مقالات صحفية مختارة > خطّة الحكومة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي (2)
خصخصة الخلوي وطرح جزء من الأسهم في بورصة بيروت أمام المستثمرين اللبنانيّين
أنجز الفريق التابع لرئاسة مجلس الوزراء ما سمّاه «خطة العمل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي». ونشرت «الأخبار» في عددها أمس ملخّصاً (غير رسمي) للقسم الأول من هذه «الخطة»، الذي يتضمن «المبادئ التوجيهية وأولويات السياسة الاقتصادية والاجتماعية»، وننشر اليوم ملخصاً عن القسم الثاني الذي يستعرض «مقوّمات الإصلاح» في مجالات المالية العامّة وتنمية القطاع الخاص وإعادة تأهيل البنية التحتية والتنمية البشرية والتنمية المناطقية والبلدية والإصلاح المؤسساتي والإداري سلّطت «الأخبار»، أمس، الضوء على ما اعتبرته الاتجاه الأخطر في «خطّة العمل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي»، التي يقترحها فريق رئاسة مجلس الوزراء، إذ عبّرت بلهجة جازمة عن نيّة الحكومة «منع أي تمويل لأي مشروع من عائدات الغاز قبل أن يتراجع الدين العام الى ما دون 60% من مجمل الناتج المحلي»، وتتمثل خطورة هذا الاتجاه بأن «النية» واضحة للاستئثار بالثروة الطبيعية التي يمتلكها لبنان في جوفه، بدلاً من توظيفها في خدمة التنمية المطلوبة؛ وهذا يجافي أي منطق... وتكمن الخطورة أيضاً في أن اللبنانيين جرّبوا مثل هذه الخيارات منذ أكثر من عقد من الزمن، إذ بحجّة انتفاخ الدين العام (وهو سرقة موصوفة) تم تسخير كل إيرادات الضرائب لخدمة هذا الدين، إذ بلغت الإيرادات العامّة بين عامي 1993 و2010 نحو 120 مليار دولار، في حين بلغ الإنفاق الجاري 105 مليارات دولار، ولم يتجاوز الإنفاق الاستثماري (الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل...) سقف 15 مليار دولار. وفي مقابل ذلك، بلغت خدمة الدين نحو 70 مليار دولار، أي ما يقارب قيمته الحالية! إن قراءة تحليلية مبسّطة لهذه المجاميع الكمية تكشف بوضوح عن السبب الذي يقف وراء عتمة الكهرباء وتردّي الاتصالات ونسيان حنفية المطبخ واستنزاف ميزانيات الأسر بأكلاف النقل والبنزين وغياب الحماية الاجتماعية، ولا سيما الصحّية في ظل عدم شمول نصف اللبنانيين بتغطية صحّية دائمة ومستقرة! ما تحاول «الخطّة» المطروحة أن تبشّر به اللبنانيين هو أن هذا النمط سيستمر وستسنده مجموعة من «الإصلاحات» التي تساعده على الصمود بدلاً من أن تدخل عليه تعديلات باتجاه جعله متناسباً مع حاجات المجتمع لا العكس. في القسم الثاني من ملخّص الخطّة التي سيناقشها مجلس الوزراء في الشهر المقبل، تتضح أكثر طبيعة هذه النوايا. إصلاح السياسة المالية تقول الخطّة إنه «على الرغم من أن توفير العائدات المالية للدولة هو أحد أهداف الجباية الضريبية... ستحرص الحكومة على أن توازن بين الخيارات الصعبة لتخفيض العجز العام من خلال زيادة الضرائب و/أو خفض النفقات أو زيادة الإنفاق العام في محاولة لتحفيز الاقتصاد. وستراعي في سياساتها المالية التأثير المتوقع للمعدلات الضريبية الجديدة على نمو الصادرات ومستوى الاستثمار والادخار، ولا سيما أن إعادة تأهيل البنى التحتية وتمويل البرامج المحدثة للحماية الاجتماعية تتطلب توفير مصادر مالية إضافية للحكومة، والإصلاح المالي ضروري أيضاً لوضع الديون على منحنى انحداري». هذا التوصيف لسلاح الدولة الأهم، أي الضرائب، يكفي للسؤال: أين تكمن العدالة؟ فالخطّة تقول بوضوح إن الهدف هو الجباية السهلة وبأعلى عائدات (وهذا ما كانت تفعله الحكومات حتى اليوم) وتخفيض العجز (وهذا يتم عبر زيادة عجز ميزانيات الأسر في حال كان النظام الضريبي يحابي الأغنياء والمستثمرين فقط) وتحفيز الاستثمار والادخار (وهنا بيت القصيد، إذ إن هذه العملية تفترض تدخلاً إرادياً من الدولة لتوجيه الاستثمار نحو النشاطات المولّدة لقيم مضافة عالية تساهم في رفع مستوى المعيشة العام، وهو ما لا تتطرّق إليه الخطّة لا من قريب ولا من بعيد). على الرغم من هذا الوضوح، تنتقد الخطّة «التعديلات السابقة على النظام الضريبي التي كانت تهدف بمعظمها إلى خفض العجز وتحقيق التوازن بين النفقات والعائدات. لذا ينبغي، الآن، أن تكون هذه التعديلات جزءاً من مشروع اجتماعي واقتصادي شامل، وأداة لتحقيق أهداف استراتيجيتها الاقتصادية. ولا بد أن يتقاسم فرقاء المجتمع كافة أي عبء قد ينتج من هذا التعديل على نحو منصف ليكون مقبولاً ومستداماً. وسيتم بذل كل جهد ممكن للحد من تأثيره المحتمل على الشرائح الفقيرة من المواطنين». كيف سيتحقق ذلك؟ تنأى الخطّة بنفسها عن الإجابة فتستعرض بشكل «محايد» دروساً في المفاضلات بين الضرائب المباشرة (على الدخل والفائدة على الودائع والمعاملات العقارية ومكاسب رأس المال) والضرائب غير المباشرة (الجمارك والضريبة على القيمة المضافة والضرائب الخاصة بفئات معينة من السلع والخدمات)، وتتعامل مع هذه المفاضلات انطلاقاً من قيمة الإيرادات التي يمكن أن تتحقق من جراء اختيار أي منها، من دون أن تعير أي اهتمام لآثارها على المستويات المختلفة ومدى تلاؤمها مع أهداف «العدالة» المتوخاة! أما بالنسبة إلى العائدات غير الضريبية فتكتفي الخطّة بالقول إن «للحكومة أن تعتمد خيار العائدات المستقبلية المتأتية من المؤسسات العامة (مثل قطاع الاتصالات)، أو خيار تحصيل عائدات مالية فورية جراء عمليات الخصخصة»، ولكنها ـــ أي الخطة ـــ تنحو بشكل سافر الى تبنّي خيار الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص، ليس بوصفهما أدوات سياسية بل بوصفهما أهدافاً (باعتبار أن ذلك يحصل في العالم!). وتتحدث الخطة بإيجاز عن مشروع الموازنة العامة لعام 2012، إذ «إن أي تغيير تتوخى الحكومة إدخاله على النظام الضريبي ينبغي أن يكون أكثر عدلاً وفعالية في ضمان العائد المناسب». وتتبنى تدابير لترشيد الإنفاق الحكومي، منها: (أ) الحد من تفاقم كتلة الأجور في القطاع العام من خلال زيادة الإنتاجية وتعزيز التشغيل الآلي والحكومة الإلكترونية. (ب) زيادة الاستثمارات في البنى التحتية من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص. (ج) اعتماد قانون المناقصات وعقد النفقات الذي يناقش حالياً في البرلمان. (د) تنفيذ مشاريع عدة، من شأنها أن تخفض النفقات العامة، وخصوصاً في قطاع الطاقة. تنمية القطاع الخاص عندما تصل الخطّة الى «تنمية القطاع الخاص» تصبح أكثر صفاءً، وتحدد المهمة الأساسية للحكومة بتعزيز وتحديث التشريعات والأنظمة التي تؤدي إلى تفعيل وتشجيع استقطاب الاستثمار من القطاع الخاص، باعتباره «المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل». وتقول الخطّة إن تسهيل التجارة وتعزيز المنافسة هما من المتطلبات الضرورية لتحقيق نمو مستدام طويل الأمد. كذلك هي الحال بالنسبة إلى تحفيز النمو وزيادة قدرة الحصول على التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة»، وتقصر مبادراتها تجاه القطاع الخاص بتحسين بيئة الأعمال ووضع مشروع قانون حول «نظام الرهونات الواقعة على الأموال المنقولة» وتطوير الإطار القانوني لأنشطة