لا شك بأن إخراج مشروع موازنة خلال النصف الأول من العام 2014، بعد انقضاء نصف النفقات العامة تقريباً، يعتبر خطوة جيدة بمثابة إشارة إلى الأسواق والمؤسسات الخارجية أن الدولة تحاول ضبط النفقات، وتحديد العجوزات المالية الكبيرة. مع تأكيد خطوة وقف سلفات الخزينة للإدارات خلال ما تبقى من العام 2014، وان كانت الموازنة لم تناقشها الحكومة بعد، ولن تقرّ في المجلس النيابي المنشغل بأكثر من استحقاق من الرئاسة و«سلسلة الرتب والرواتب» والانقسامات حول صلاحيات «فراغ الرئاسة». غير أن أرقام الموازنة عموماً، تحتاج إلى بعض الملاحظات حول حجم العجز المقدر والبالغ حوالي 7669 مليار ليرة بما نسبته 34.9 في المئة، وهو عجز قياسي مقارنة مع السنوات العشر الأخيرة، علماً أن موازنة العام 2013 سجلت عجزاً قارب 6150 مليار ليرة مع تشديد من صندوق النقد والمؤسسات الدولية على خطورة ارتفاع العجز الذي أدى إلى تخفيض تصنيف لبنان وارتفاع مخاطره.
التغذية وتشغيل الإنتاج
النقطة الثانية التي يفترض التوقف عندها تتعلق بموضوع تمويل عجز الكهرباء المقدر بحوالي 3056 مليار ليرة، وهو مبلغ كانت قد أشارت «مؤسسة كهرباء لبنان» إلى أنه سيؤدي إلى خفض التغذية في حال اعتماده إلى 14.5 ساعة في كل المناطق، بما فيها بيروت الكبرى. وهي كانت قد طلبت تخصيص حوالي 3500 مليار ليرة لتغطية العجز خلال العام 2014 كونها صرفت خلال الفصل الأول أكثر من 938 مليار ليرة، بما يعني أن حاجتها لأكثر من المخصص لها بموجب الموازنة العامة، وهذا سبب تحذيرها من اللجوء إلى التغذية بحدود الدعم وتشغيل الانتاج. ومما جاء في مضمون كتاب الكهرباء: «وبعدما استلمنا مشروع موازنة العام 2014 الموافق عليه من قبل وزارة المال مشروطةً بالتقيّد بتخفيضات، أهمها تخفيض مبلغ 560 مليار ليرة من مساهمة الدولة لتسديد عجز المحروقات والبالغ 3097 مليار ليرة، بحيث يصبح 2537 مليار ليرة. نظراً إلى أن تداعيات هذا التخفيض هي انخفاض كمية الطاقة المتوقع إنتاجها على الشبكة الكهربائية اللبنانية خلال النصف الثاني من العام 2014، وبالتالي انخفاض عدد ساعات التغذية بالتيار الكهربائي خلال النصف الثاني من العام 2014 في كل المناطق اللبنانية، بحيث يصبح كالتالي: «في حال مساهمة وزارة المال بمبلغ 3097 مليار ليرة وهو أكثر من 3056 مليار المخصص في الموازنة العامة حسب ما أعلنه وزير المال. وفق ما ينصّ عليه مشروع الموازنة، فإنّ المبلغ المتبقي للنصف الثاني من العام 2014 يقدّر بحوالي 1532 مليار ليرة، الأمر الذي يؤمّن معدّل تغذية بالتيار الكهربائي للأشهر الستة الأخيرة من هذا العام بحوالي 14.5 ساعة يوميا، بما فيها منطقة بيروت الإدارية. علماً أنّ عدد ساعات التغذية كان من الممكن أن يكون أفضل لولا النزوح السوري الكثيف الذي يستهلك كميّة لا بأس بها من الطاقة الكهربائيّة المنتجة على الشبكة اللبنانية».
