و24% للفئة الرابعة و37% للفئة الثالثة و65% للفئة الثانية و39% للفئة الأولى. هذا التفاوت في النسب يحدث شرخاً بين الموظفين، تقول، لافتة إلى أنّ قيمة الدرجة انخفضت بالسلاسل هي 5.5% من أساس الراتب لكل الفئات ما عدا الفئة الرابعة التي تبلغ قيمة الدرجة فيها 4.3%. وفيما تشير حمزة إلى أن قيمة الدرجة تدهورت تدريجياً من 13% من أساس الراتب في السلاسل ما قبل 1996 إلى ما آلت إليه الآن، لا تغفل الحديث عن الدرجات الاستثنائية العشرة التي أعطيت لمعلمي المرحلة الأساسية وهم ينتمون إلى الفئة الرابعة، من دون أن يحظى الإداريون بأي درجة استثنائية. وبينما تتحدث عن زيادة 12 ساعة عمل في الشهر من دون أجر، تسأل عن ضمير المسؤولين في تعزيز هذه الفئة التي ينتمي إليها شباب يشكلون عصب الإدارة ويؤسسون حياتهم، ونادراً ما ينالون التعويضات مثل الفئات الأخرى. ويزيد الموظف في وزارة المال في النبطية مسلم عبيد أنّ الفارق بين الفئة الثالثة والفئة الرابعة كان 300 ألف ليرة وبات 600 ألف، موضحاً أننا «لا نطالب طبعاً بتقليص رواتب زملائنا بل بإنصافنا». ويصف عبيد الورقة الإصلاحية بالكذب والافتراء. يقول: «أنا موظف إداري وأعترف بأنّ هناك رشوة وفساداً في الإدارة وهناك حاجة ملحة إلى الإصلاح، لكن هل زيادة الدوام وتوقيف التوظيف يحققان هذا الهدف أم زيادة الرواتب وتفعيل أجهزة الرقابة الإدارية هما ما يفعلان ذلك؟». كذلك فإنّ زيادة الدوام أطاحت، بحسب إيمان أعفراني الموظفة في الدائرة نفسها، مكتسبات كثيرة. تسأل: «هل يحتاج الموظف إلى الساعات الإضافية لو لم يكن راتبه متدنياً؟ هل يكفي راتب 806 آلاف ليرة لبنانية قبل الزيادة الجديدة لتأمين حياة كريمة؟». «الدعم كان بالدوام الإضافي والتعويضات والمكافآت التي ألغيت بنسبة كبيرة وحلت مكانها زيادة ساعات العمل التي أربكت الموظفات بشكل كبير»، تقول سائلة: «هل تترك الأم الموظفة أولادها في الشارع؟». كيف؟ تشرح أنّ الموظفة التي اختارت العمل في الإدارة العامة رتّبت أمورها على هذا الأساس. هذا ما يسميه الموظف في وزارة الصحة العامة علي السلمان إخلالاً بشروط العمل التي يرتبط بها الموظف مع الإدارة العامة، مؤكداً أنّ الإجراء لا يربك الموظفة فحسب، بل الموظف أيضاً، ويخرق نمطاً اجتماعياً وحياتياً مرتباً مسبقاً. ليس هذا فقط، بل إنّ الموظفين أجبروا في مراحل سابقة ونتيجة الرواتب المتدنية على تأمين مصدر دخل ثانٍ خارج الإدارة العامة بفتح مصالح أو مؤسسات أو مزاولة عمل آخر بعد الظهر لتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم، وبالتالي فإنّ زيادة الدوام ستطيح هذا العمل الإضافي. إلى ذلك، يتحدث السلمان عن التفاف جرى على المكسب الزهيد للسلسلة في أكثر من مكان، فيؤكد أنّ السلسلة التي أقرّت في مجلس الوزراء في 6 أيلول الماضي هي غير السلسلة التي أحيلت والتي حملت أرقاماً مختلفة، «على الأقل مما فهمناه من قرار مجلس الوزراء بين أيدينا، وخصوصاً أننا