محطات لمؤشرات اقتصادية نمو قياسي للدين العام 10.3% في مواجهة الاستحقاق الرئاسي
عدنان الحاج السفير 16-12-2013
هناك ما يشبه الإجماع عند المواطنين العاديين ومسؤولي القطاعات الاقتصادية والمالية والعمالية، أن سيادة الفارغين الأمني والسياسي أدخل البلاد في دائرة الخطر المدعومة من التطورات الإقليمية، لاسيما السورية منها، والانقسامات الداخلية التي تغذي الفراغ الحكومي وضياع المرجعيات والمعالجات، ولو الجزئية، في حال استمرار هذا النمط غير المتنبه لمخاطر انتشار الفوضى والفساد على حساب تراجع الإنتاجية والمحاسبة. النقطة الأولى التي يستوجب التوقف عندها هي الاستحقاقات المالية للدولة خلال العام 2014 وسط النمو الكبير للدين العام نتيجة نمو العجز بفعل تراجع إيرادات الدولة، وتزايد نفقاتها من دون التوقف عند سؤال عن المخاطر وصعوبة تمويل الدولة في ظل الترديات. المشكلة تتعلق بالقطاع العام أولاً وأخيراً، وسبل تسديد المستحقات بالعملات الأجنبية للعام المقبل والبالغة حوالي 2.5 مليار دولار، وهي تحتاج إلى تشريع وقرار حكومي يجيز للدولة تسديد مستحقاتها واستبدال الديون الخارجية أو رفع سقف الاستدانة، لأنه لا يحق للمالية تجديد المستحقات الخارجية من دون قرار حكومي أو تشريع نيابي. المشكلة الأكبر أن هذه الاستحقاقات تصادف مع استحقاق الانتخاب الرئاسي كونها يجب أن تجدد أو تستبدل في شهر آذار ونيسان من العام المقبل.
الحل وسط الفراغ وتصنيف مخاطر
كيف الحل وسط هذا الفراغ في المؤسسات؟ وماذا عن تصنيف مخاطر لبنان؟ ان إجمالي المستحقات بسندات الليرة اللبنانية للعام 2014 تقدر بحوالي 10455 مليار ليرة (حوالي 7 مليارات دولار)، بعدما تخطى وزير المال محمد الصفدي بالتعاون مع مصرف لبنان معضلة تمويل احتياجات العام 2013 بإصدار سندات واستبدال شهادات إيداع لعشر سنوات و12 سنة بفوائد تصل إلى 8.74 في المئة. هذه الاستحقاقات بالليرة قد لا تشكل مشكلة كون المصارف تجدد اكتتاباتها. لكن المشكلة بديون العملات والمستحقات في غياب الموازنات التي تتيح الاستدانة للدولة لاستبدال الديون والمستحقات، وهو أمر تنصّ عليه الموازنات غير الموجودة أصلاً منذ سنوات (2006 حتى 2014). بمعنى آخر، انه إذا أضيفت المستحقات بالليرة إلى الاستحقاقات بالعملات، فإن إجمالي متوجبات الدولة للعام 2014 ستفوق 14.5 مليار دولار مع احتساب عجز موازنة العام 2014 البالغة حوالي 5600 مليار ليرة. هذا استحقاق كبير في سنة الاستحقاق الرئاسي، وفي غياب التوافق على الشكل ومضمون التوجهات المالية والاقتصادية. النقطة الثانية البالغة الخطورة تتعلق بنمو الدين العام الذي فاق حتى الآن 62.4 مليار دولار بنمو أكثر من 10.3 في المئة للمديونية العامة، مقابل انعدام النمو الاقتصادي وتراجعه إلى ما دون الواحد في المئة.
المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بين الواقع والمنتظر
جردة مؤشرات تعكس الوقائع الاقتصادية والاجتماعية وتراجع فرص العمل خلال العام 2013: 1- بلغ عجز ميزان المدفوعات التراكمي خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2013 ما مجموعه 1470 مليون دولار مقابل حوالي 2029 مليوناً للفترة ذاتها من العام 2012. تكفي الإشارة إلى أن عجز ميزان المدفوعات خلال تشرين الأول ارتفع حوالي 794 مليون دولار فقط، ما يؤشر الى أن الأموال بالعملات الأجنبية التي خرجت من لبنان أكثر من التي دخلت، على الرغم من استقرار عجز الميزان التجاري مقارنة مع العام 2012 عند حوالي 14.1 مليار دولار، وهو الرقم الذي كانت عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي، وهو كان عاماً سيئاً على صعيد المؤشرات عموماً. 2- أما حركة الرساميل الوافدة من تحويلات اللبنانيين العاملين والاستثمارات الضئيلة التي دخلت لبنان، بما فيها حركة ودائع القطاع المالي والمصرفي الذي حافظ على معدلات مقبولة في نمو الودائع والموجودات والأرباح، فقد بلغت ما مجموعه حوالي 12.6 مليار دولار مقابل حوالي 12.03 ملياراً للفترة ذاتها من العام 2012، أي بزيادة نسبتها حوالي 5 في المئة. مع الإشارة هنا إلى أن الرساميل الوافدة كانت في نهاية الفصل الثالث حوالي 12.06 مليار دولار ولم تزد سوى 400 مليون دولار خلال شهر تشرين. وكانت نسبة نمو الرساميل الوافدة حتى نهاية الفصل الثالث قد زادت حوالي 11.7 في المئة عن الفترة ذاتها من العام 2012 بما يوازي حوالي 1.26 مليار دولار. 3- بالنسبة إلى القطاع المالي والمصرفي في نهاية الشهر العاشر من السنة الحالية، فقد سجلت الموجودات نمواً قدره حوالي 8750 مليون دولار مقارنة مع 8799 مليون دولار للفترة ذاتها من العام 2012 أي بتراجع حوالي 0.6 في المئة عن الفترة ذاتها من السنة الماضية، وقد قاربت موجودات المصارف حتى نهاية تشرين حوالي 159.3 مليار دولار تقريباً، وهي نمت على معدل سنوي حوالي 5.8 في المئة مقارنة مع حوالي 6.3 في المئة خلال الفترة ذاتها من العام 2012. من جهة ثانية، فقد زادت الودائع المصرفية خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة حوالي 7.1 مليارات دولار مقابل حوالي 6.8 مليارات دولار للفترة ذاتها من السنة الماضية بزيادة نسبتها حوالي 3.2 في المئة. هذا مع العلم أن المصارف تجري عمليات تحويل من الخارج إلى الداخل مع نهاية السنة لترتيب ميزانياتها السنوية. 4- النقطة الأهم في موضوع التسليفات المصرفية التي تؤشر الى تراجع حركة الاستثمارات والمشاريع على الرغم من طرح مصرف لبنان حوافز للتسليف بقيمة 2200 مليار ليرة لتنشيط حركة النمو عن طريق القروض المصرفية المدعومة. فقد تراجع نمو التسليفات للقطاعات الاقتصادية من حوالي 3.4 مليارات دولار في العام 2012 إلى حوالي 3.04 مليارات في العام 2013 بتراجع نسبته 9.9 في المئة. هذا نتيجة عدم قدرة القطاعات على الإقبال على الاقتراض بفعل الوضعين الأمني والسياسي الداخلي من جهة، والتطورات الأمنية الاقليمية من جهة ثانية، وتراجع النشاط التجاري والاقتصاد أساساً. 