العجز وتراجع التمويل
تبقى قضية مصادر تمويل العجز في ظل تراجع التمويل من قبل القطاع المصرفي الذي تراجعت حركة نمو ودائعه خلال الشهرين الأخيرين إلى أقل من 400 مليون دولار، بينما كانت الزيادة حوالي ملياري دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى. صعوبة التمويل ستزداد مع الفراغ الرئاسي والانقسام السياسي في ظل انخفاض تصنيف لبنان، وتراجع إقبال المصارف على سندات الخزينة والتوجه نحو شهادات الإيداع التي يصدرها مصرف لبنان. صحيح أن المصارف تملك سيولة متراكمة لكنها تحتاج إلى تكوين احتياطات وزيادة أموالها الخاصة تنفيذاً لبازل 3، ولتغطية المخاطر والديون المشكوك بتحصيلها. 1- الصادرات اللبنانية تراجعت خلال الثلث الأول من السنة الحالية حوالي 530 مليون دولار، بما نسبته حوالي 33.1 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2013، وهو كان عاماً ضعيفاً حتى لا نقول سيئاً على صعيد النتائج الاقتصادية والتجارية مقارنة مع السنوات السابقة. فقد بلغت قيمة الصادرات حوالي 1072 مليون دولار مقابل حوالي 1602 مليون دولار للفترة ذاتها من العام الماضي. اللافت في الأمر أن الصادرات الزراعية تراجعت 11 في المئة، فيما تراجعت الصادرات الصناعية حوالي 34.6 في المئة، وهي النسبة الأعلى منذ سنوات طويلة أبرز أسبابها الوضع في سوريا، وتراجع التسويق في المنطقة للسلع اللبنانية نتيجة الظروف العامة الداخلية والإقليمية. 2- الدين العام الإجمالي وصل في نهاية الثلث الأول إلى حوالي 64.8 مليار دولار بزيادة حوالي 5.7 مليارات دولار مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2013، أي بنمو سنوي قدره 9.6 في المئة، وهو نمو يعتبر بين المعدلات الأعلى. وفي حال احتساب عجز موازنة العام 2014 المقدر بحوالي 5.2 مليارات دولار (حوالي 7650 مليار ليرة حسب مشروع وزارة المال الأخير) فإن الدين العام سيتخطى حوالي 69 مليون دولار لما تبقى من العام 2014. مع الإشارة إلى أن الدولة تواجه تأمين مصادر التمويل سواء، بالنسبة لموضوع الموازنة وتغطية العجز أو بالنسبة لموضوع تمويل السلسلة في حال إقرارها من قبل المجلس النيابي.
حركة الاستثمارات الخارجية
3- بالنسبة لموضوع حركة الاستثمارات الخارجية، وعناصر النمو الأساسية، فإنها مضروبة انطلاقاً من حال عدم الاستقرار وغياب المشاريع الجديدة التي يمكن أن تخلق فرص العمل، حيث ارتفعت معدلات البطالة ارتفاعا كبيرا نتيجة عنصرين أساسيين: الأول حركة النزوح السوري التي زادت الأعباء الاقتصادية على قطاعات الخدمات، ثانياً الكلفة التي تعجز الدولة عن تحملها من موضوع الكهرباء الذي كلّف حوالي 480 مليار ليرة بواقع سنوي. 4- سجل ميزان المدفوعات خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2014 فائضاً قدره حوالي 256 مليون دولار، مقابل عجز للفترة ذاتها من السنة الماضية قدره حوالي 18 مليون دولار. مرد هذا الفائض إلى نمو حركة الرساميل والتحويلات الوافدة بنسبة 8.3 في المئة، حيث بلغت حوالي 6221 مليون دولار مقابل حوالي 5760 مليون دولار للفترة ذاتها من السنة الماضية. كذلك يعود الأمر إلى تراجع المستوردات إلى لبنان بحوالي 325 مليون دولار بما نسبته 4.4 في المئة، مع ارتفاع عجز الميزان التجاري حوالي 3.6 في المئة، بما قيمته حوالي 205 ملايين دولار. 