جميل ملك السفير 25-9-2013
في 26 / 9 / 2013 وبمناسبة اليوبيل الذهبي للضمان الاجتماعي اللبناني الذي وضع قانونه موضع التنفيذ بالمرسوم الرقم 13955 تاريخ 26/9/1963 سنداً لأحكام المادة 58 من الدستور اللبناني. وحيث ان هذه المناسبة التاريخية تشكل احدى المناسبات المفصلية في حياة المجتمع اللبناني وشعبه، والتي تستدعي منا الإطلالة مجدداً على واقع الضمان الاجتماعي اللبناني خاصة أنه يعاني منذ مدة طويلة من مشاكل ومخاطر عديدة، أفرزت في الواقع المعاش، جملة مظاهر سلبية، ليس من الصعب معاينتها في التردي الاداري، والهدر المالي، والشح في الموارد المالية والتدني في مستوى وفعالية التقديمات والتعثر في وصولها الى أصحابها والتوقف عن التوسع في ميدان التطبيق، إنْ في الفروع وأنواع التقديمات، وإنْ في ضمّ سائر الفئات الاجتماعية التي ما زالت خارج التغطية والشمول بأحكامه حتى اليوم. بهذا يجب ان نبدأ ونحن نعرض لأوضاع الضمان الاجتماعي اللبناني «فكرة ومؤسسة ومشمولين خاضعين وتقديمات وموارد مالية»، حيث لم تعد تجدي تلك الأدبيات التي تزخر بها كتابات وتصريحات الإعلاميين وسائر المسؤولين المعنيين، إنْ في الدولة وادارة الصندوق، وإنْ في قيادات الحركة النقابية بجناحيها العمال واصحاب الاعمال على مختلف قطاعاتهم الصناعية والتجارية والخدماتية والزراعية والمصرفية والحرفية، وإنْ في القطاعات ذات العلاقة مع الضمان الاجتماعي من مستشفيات وأطباء ومختبرات ومراكز تصوير وصيدليات وغيرها. لقد بات الضمان الاجتماعي اللبناني محاطاً ومحاصراً بضباب كثيف، مبعثه دعوات وطروحات عديدة ممنهجة، ليس من حدّ لتوقفها، الا عند الاطاحة به والقضاء على منجزاته، والعودة بالمجتمع اللبناني وعلاقات العمل والضمانات الاجتماعية الى عصر التفلت والانعتاق من كل قيد أو توجّه اجتماعي، الى ما قبل عصر دولة الرعاية الاجتماعية التي صاغتها أزمة الإنتاج العالمية (1929 1931) وكوارث الحرب العالمية الثانية (1939 1945). ومبعثه أيضاً، صرخات محقة يطلقها المضمونون «اصحاب المصلحة الحقيقية بالضمان الاجتماعي»، لمعاناتهم اليومية امام شبابيكه وعند ابواب المستشفيات والمختبرات والصيدليات ومراكز التصوير وفي عيادات الأطباء والتي سرعان ما يتلقف هذه المعاناة المعادون أصلاً لفكرة وفلسفة الضمان الاجتماعي، وذلك على اختلاف مواقعهم في الدولة وخارجها، فيعملون على تضخيم هذه المعاناة في حملاتهم الإعلامية الخادعة، التي تجد صدى عند المضونين اصحاب المعاناة، الذين هم على حالة الذين يُقدّم اليهم السمّ بالدسم فلا يفيقون من سكرتهم إلا وقد قضي الأمر بالقضاء على نظام الضمان الاجتماعي الذي هو الملاذ الاول والاخير لهؤلاء المضمونين بوجه مخاطر المرض والعجز والشيخوخة والوفاة. وفي كل ذلك، كنا ندرك ونعي، أن عدم التوجه او عدم الجدية للعمل على تصويب وإصلاح هذه الاوضاع في اوقاتها إنما كان يتحمل مسؤوليتها ويتوزعها اطراف عديدة منها: أجهزة الصندوق الثلاثة، الاجهزة والمراجع الرسمية في الدولة المعنية بالصندوق ولا سيما منها سلطة الوصاية (وزارة العمل) ووزارة المالية ووزارة الصحة والسلطة السياسية. واليوم، وفي هذه اللحظات المثقلة بالخطورة، والضمان الاجتماعي عرضة لكثير من التوقعات أقربها التهميش وأبعدها الخصخصة لمصلحة شركات التأمين