كارول كرباج السفير 8-11-2013
لم تفشل السياسات التنموية في المنطقة العربية، لأنها ببساطة لم تكن موجودة، وفق تقارير خبراء عماليين عُرضت في ندوة نظّمتها «منظمة العمل الدولية» عن التنمية البديلة في المنطقة العربية. يأتي الاستنتاج مخالفاً لغالبية التقارير الدولية، ولاسيما توقعات «البنك الدولي» في أيلول 2010 أن «جميع بلدان المنطقة، باستثناء جيبوتي والعراق واليمن، ستلبي معظم الأهداف التنموية (للألفية)». اندلعت الانتفاضات الشعبية تحديداً في البلدان العربية التي صنّفتها تلك التقارير على أنها أحرّزت تقدماً. كيف يمكن تفسير ذلك التناقض؟ يُشير تقرير «المشرق العربي: من النموّ الإقصائي إلى التنمية التضمينية» للباحثين ربيع فخري ونبيل عبده إلى أنه انحصر السؤال الأساسي في تقييم الأداء «التنموي» للبلدان العربية بـ«ماذا لدينا»؟ عوضاً عن «كيف حصلنا على ذلك»؟ فالمعايير التقليدية للتنمية، خصوصاً «أهداف الألفية»، ركّزت على مؤشرات تقنية (مثل نسب النمو، نســب التعليم والبطالة... الخ)، متجاهلةً العملية والمسار التنمويين.
الأرباح والأجور
«السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة كانت بالفعل معاكسة للتنمية»، يوضح عبده خلال ندوة بعنوان «قراءة في التنمية في البلاد العربية» في بيروت خلال اليومين الماضيين. جاءت نسب النمو الاقتصادي في غالبية البلدان العربية نتيجة تضخم النشاطات الريعية، وعلى حساب القطاعات الاقتصادية التي توفر فرص العمل اللائقة. فاعتُمد النمو الإقتصادي المدفوع بالأرباح، والذي يرتكز على تفكيك الدولة الرعائية وتحييدها عن عملية الإنتاج. هكذا، ارتفعت الأرباح بالتوازي مع تدهور الأجور واتساع الاستخدام غير النظامي. وتلفّت الورقة إلى أن «العمل غير النظامي» لم يأتِ نتيجة تطبيق السياسات المعتمدة فحسب، ولكن «لانظامية العمل كانت ضرورة لاستمرار الأنماط الاقتصادية الريعية». لقد أدى النمو المدفوع بالأرباح والريوع إلى حلقة مفرغة: تفكّك البنى الإنتاجية التي فاقمت العمالة غير النظامية. وعزّز تفاقم العمالة غير النظامية تخلّف البنى الإنتاجية ودعم العلاقات الزبائنية بين السلطة ورجال الأعمال.
الريادة بدل العمل
يعتبر الباحث منصور عميرة في تقرير بعنوان «التشغيل والعمل غير النظامي» أن العمل اللانظامي كان خياراً اعتُمد في السياسات وليس نتيجة فحسب، وهو استنتاج يلتقي مع التقرير السابق. يعلّل ذلك مستنداً إلى السياسات التقشفية المعتمدة، حيث بيّنت تقارير «صندوق النقد الدولي» في المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية أنّ: «الإصلاحات» الأكثر تداولاً حالياً هي خفض الدعم الحكومي عن السلع كالخبز والمحروقات، خفض نفقات مؤسسات القطاع العام، ولاسيما بالحد من نفقاتها على الأجور، وزيادة الضرائب على الاستهلاك. يُظهر التقرير كيف فاقمت السياسات المعتمدة اللامساواة والتوترات الاجتماعية وتنامي البطالة وتراجع نظامية العمل. و«اعتمدت تلك السياسات على النمو الاقتصادي هدفاً أساسياً، وأقصت العمال وأصحاب الأعمال عن صنع القرار، باستثناء أقلية من الرأسماليين القريبين من دوائر الحكم. فأضعفت القدرة الإنتاجية الصناعية للدول العربية»، وفق التقرير. يدحض عميرة ما يروّج من سياسات لمحاربة الفقر والبطالة، أو التخفيف من تداعياتها. تخلّت دول المنطقة عن مسؤولياتها في التشغيل، واكتفّت بتشجيع الريادة و«مواءمة البرامج التعليمية والسوق». واتى تشجيع التعليم من دون سياسة استخدام واضحة تستحدث فرص عمل نوعية، ما أدى إلى هجرة المتعلمين والبطالة والاستخدام الجزئي. والتركيز على «المبادرة الفردية» كوسيلة لاستحداث فرص العمل فاقم العمل غير النظامي. يضيف عميرة ساخراً: «إذا كنا سنعتمد التشغيل الذاتي مؤشراً للريادة، سيظهر لنا أن الفقراء في المنطقة العربية هم أكثر ريادةً من الأغنياء». أهمية تلك المداخلات أنها أعادت السياسة إلى قلب التنمية، وسعت إلى اقتراح ملامح لنموذج اقتصادي بديل. فاستعرض فخري بعض التجارب من آسيا وأميركا اللاتينية، من دون أن يعني ذلك استنساخاً للتجارب. وتقوم تلك التوجهات البديلة على ركيزتين: تطوير بنى الانتاج وتعزيز الدولة الرعائية، والأهم إعادة الاعتبار لدور الأفراد والجماعات وتوسيع امكانياتهم. بالنسبة إليه، «مسار التنمية ليس خياراً محصوراً بالنخب الاقتصادية والسياسية. حين يغيّر الناس الطريقة التي يستخدمون، ينتجون ويوزعون فيه الموارد، سيغيّرون علاقاتهم الاجتماعية والسياسية، أي علاقات القوة في ما بينهم». ولكن، كيف يمكن ارساء مسار تنموي بديل في ظل غياب الإرادة السياسية، قطاع خاص ريعي مرتبط بالنظم الحاكمة، علاقات اجتماعية تقليدية، ضعف القوى الاجتماعية، وغياب الاستقرار السياسي في المنطقة؟ ومن سيحمّل سياسياً البديل؟ يسأل فخري ويجيب بسؤال آخر: كيف يمكن البناء على الانتفاضات العربية من أجل تكريس توازن اجتماعي جديد؟
|