الأعمال. إعادة تأهيل البنية التحتية تزعم الخطّة أن العجز المالي العام أدّى إلى تقليص قدرة الحكومة على تمويل برامج البنية التحتية اللازمة، إذ إن الإيرادات الضريبية تكاد لا تكفي لتغطية خدمة الدين والرواتب ونفقات الأمن. أما الإيرادات غير الضريبية الأخرى (مثل الاتصالات) فتغطي الحد الأدنى من النفقات الرأسمالية والصيانة والتحويلات (كالدعم لمؤسسة كهرباء لبنان) والنفقات المخصصة للإعانات وجهود الإغاثة. وتزعم الخطّة أيضاً أن الخزينة لا تملك القدرة المالية الكافية لتمويل الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، الواجبة منذ فترة طويلة في قطاعات الطاقة (نحو 7 مليارات دولار)، والمياه والصرف الصحي (8 مليارات دولار)، والاتصالات (1 ــ 2 مليار دولار) والنقل. لذا تحسم الخيار بجذب رؤوس الأموال الخاصة الى الكهرباء والنفط والغاز والاتصالات... وتخصيص ما يتوافر من الموارد العامة للصيانة والمجالات الاجتماعية وغيرها «حيث مستوى العائد المالي على الاستثمار من شأنه أن يقلّص احتمالات تمويلها من القطاع الخاص». وتعتبر الخطة أن إصلاح قطاع الكهرباء هو إجراء جذري لا غنى عنه لتقديم خدمة مناسبة للشعب وخفض كلفة الأعمال للمنتجين المحليين واحتواء العجز، وبالتالي الدين... إلا أنها ترى أن تخفيف الخسائر (40% من الطاقة المنتجة) وتعزيز القدرات التنظيمية يساهمان في إشراك القطاع الخاص، وسيتمان من خلال مبادرة الكهرباء، المؤلفة من 12 محوراً، وهي تتماشى مع ورقة السياسة العامة لقطاع الكهرباء التي أقرها مجلس الوزراء في حزيران 2010. وتنتقد الخطّة «عدم وضع واعتماد خطط وسياسات متكاملة» في قطاع النقل. إلا أن هذا الانتقاد لا يغيّر من الموقف الداعي الى تبني خطّة النقل المطروحة في مجلس الوزراء، التي لا ترتقي الى مستوى الخطّة، كونها لا تؤسس لإنشاء نظام مواصلات متكامل وفعّال يساهم في وصل المناطق وتخفيض أكلاف النقل الباهظة. كذلك تتبنى الخطّة المطروحة (من دون أي تغيير أو تطوير) للمشاريع المعدّة منذ سنوات في قطاع المياه والصرف الصحي، فتراهن على «الإنجازات» المرتقبة في تنفيذ مشروع نهر الليطاني، والمرحلة الأولى من خطة تزويد بيروت الكبرى بالمياه... وهذا ينطبق على البيئة، إذ تركّز الخطّة على مخاطر إدارة النفايات مثلاً، إلّا أنّها لا تقارب الحلول والمشاريع المفترضة بل تكتفي بزف البشرى الى اللبنانيين بأن «الحكومة تعمل على إصلاح هذا القطاع»! الاتصالات: عود على بدء في مجال الاتصالات، تكشّر «الخطّة» عن أنياب الطامعين بالاستحواذ على هذا القطاع (يدرّ أكثر من ملياري دولار سنوياً)، وتهدد بالانقلاب على التغييرات البنيوية التي بدأت في هذا القطاع في عهد الوزير شربل نحّاس، فتهوّل بتراجع موقع لبنان من دون تحديد أسباب ذلك المتمثل بتمنّع الحكومات عن الاستثمار في القطاع لتبرير بيعه الى بعض المنتفعين، وتعلن الخطة أن الحكومة ستعتمد على القطاع الخاص لجذب الاستثمارات المطلوبة والحد من الاعتماد على موازنة الحكومة (علماً بأن الاتصالات هي المورد الثاني للخزينة بعد الضريبة على القيمة المضافة!)