5- على صعيد المالية العامة، فقد زادت النفقات حوالي 2.4 في المئة، وبلغت منها حوالي 3816 مليار ليرة خدمة الدين العام التي ارتفعت حوالي 4.3 في المئة دولار. فيما استقرت العائدات من دون تغيير يذكر عن السنة الماضية. 6- تراجع النشاط السياحي فاق خلال الثلث الأول الـ12 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، على الرغم من انتظار تحسن الحركة السياحية خلال هذه السنة استناداً إلى ترقبات بعض القطاعات التي ضربت نتيجة تزايد فرص استمرار الفراغ الرئاسي بفعل الانقسامات الداخلية، وتردي الظروف في سوريا ودول المنطقة على أكثر من صعيد. قطاع العقارات والبناء 7- بالنسبة إلى الموضوع الأكثر استقراراً فهو يتعلق بقطاع العقارات والبناء، حيث استمر النمو في المبيعات العقارية بنسبة مقبولة، وان كان التوجه نحو العقارات الأصغر مساحة والأقل سعراً في المناطق القريبة من العاصمة. فقد بلغت قيمة المبيعات العقارية خلال الثلث الأول من السنة حوالي 2.8 مليار دولار مقابل حوالي 2.3 مليار دولار للفترة ذاتها من العام 2013، أي بزيادة قدرها حوالي 23.3 في المئة. مع تحسن ملحوظ لرخص البناء التي زادت حوالي 11 في المئة، وتسليمات الأسمنت التي تحسنت بعض الشيء. 8- أما حركة المطار فقد واصلت تراجعها تبعاً لتراجع النشاط السياحي. كذلك تراجعت حركة السفن بنسبة حوالي 5 في المئة على الرغم من تحسن حركة البضائع بحوالي 6.1 في المئة لتصل إلى حوالي 2843 ألف طن تقريباً. 9- يبقى القطاع المصرفي والمالي، وهو الأهم من حيث ايجاد مصادر تمويل لعجز الموازنة والخزينة، وتمويل احتياجات القروض للقطاعات الاقتصادية عامة. فقد بلغت زيادة الودائع خلال الثلث الأول من العام الحالي ما يقارب 3 مليارات دولار مقارنة مع حوالي الملياري دولار للفترة ذاتها من العام 2013، غير أن هذا التحسن تقلص كثيرا خلال شهر أيار نتيجة تخوف الأسواق من الفراغ الرئاسي، وتقلص نتائج الاستثمارات المستمرة. بمعنى آخر ان الودائع زادت حوالي 2.5 في المئة، وهي نسبة مقبولة في حال تحسن الظروف، وليس العكس لتغطية التسليف المطلوب للدولة والقطاع الخاص. ويبدو أن التسليفات المدعومة الفوائد بدأت تظهر من خلال تحسن حركة التسليف بحوالي 400 مليون دولار لتصل إلى أكثر من مليار دولار خلال الثلث الأول. مع العلم أن مصرف لبنان خصص للقروض المدعومة مبلغ 1200 مليار ليرة للقطاعات السكنية والمؤسسات لتسليفها عبر المصارف بفائدة لا تزيد عن 6 في المئة في تنشيط النمو من خلال التسليف. في المحصلة، إن تحديات تمويل عجز الموازنة من جهة، وتغطية نفقات الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام التي تكفي لغاية شهر أيلول من السنة لعدم تغطيتها في الموازنات مع غلاء المعيشة للقطاع العام، ومن دون كلفة السلسلة التي تبحث منفردة. وزارة المال طلبت بموجب مشروع قانون تخصيص حوالي 1650 مليار ليرة لتغطية هذه الكلفة، لكنه يحتاج إلى إقرار وتنفيذ، وهذه معضلة أخرى. عدنان الحاج