القطاعات الاقتصادية والمالية الأكثر تضرراً من نمو شبح الحرب
عدنان الحاج السفيسر 2-9-2013
قبل التهديدات الدولية والتحضير الجاري لضرب سوريا، كانت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان تعيش مرحلة من التردي والتراجع بفعل الظروف الأمنية والسياسية والانقسامات الداخلية والفراغ الحكومي، إضافة إلى الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من سنتين والتي حملت معها أزمة النازحين وأعباء مستمرة على مختلف القطاعات التجارية والعمالية. هذا قبل انطلاقة الحرب الدولية على سوريا فكيف الحال خلال حصولها أو بعدها؟
تراجع الاستثمارات %64
يستثنى من هذا التراجع في مختلف القطاعات، القطاع المالي المصرفي والنقدي الذي استطاع حتى الآن النأي بنفسه فعلاً، لا قولاً، كما كان شعار الحكومة، التي أعجزتها الخلافات والمخالفات، في بعض الوزارات الرئيسية عن القيام بخطوات في خدمة الاقتصاد والقضية الاجتماعية والقطاعات العمّالية بدليل تراجع الاستثمارات الداخلية والخارجية أكثر من 64 في المئة خلال سنة، وانعدام فرص العمل داخلياً وتقلصها في الخارج لا سيما في دول الخليج لأسباب عدة لا مجال لتعدادها. هذا الواقع وللمرة الأولى في لبنان، يدفع «الهيئات الاقتصادية» مجتمعة من تجارية وصناعية وسياحية وزراعية ومقاولات، وحتى مصارف وشركات تأمين وغيرها، إلى التحرك أكثر من مرة خلال سنة، وإطلاق صرخات متنوعة من أجل إنقاذ الاقتصاد «ليبقى اقتصاد وبلد» وصولاً إلى إعلان الإضراب ليوم واحد بعد غد الأربعاء، مطالبة بتشكيل حكومة جديدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بعض الاستقرار أو الحدّ من حالات التفجيرات الأمنية، وهو أمر ليس في يد الهيئات وليس في ما تبقى من بقايا رجال السياسة في لبنان نتيجة الانقسامات الداخلية حول الحرب السورية وقبلها وما بعدها بالتأكيد.
إضراب «الهيئات» والدولة المضربة
في تفاصيل انعكاسات توقعات الضربة الدولية لسوريا، يمكن التوقف عند بعض الأمور الأساسية انطلاقاً من إضراب «الهيئات الاقتصادية» والدور الذي يفترض أن تقوم به الدولة المعطلة والمضربة أصلاً عن خدمة الناس، وإقرار بعض الحقوق للعمّال وتأمين بعض مقومات الصمود والمواجهة في تطورات الظروف الحربية أكثر مما هي عليه. لقد شكل الوضع المالي للدولة خلال الفترات القليلة الماضية هاجساً أساسياً لوزارة المال التي أمنت بعض التمويل لاستحقاقات العام 2013 بالعملات الأجنبية، كما أمنت تمويل احتياجات الدولة لما تبقى من العام بالليرة اللبنانية بالتعاون مع مصرف لبنان الذي يؤمن تغطية العجز في اكتتابات سندات الخزينة بالليرة، ناهيك عن عمليات استبدال السندات المستحقة بالعملات بشهادات إيداع أو سندات يسوقها لدى المصارف لمدة 10 و12 سنة بفوائد تصل إلى 9 في المئة ومع ذلك لم تُقْْْبِِلِ المصارف باستثناء عدد محدود على شراء هذه السندات. المجلس المركزي لمصرف لبنان ناقش في جلسته الأسبوع الماضي العجز المالي للدولة في ظل غياب الموازنة، وتراجع الإيرادات العامة للدولة بحوالي 7 في المئة عن العام 2012، مما يعني إمكانية ارتفاع العجز بالرغم من تحفظ وزارة المال في النفقات والاكتفاء بتسديد الضروري من المستحقات وحقوق القطاعات والمؤسسات لدى المالية العامة. فقد طالب بعض أعضاء المجلس المركزي بضرورة أن يحدد مصرف لبنان حجم تمويله للدولة بسقف أقل من المساهمات الحالية. لكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سأل في مداخلة: «ماذا نفعل بفاتورة المحروقات للكهرباء والحاجات الأساسية من رواتب وأجور وغيرها؟». لذلك كان التوجه إلى متابعة التمويل ضمن المعقول لتخطي الظروف القائمة على صعيد الوضع المالي العام.