لم نحصل بعد على الجداول التفصيلية». يوضح أنّ الموظف الذي كان ينتظر أن يكتمل راتبه الجديد فور تطبيق السلسلة سيفاجأ بأنّه لن يحصل ذلك قبل 2016. ويشرح أنّ اللجنة الوزارية خفضت 5% من أرقام السلسلة ليخفض مجلس الوزراء بدوره 5% على 5% أي 9.75% من أصل الزيادة. كذلك فإن تأجيل إحالة السلسلة من 1/7/2012، وفق الاتفاق مع هيئة التنسيق، إلى1/12/2012 «يعني شطب 5 أشهر». ينفي الرجل أن تكون زيادة ساعات العمل مرتبطة بالإنتاجية، بل ستؤدي إلى هدر كبير في استخدام الطاقة والإنترنت والمياه وغيرها من الخدمات. ومن الإجراءات المتخذة، يضيف السلمان، خفض الساعات الإضافية إلى 36 ساعة في الشهر الواحد، فيما كانت تصل هذه الساعات في بعض الإدارات إلى 100 ساعة شهرياً. أليست هذه الساعات تنفيعية؟ لا ينكر السلمان ذلك، لكنه يسأل عن مصير العمل الحقيقي الذي يتطلب ساعات إضافية أكثر من 36 ساعة؟ يتوقف عند خفض الحد الأقصى من التعويضات (أعمال إضافية، بدلات لجان والتكليف بمهمات، المكافآت السنوية وغيرها) من 75% من مجموع الرواتب السنوية إلى 40% فقط، سائلاً: «ماذا لو كانت بدلات أتعاب المهام المكلف بها الموظف أكثر من هذه النسبة، إذ إنّ بعض الوزارات تطلب الانتقال من مكان العمل في العاصمة إلى المناطق؟». لا ينسى الرجل التطرق إلى المفاعيل الخطيرة لرفع سن استحقاق التقاعد من 20 سنة خدمة إلى 25 سنة. المشكلة برأيه تكمن في نظام الرعاية الاجتماعية لعائلة الموظف وبالتمييز الواضح مع العسكريين، إذ إنّ عائلة الموظف الإداري المتوفى وفاة طبيعية وليس بحادث عمل، لا يحق لها بأي راتب تقاعدي إذا كان الموظف لم يمض 20 سنة خدمة، فكيف الآن 25 سنة؟ ويخلص السلمان إلى أنّه جرى ضرب الحد الأدنى من المكاسب التاريخية والمزمنة التي حصل عليها الموظفون والمعلمون. ________________________________________ محمود حيدر: الورقة التدميرية
لم تحقق الأرقام الجديدة للسلسلة، بحسب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر، رواتب منصفة وعادلة للموظفين، وخصوصاً أنّ «الزيادة التي كنا نطالب بها هي لتعويض ما خسرناه على مدى 16 سنة نتيجة التضخم الذي بلغ 130% وليس لزيادة ساعات عملنا». يذهب حيدر إلى أبعد من ذلك فيقول إنّ المعركة الحالية تكمن في تكريس عقلية إلغاء الوظيفة العامة واستبدالها بالتعاقد الوظيفي عملاً بتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وبينما يصف حيدر الورقة الإصلاحية بالتدميرية يقول إن الإصلاح يكون بإعادة النظر في هيكليات الوزارات وملاكاتها وتحديد أعداد الموظفين والمهام المطلوبة منهم والرواتب التي يستحقونها ربطاً بطبيعة اختصاصاتهم وخبراتهم. يستدرك أنّه ليس محسوماً بالسياسة أن يوضع ذلك موضع التنفيذ للمحافظة على ديمومة الإدارة العامة ورفع إنتاجيتها. مع ذلك، يجزم بأنّ هيئة التنسيق ترفض هذه الورقة جملة وتفصيلاً كما ترفض الضرائب على ذوي الدخل المحدود، وستحارب ذلك في مجلس النواب.