، وتتبنى الخطة مطلب إعادة النظر في مستوى الضرائب المفروضة على خدمات الاتصالات وإتاحة الفرص لتقديم أحدث المنشآت وتزويد المستهلكين بخدمات الاتصالات المتطورة والبنى التحتية اللازمة في قطاع الاتصالات... إلا أنها تصر على تطبيق القانون 431 لنقل الملكية من الدولة الى الشركات الخاصة، وتقول الخطّة «يجب خصخصة شركتي الخلوي وطرح جزء من الأسهم العائدة لكل منهما في بورصة بيروت أمام المستثمرين اللبنانيين». التنمية البشرية تقوم الحكومة، بحسب ما تقول الخطّة، بإعادة النظر وتحديث جوانب رئيسية للسياسات الاجتماعية في لبنان، ولا سيما في ما يتعلق بنظام التقاعد والتأمين الصحي. وتسعى إلى إنجاز الإصلاحات العائدة لتعويض نهاية الخدمة للعاملين في القطاع الخاص، بحيث يصار إلى استبدال النظام الحالي الذي يستند إلى دفع مبلغ مقطوع عند نهاية الخدمة بنظام بديل يعتمد آليات المعاشات التقاعدية مدى الحياة. فيما يجب، في الوقت نفسه، العمل على إدخال تعديلات مقياسية إلى نظام المعاشات التقاعدية في القطاع العام لضمان استدامته. كما يهدف الإصلاح أيضاً إلى تأمين تغطية صحية أساسية لجميع المواطنين اللبنانيين، ويفضل أن تكون التغطية الصحية شاملة، غير أن ذلك قد يتطلب جدولة على مراحل خلال فترة من الزمن. وتتعهد الخطّة (من دون توضيح) بتحسين نوعية التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية، مع الحرص على «تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والسلطات المحلية والمجتمع المدني». التنمية المناطقية والبلدية تقول الخطة إن نصف سكان لبنان يعيشون اليوم في بيروت وجبل لبنان، وتستحوذ هذه المنطقة على معظم النشاط الاقتصادي في البلاد. وتقرّ الخطّة بأن «المناطق الريفية/ الإقليمية لم تجد حتى الآن وسائل تسمح لها بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة. لذا، تنوي الحكومة العمل على تنفيذ خطة عمل استراتيجية التنمية الإقليمية التي أعدتها رئاسة مجلس الوزراء في عام 2009 (أي خطّة الرئيس فؤاد السنيورة) وسيتم تعميم وسائل التنفيذ للحفاظ على البنية الاجتماعية للقرى اللبنانية... وفي هذا الإطار، تعتبر المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس بداية جيدة، على أن يتم تطوير واحات اقتصادية أخرى في مناطق أخرى من لبنان. كذلك هناك ضرورة لتناول مشكلة الإسكان والسياسة السكنية انطلاقاً من الإحصاءات التي تدل على أن لبنان بحاجة إلى حوالى 24 ألف وحدة سكنية سنوياً. كذلك الأمر بالنسبة إلى موضوع مساهمة الدولة مباشرة بتقديم تسهيلات لإقامة مجمعات سكنية في ضواحي بيروت، وهذا لب المشكلة السكنية حيث ترتفع الأسعار العقارية. فهناك مشاعات للدولة في المناطق يمكن استخدامها. كما هناك مساهمات في تسهيلات للمطورين العقاريين للقيام بحل هذه المشكلة. الإصلاح المؤسساتي والإداري تلتزم الخطة بتعزيز ورفع مستوى الجهاز البشري في الإدارات العامة والمؤسسات العامة وفي المؤسسات التنظيمية والرقابية الضعيفة والمهمشة. وقد أعدّت «استراتيجية للإصلاح والتنمية في الإدارة العامة». وسوف يطلق مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، في غضون سنتين، البوابة الحكومية. وهي نهج من أعلى إلى أسفل للحكومة الإلكترونية... على أن تكون مجموعة من الوزارات جاهزة في غضون 6 أشهر، لتقديم الخدمات الإلكترونية للمواطنين مباشرة، وستشمل هذه الخدمات: ـــ دفع رسوم الجمارك والضرائب مباشرة على شبكة الإنترنت. ـــ السجل التجاري سيكون جاهزاً إلكترونياً خلال 3 أشهر، على أن يجهز السجلّ العقاري خلال 6 أشهر. إلى ذلك، يتعين على الحكومة صرف 7 ملايين دولار تقريباً لأتمتة بطاقة الهوية الوطنية، والسجلات الشخصية والمصادقة من الأشخاص... وأخيراً، فإنّ الأتمتة الكاملة لرئاسة مجلس الوزراء ستسمح لواضعي السياسات بالوصول إلى ثروة من البيانات لدعم عملية صنع القرار. (الأخبار) اقتصاد العدد ١٦٨٨ الجمعة ٢٠ نيسان