المصارف تحافظ على استقرارها
أما بالنسبة إلى القطاع المصرفي فإنه على الرغم من كل الظروف، فإن أرباح المصارف حافظت على استقرارها ونموها بشكل بسيط مقارنة مع العام 2012، وتخطت حوالي 845 مليون دولار في النصف الأول. كما زادت الودائع المصرفية خلال النصف الأول أكثر من 6.2 مليارات دولار بنمو قدره حوالي 5 في المئة وهي نسبة جيدة في المرحلة القائمة. أما الموجودات فقد ارتفعت أكثر من 6 مليارات دولار بنمو حوالي 3.9 في المئة. وحدها التسليفات تراجعت مقارنة مع العام الماضي، حيث زادت حوالي 1.3 مليار دولار مقابل 2,3 مليار في الفترة ذاتها من العام 2012. وهذا يعود إلى تراجع الاستثمارات والمشاريع الداخلية والخارجية وتزايد الطلب على القروض الاستهلاكية والسكنية من القروض المدعومة وغيرها. على صعيد قطاع الخدمات فإن موضوع الكهرباء والبنى التحتية القائمة يبقى الأكثر تعرضا للضرر في حال تعرض لبنان مباشرة لأضرار الحرب والدخول في مواجهات موازية، على اعتبار أن الضرر الاقتصادي يبقى رهن مؤثرات أخرى من الحصار البحري والجوي مما ينعكس مزيداً من الخلل وصعوبة في تأمين المواد الأساسية، على الرغم من المخزون الجيد من المحروقات والطحين الذي يكفي لأسابيع في لبنان ما لم تحصل تطورات تزيد حجم النزوح والاستهلاك، وهو أمر غير مستبعد في حال المزيد من التأزم على صعيد المنطقة، ويجب التنبه له من القطاعين العام والخاص.
البورصة الأكثر تأثراً في الحروب
أكثر القطاعات تأثراً في التوترات الأمنية وتزايد أشباح الحروب، وانتشار حالة عدم الاستقرار هو القطاع المالي بمعنى الأسواق المالية حيث يتخلى المتعاملون عن بعض محافظهم تخوفاً من التطورات وتزايد الأزمات. وهذا الواقع حصل مع انطلاقة الأحاديث عن الضربة الدولية والأميركية لسوريا، حيث تراجعت الأسواق العربية والعالمية، قبل أن تعود وتستريح مع الحديث عن احتمالات التأجيل. وسوق بيروت بمعنى البورصة التي تعاني ضعفاً منذ فترة نتيجة عدم الاستقرار الأمني والسياسي، كانت من بين الأسواق التي ازداد تأثرها المتراكم منذ بداية العام مقارنة مع العام الماضي الذي كان سيئاً أصلاً مقارنة مع الأعوام السابقة. في قراءة للنتائج الأولية حتى نهاية شهر آب يتضح أن تداولات البورصة تراجعت من حوالي 41 مليوناً و466 ألف سهم في العام 2012 إلى حوالي 29.1 مليون سهم في العام 2013 (ثمانية أشهر) أي بما نسبته 29.9 في المئة. أما من حيث القيمة فقد بلغ التراجع حوالي 37.7 في المئة، حيث بلغت قيمة التداولات في 8 أشهر حوالي 197.7 مليون دولار مقابل حوالي 317.01 مليوناً للفترة ذاتها من العام 2012. أما المعدل اليومي للتداولات فقد تراجع من 1.9 مليون دولار إلى حوالي 1.2 مليون دولار على الرغم من زيادة عدد الأسهم المتداولة. القيمة السوقية للبورصة بلغت في نهاية آب 2013 حوالي 10.423 مليارات دولار مقابل حوالي 10.099 مليارات دولار للفترة ذاتها من العام 2012، أي بزيادة 3.2 في المئة نتيجة إدراج أسهم جديدة في البورصة لم تحسن من قيمة وحجم التداولات. عدنان الحاج