الخاصة، فإننا ما زلنا عند ايماننا المطلق بأن الضمان الاجتماعي وهو الركن الاساس في اركان وحدة المجتمع اللبناني وهو العامل الاساس في استقراره وسلامه وانتظام علاقات الانتاج فيه ما زال بالإمكان إصلاح وتصويب أوضاعه كافة (مؤسسة ونظاماً وتقديمات وموارد مالية) وإبقائه عند حدود رسالته الاجتماعية من خلال طرحنا للعناوين العريضة التالية دون توسّع وتعليل منعاً للإطالة حيث لا مجال لذلك هنا. إصلاح وتصويب اوضاع مؤسسة الصندوق 1 في التركيب الهيكلي القانوني والنظامي تعديل التركيب الهيكلي القانوني والنظامي الحالي لمؤسسة الصندوق المنصوص عنها في المواد الست الاولى من قانون الضمان الاجتماعي، كما يأتي: مجلس الادارة، سلطة الوصاية، غرفة خاصة في ملاك ديوان المحاسبة امانة سر الصندوق، - وضع هيكلية نظامية جديدة، استكمال وإنجاز مركز مكننة الصندوق، إصلاح وتصويب أوضاع الفروع. أولاً: فرع / نظام تعويض نهاية الخدمة: لقد شكل هذا النظام الجديد مع بدء تنفيذه في 1 / 5 / 1965 نقلة نوعية ومتقدمة على نظام تعويض الصرف من الخدمة، بتخلصه من مجموعة النواقص والسلبيات التي كانت عالقة بهذا النظام القديم، وحمل معه مجموعة من الإيجابيات الهامة والمتقدمة، إلا أنه ومع ذلك فلم تكد تنقضي سنوات عدة حتى انكشف على مجموعة من الثغرات والعيوب القانونية والنظامية والتطبيقية نالت من أهمية هذا النظام وأفقدته دوره في كونه نظاماً وضع لمجابهة اخطار الشيخوخة والعجز والوفاة، مما بات يستدعي معالجة هذه العيوب والثغرات ليبقى هذا النظام «تعويض نهاية الخدمة» عند قدرته على مجابهة هذه المخاطر الثلاثة، ريثما يتم الانتقال الى النظام البديل «التقاعد والحماية الاجتماعية». ثانياً: فرع / نظام التعويضات العائلية: لقد حدد التعويض العائلي الشهري في هذا النظام منذ 1/5/1965 بـ ( 60 ل.ل عن اسرة الاجير/ المضمون المؤلفة من زوجة واحدة لا تعمل وعن خمسة اولاد فقط) وراح يتطور زيادة، حيث كان اهم ذلك بالمرسوم رقم 1348 تاريخ 13/6/1991 عندما صار هذا التعويض مساوياً لـ 75 % من الحد الادنى الرسمي للاجر الشهري (الزوجة 20% والولد 11% لغاية خمسة اولاد) وبقي الوضع على ذلك حتى تاريخ 24/3/2001 يوم صدر المرسوم رقم 5103 ففك الارتباط بين التعويض العائلي الشهري وبين الحد الادنى الرسمي للأجر الشهري مخالفاً نظرية الحقوق المكتسبة السائدة في التشريع وعاد بالتعويض العائلي الشهري الى المبلغ المقطوع (60000 ل.ل للزوجة التي لا تعمل و33000 ل. ل للولد لغاية خمسة اولاد) والغريب في الامر كما الغريب في التشريع ان الدولة عادت مؤخراً وبالمرسوم رقم 10110 تاريخ 22/3/2013 المتعلق بنظام التعويضات والمساعدات الخاصة بموظفي الدولة الى اعادة ربط مقدار التعويض العائلي بالحد الادنى الرسمي للأجر الشهري وبنسبة 75% منه. ونصت على ان هذا المرسوم يطبق على العاملين في الإدارات العامة ومعهم جميع المتعاقدين في الادارات العامة بدوام كامل كامل والجامعة اللبنانية والمتعاملين بدوام كامل مع وزارة الاعلام، فإذا علمنا ان هذه الفئات الثلاث الاخيرة تستفيد من التعويضات العائلية من نظام فرع التقديمات العائلية والتعليمية في الضمان الاجتماعي، فهذا يعني ان هذا الفرع وموازنته بات يطبق مرسومين مختلفين بهذا الخصوص على مضمونيه الخاضعين لأحكامه