مقالات صحفية مختارة > الحكومة تخضع (كعادتها) لأصحاب المصالح الخاصّة
كتب محمد وهبة في جريدة الاخبار بتاريخ 19-4-2012 فيما كان وزير الطاقة، جبران باسيل، يكرر فعلته بعدم توقيع جدول تركيب أسعار المحروقات، أمس، ليؤجّل ارتفاع سعر صفيحة البنزين إلى أكثر من 40 ألف ليرة يوماً أو يومين، كانت اتحادات النقل البرّي تؤجّل، أيضاً، إضرابها الذي كان مقرّراً تنفيذه اليوم، إلى الخميس المقبل. أما الأفران والمطاحن فقد ألغت إضرابها بعد اتفاق مع وزير الاقتصاد والتجارة، نقولا نحاس، على عودة دعم سعر الطحين. هكذا، يبدو أن الحكومة توزّع على أصحاب المصالح الدعم من الخزينة العامة، يميناً وشمالاً، بعيداً عن أي خطّة تخفّف أكلاف الإنتاج، مثل النقل المشترك من باصات وسكك حديد، وبعيداً عن أي إجراءات تسمح بالتدخل الفعلي لمنع الاحتكارات في مجالات المطاحن والأفران من تطويع الفقراء عبر التحكّم بخبزهم. بالنسبة إلى تجار الرغيف الذين كانوا يهددون بالإضراب غداً، فقد جاء قرار إلغاء إضرابهم بعدما منحهم وزير الاقتصاد نقولا نحّاس وعداً بدعم طن الطحين بقيمة 70 ألف ليرة، فتتسلمه الأفران من المطاحن بسعر 440 ألف ليرة بدلاً من 510 آلاف ليرة. وقد أعلن نحاس في مؤتمر صحافي، أمس، أنه رغم الاختلافات في وجهات النظر، فقد أفضت الدراسات التي أجريت إلى 3 طروحات: تحرير سعر ربطة الخبز، زيادة وزن الربطة وعدد الأرغفة مع تعديل سعرها، إعطاء الدعم. وقال إن الوزارة وممثلي الأفران توصلوا إلى اتفاق ينهي الإضراب، «لكن الاقتراحات الثلاثة ستبحث في مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال»، مؤيداً تحرير سعر الرغيف. أما السائقون العموميون، فقد أجّلوا إضرابهم لمدّة أسبوع بعد نقاش مفصّل، واتصالات سياسية جرت خلال اللقاء الذي عُقد أول من أمس في رئاسة الحكومة، بحضور الرئيس نجيب ميقاتي، وكذلك أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة دراسة خطّة النقل، بالإضافة إلى ممثلين عن اتحادات ونقابات النقل البرّي. فالنقابيون المشاركون في هذا اللقاء يشيرون إلى أن ميقاتي أبدى «إيجابية» في التعاطي مع مطالب قطاع النقل الخاص؛ استُهلّ النقاش بمطلب تثبيت سعر صفيحة البنزين، فعرض ميقاتي على الاتحادات إعطاء السائقين العموميين صفائح بنزين مدعومة، إلا أن رئيس الاتحاد اللبناني لنقابات سائقي السيارات العمومية ومصالح النقل، بسام طليس، ورئيس نقابة الفانات، عبد الله حماده، رفضا العرض، وطالبا بأن يكون تثبيت السعر لكل اللبنانيين. عندها وجّه ميقاتي سؤالاً إلى وزير المال محمد الصفدي، عن كلفة اقتراح التثبيت الشامل، فأوضح الصفدي أن الأولوية بالنسبة إلى الوزارة حالياً هي سلسلة الرتب والرواتب الجديدة وزيادة الأجور للقطاع العام، لكونها ستكون مكلفة على الخزينة العامة. وبالتالي، يجب البحث عن إيرادات تموّل كلفة التثبيت، فاستمهل الصفدي إعطاءه وقتاً لعرض كل الأرقام، والسيناريوات المحتملة. إلا أن التوقعات والتقديرات، التي يرويها متابعون، تؤكد أن النتائج ستأتي وفق اقتراح ميقاتي، ولا سيما أنه يقود، بعيداً عن كل تفاصيل هذا النقاش، مفاوضات «من تحت الطاولة» تهدف إلى إقناع السائقين بمنحهم صفائح بنزين مدعومة وحدهم فقط. في إطار اقتراح المعالجات والحلول، قدّم وزير الطاقة جبران باسيل اقتراحاً من نوع مختلف، فأعلن استعداد الوزارة لاستيراد البنزين مباشرة، ما يؤدي الى خفض الأسعار للمستهلك بنسبة تتراوح بين 3 و4%. إلا أن هذا الاقتراح، يتطلب من الدولة استثمار مبلغ يتجاوز 50 مليون دولار لتوسيع قدرة منشآت النفط التخزينية لمادة البنزين، سواء بواسطة بناء خزانات إضافية أو إجراء تعديلات على قسم من خزانات المازوت الحالية لتصبح قابلة لتخزين البنزين. كذلك، يجب زيادة اعتمادات منشآت النفط من أجل تمويل استيراد الوقود. لكن هذا الخيار ليس ناضجاً بعد، فالقدرة التخزينية الحالية تبلغ 40 مليون ليتر من البنزين، أي ما يكفي الاستهلاك المحلّي لمدّة أسبوع، وهو أمر خطير تجارياً في بلد يستهلك 5 ملايين ليتر يومياً كمعدل، فيما يصل الاستهلاك خلال شهري تموز وآب إلى 8 ملايين ليتر يومياً. لكن ما أثار دهشة المجتمعين، وفق رواية النقابيين، أن وزير الداخلية والبلديات مراون شربل، أعلن أمام الجميع عدم قدرة قوى الأمن الداخلي على مكافحة عمل السيارات المزوّرة وغير المرخّصة، مشيراً إلى أن العديد لا يكفي لكل هذه المهمات التي ستزيد الأعباء على الإدارة، لافتاً إلى أن المهمات المنفّذة سابقاً في هذا الإطار، أي مكافحة اللوحات العمومية المزوّرة والخصوصية، أثبتت عدم جدواها لأن المهمات غالباً ما تنتهي باثنين أو ثلاثة من آلاف تختفي عندما تعلم بوجود يوم أمني... وإزاء إصرار ممثلي الاتحادات، طلب منهم شربل تزويد مكتبه بلائحة للذين يعملون بصورة غير شرعية «لنأتي بهم من بيوتهم»، ما أثار ممثلي النقابات الذين استغربوا لماذا لا يعمد شربل إلى تفعيل عمل قوى الأمن بدلاً من «تحويلنا إلى مخبرين». بعد اتصالات سياسية، اتفقت الاتحادات مع رئيس الحكومة على أن تعقد اللجنة الوزارية المكلّفة بدراسة خطّة النقل اجتماعاً يوم الثلاثاء المقبل يكون بحضور وزير الأشغال العامة والنقل، غازي العريضي، (كان غائباً بسبب السفر)، على أن يحمل الوزراء المعنيون كل الأرقام النهائية عن كلفة الدعم والسيناريوات المطروحة، ثم تدرج مطالب النقل الخاص على جدول أعمال مجلس الوزراء لبتّها. اقتصاد العدد ١٦٨٧ الخميس ١٩ نيسان