5- الدليل الأبرز على تراجع المؤشرات يكمن في التراجع الكبير في الصادرات الصناعية الذي بلغ حوالي 7 في المئة مع نهاية تشرين الأول مقارنة مع السنة الماضية، وهذا عنصر أساسي في تراجع ميزان المدفوعات. فقد بلغت قيمة الصادرات الصناعية في عشرة أشهر من السنة حوالي 3.3 مليارات دولار مقابل حوالي 3.6 مليارات دولار للفترة ذاتها من العام 2012. ولم تنفع حركة التحسن في الصادرات الزراعية في تحسين الصورة، على الرغم من تسجيلها حركة نمو تفوق 34 في المئة لتبلغ حوالي 236 مليون دولار مقارنة مع حوالي 176 مليون دولار للعام 2012، وهذه نسبة جيدة للقطاع الزراعي، وتحسن الإقبال عليه من الأسواق المحيطة نتيجة أزمات الدول المجاورة بخلاف صعوبة الصادرات الصناعية وارتفاع كلفتها في ظل الأزمات والمخاطر الخارجية. 6- على صعيد الدين العام الإجمالي، فقد بلغ قبل نهاية العام 2013، حتى شهر تشرين الثاني، ما مجموعه حوالي 62.5 مليار دولار بزيادة حوالي 4.5 مليارات دولار مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2012، أي بنمو قدره حوالي 10.3 في المئة خلال سنة تقريباً. وهذه أعلى نسبة نمو للدين العام خلال السنوات العشر الأخيرة. وقد ترافقت ظاهرة نمو الدين العام المرتفعة التي دفعت وزارة المال إلى التأكيد على محاولة التقيد بسقف العجز بحدود 6000 مليار ليرة، وهو أمر صعب في ظل تزايد النفقات العامة التي ارتفعت حوالي 11.6 في المئة (بزيادة بما قيمته حوالي 1200 مليار ليرة عن الفترة ذاتها من السنة الماضية مقارنة مع تشرين من العام 2012) من جهة، وتراجع الإيرادات العامة بنسبة 2.2 في المئة خلال الفترة بما قيمته حوالي 242 مليار ليرة من جهة ثانية. ما رفع كلفة الدين العام بنسبة 1.3 في المئة تقريباً خلال عشرة أشهر. إشارة إلى أن الدين العام الخارجي (الدين بالعملات الأجنبية ارتفع حوالي 3.3 مليارات دولار، بينما ارتفع الدين الداخلي حوالي 6.7 في المئة بما يوازي 2.3 مليار دولار). 7- يبقى المرور على قطاع البناء الذي تراجع نشاطه من حيث رخص البناء خلال العام 2013 حوالي 8.4 في المئة، ما يؤشر الى بعض الجمود في القطاع، من دون تراجع الأسعار على الرغم من نشاط القروض السكنية بحوالي 5 آلاف قرض عبر المصارف منها المدعومة ومنها غير المدعوم، وقد ذهب القسم الأكبر منها الى القروض الصغيرة، خصوصاً من الحوافز التي وضعها مصرف لبنان لتسليفها بقيمة 2200 مليار ليرة بفوائد مدعومة. أما السياحة فقد تراجت حتى في فترة الأعياد حيث التراجع تخطى 8.5 في المئة حتى في الموسم. القطاع التجاري ليس أفضل حالاً من القطاعات الأخرى حيث الحديث عن تراجع يصل إلى 15 في المئة في العاصمة وضواحيها وإلى حافة إقفال المؤسسات في المحافظات من الجنوب إلى الشمال والبقاع والجبل. هذا الواقع يشير إلى إمكانية ارتفاع الديون التجارية والصناعية المشكوك بتحصيلها إلى أكثر من 4 مليارات دولار في نهاية العام الحالي وبداية العام 2014، وهو عام الاستحقاقات المختلفة من المالية إلى الرئاسية وسط الفراغ المخيف والرهيب على المؤسسات والبطالة والخدمات في حال استمرار التشرذم الداخلي والتبعات الخارجية على الفرقاء في لبنان. في المحصلة أن العام 2014 يبدأ بحمل وراثة أزمات وتبعات التوترات من العام 2013. انطلاقاً من وضع المالية العامة المتردي في العائدات والمتزايد في طلبات النفقات وتراجع الخدمات والقدرات الشرائية عند الطبقة العاملة مع ارتفاع منسوب معدلات البطالة نتيجة تقلص فرص العمل، ونمو فرص هجرة الشباب وهجرة الرساميل التي تعمل في ظروف تشغيلية صعبة في لبنان من دون بوادر حلول لمعالجة المستحقات والاستحقاقات على أنواعها.
|