وهذا مخالف لأبسط قواعد وحدة التشريع ويتوجب تصحيح هذه الازدواجية وتوحيدها في هذا النظام. وفي اطار هذا الفرع يقتضي اتخاذ الخطوات التالية: 1 اما وقد تعدل بالقانون رقم 155 تاريخ 22/7/1992 اسم هذا الفرع/النظام من نظام التعويضات العائلية الى نظام التقديمات العائلية والمنح المدرسية فإنه بات من الضروري بعد هذه السنوات الطويلة اصدار المرسوم المنتظر والقاضي بدفع هذا النظام للمنح التعليمية للمضمونين عن اولادهم / التلاميذ ونقل هذا الموجب من يد صاحب العمل الى الضمان الاجتماعي تأميناً لوصولها الى اصحابها سنوياً في الوقت المناسب بعكس ما هو عليه الآن. 2 - وكذلك بات من الضروري التوسع في انواع التقديمات العائلية الى جانب التعويض العائلي الشهري (منح زواج، منح ولادة، منح وفاة، منح حضانة، مساعدات عينية للأطفال... الخ). 3 عودة هذا النظام الى دفع التعويض العائلي الشهري والمنح التي ستستجد مباشرة الى الاجراء/المضمونين المستحقين العاملين في المؤسسات التي لا يتجاوز عدد اجرائها الخمسين على الاكثر. ثالثاً: فرع/ نظام ضمان المرض والامومة: لقد وضع هذا النظام موضع التنفيذ اعتباراً من 1/11/1970 (لدفع الاشتراكات) ومن 1/2/1971 (لاستحقاق التقديمات) بالمرسوم رقم 14035 تاريخ 16/3/1970 المعدل بالمرسوم رقم 456 تاريخ 27/1/1971 فيما يتعلق بتقديم العناية الطبية العلاجية في حالتي المرض والامومة وفيما يتعلق بتعويض نفقات الدفن (وبقي معلقاً حتى اليوم نفاذ تقديمات تعويض المرض وتعويض الامومة وتقديمات عنايات طب الاسنان وتقديمات الطب الوقائي). والآن بات الامر يقتضي اتخاذ الخطوات التالية الآيلة الى اصلاح وتصويب هذا الفرع واعادته الى فعاليته: 1 الغاء المرسوم رقم 5101 تاريخ 24/3/2001 الذي قضى بتخفيض معدل الاشتراك في نظام ضمان المرض والامومة من 15% (12% على صاحب العمل و 3% على المضمون) الى 9% (7% على صاحب العمل و 2% على المضمون) والعودة فوراً الى احياء واعادة تطبيق معدل الـ 15% مع تأكيد ان هذا المعدل حدد بناء لدراسات احصائية واكتوارية تضمن التوازن المالي في حين ان معدل الـ 9% فرض بناء لقرار سياسي من الحكومة دون اية دراسات مالية واكتوارية وعدم مراعاة مبدأ التوازن المالي. 2 مبادرة الدولة فوراً (عبر وزارة المالية) الى دفع ما عليها من متوجبات مالية قانونية الى صندوق هذا الفرع. 3 تطبيق الضمان الصحي الشامل على جميع المواطنين اللبنانيين الذين ما زالوا خارج أي نظام تأميني عام آخر نافذ في لبنان بصرف النظر عن وظائفهم الاقتصادية واحوالهم الاجتماعية وإخضاعهم الى فرع ضمان المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد توزيعهم الى فئات اجتماعية واقتصادية وتحديد معدلات اشتراك تتوافق وقدرة كل فئة، بالإضافة الى فئة المعدمين والمساكين دون تحميلهم أي معدل اشتراك، على أن تتحمل الدولة عنهم عبء ذلك.. 4 اصدار المراسيم اللازمة للبدء بتنفيذ عنايات طب الاسنان والطب الوقائي وتعويضي المرض والامومة. وتعديل تعويض نفقات الدفن من 1.5% الى ثلاثة أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجر الشهري تبعاً لمؤشر غلاء المعيشة الحالي. واستئناف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي صلاحية استيراد الدواء واللوازم الطبية العلاجية وغيرها كما هو محدد في المادة 22 (ضمان). وانشاء مجلس اعلى للمؤسسات التأمينية العامة في لبنان كافة يتولى حصرياً المفاوضات وإجراء العقود مع سائر أطراف العلاقة من المؤسسات المختصة بتنفيذ المهام الصحية لمضموني هذه المؤسسات (مستشفيات، اطـــــباء، مختبرات، مراكــــز تصـــوير، صيدليات). والغاء الضمان الصحي الاختياري. رابعاً: وضع فرع/ نظام طوارئ العمل والامراض المهنية موضع التنفيذ فوراً وذلك بإصدار المرسوم الخاص بذلك. خامساً: ســـــن تشريع البطالة: في اطـــــار نظام الضمان الاجتماعي اللبناني للحد من هجرة الادمغــــة واليد العاملة اللبنانية وللحد من آثار البطالة. سادساً: آفاق الانتقال الى نظام التقاعد والحماية الاجتماعية وانهاء العمل بنظام تعويض نهاية الخدمة: في ضوء ما صار واضحاً وجلياً من ان تعويض نهاية الخدمة فقد ايجابياته وقوته الحمائية وقدرته على مواجهة مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة، اضافة الى ان صاحبه افتقد بخروجه من ميدان العمل تقديمات الحماية الاجتماعية من فرعي ضمان المرض والامومة والتقديمات العائلية والمنح التعليمية. وفي ضوء ما نصت عليه المادة 49 (ضمان) من ان نظام تعويض نهاية الخدمة ليس الا نظاماً مؤقتاً ومرحلياً وانتقالياً تمهيداً للانتقال الى النظام النهائي والمنشود «نظام التقاعد والحماية الاجتماعية». وبدراسة خصائص كل من المشاريع الاربعة، يتبين مدى خطورة المشروعين الثالث والرابع لاعتمادها قاعدة الرسملة ومخالفتها مبادئ النظرية العامة للتأمينات الاجتماعية والخروج على قاعدتي التكافل الاجتماعي والتوزيع في التمويل والتقديمات، اللتين اعتمدهما قانون الضمان الاجتماعي في كل انظمته وفروعه الاربعة وهذا ما يجب ان يكون عليه فرع/نظام التقاعد والحماية الاجتماعية المنشود التزاماً بوحدة التشريع في قانون الضمان الاجتماعي. ولذلك يقتضي: 1 رفض المشروع الأخير لنظام التقاعد والحماية الاجتماعية الذي يقوم على الرسملة والمحال على مجلس النواب بالمرسوم رقم 13760 تاريخ 15/12/2004 والذي درس في اللجان وأحيل الى الهيئة العامة ثم أعيد الى اللجان المشتركة ولا يزال راقداً فيها حتى الآن. 2 طرح مشروع وبديل يقوم على قاعدتي التكافل والتوزيع في التمويل والتقديمات ليكون متجانساً في ذلك مع بقية فروع قانون الضمان الاجتماعي اللبناني، ولا بأس من ان يكون مشروع ضمان الشيخوخة والعجز والوفاة (1978) معتمداً بعد تخليصه من بعض الثغرات والنواقص لا سيما أنه يتماثل في قواعده وفي طريقة احتساب المعاش التقاعدي وتقديماته الاجتماعية مع سائر أنظمة التقاعد في الادارة العامة اللبنانية النافذة في الاسلاك المدنية والعسكرية. ج اصلاح وتصويب اوضاع اخرى 1 الغاء اللجنة المالية المنصوص. 2 التوسع في مجالات استثمار اموال الصندوق في لبنان والخارج الى اكثر من تلك المجالات التي تنص عليها المادة 64 ضمان. 3 الاجازة قانونياً للصندوق بتوزيع سلة امواله بالتساوي في المجالات الثلاثة: نقد وطني، نقد أجنبي، معادن وعقارات. ولعل في سلوك هذا الطريق والأخذ بهذه التوجهات من شأنها ان تعزز مكانة الصندوق وتمتن وضعه المالي وتوازنه والتوسع في الفروع وفي تعزيز التقديمات وفي تخفيض معدلات الاشتراك إنْ على اصحاب الاعمال وإنْ على المضمونين وبالتالي على الدولة.
|