مقالات صحفية مختارة > ما يمنع المرأة من القيادة العمّالية: التفرغ النقابي أم اللامبالاة؟
الإحصاءات تلحظ أن نسبة العاملات اللبنانيات تلامس 30%
كتب كامل صالح في جريدة السفير بتاريخ 1-5-2012 لا تزال مشاركة المرأة العاملة في هيئات الاتحادات والنقابات والروابط ضعيفة، وخصوصا في المراكز القيادية، وذلك على الرغم من اتساع حجم مشاركتها في سوق العمل، ومساهمتها في مجالات التنمية المختلفة. قانونيا، لا يميز «قانون النقابات» بين الرجل والمرأة لجهة إتاحة الفرصة للانضمام إلى هذه النقابات، عضوياً أو قيادياً. ويلحظ أن هناك ارتفاعا نسبيا بمشاركة المرأة في العمل النقابي في الأعوام الأخيرة، وبعضهن تسلمن مناصب قيادية في أكثر من نقابة. لكن لا يزال حجم هذه المشاركة من دون المأمول والمطلوب، ولعل هنا يمكن مقاربة الأسباب الحائلة أو المانعة لوجود فاعلية أكبر للمرأة في الحركة العمالية عموما، لأمور كثيرة، منها السؤال: هل ان النقابات عامة لا تشجع النساء للانضمام إليها، أو اعتبار أن معظم العاملات غير معنيات بالعمل النقابي؟ تفيد مصادر نسائية مواكبة ومعنية بالحراك العمّالي في لبنان «السفير» أن «تمثيل المرأة في قيادات الهيئات النقابية ضعيف جدا»، وتضرب مثالا على ذلك بأنه «على الرغم من تخطي نسبة وجود المرأة في المصالح المستقلة والمصارف الخمسين في المئة إلا أن تمثيلها يكاد لا يذكر في قيادة هذه النقابات». وإذ تسأل: «هل هناك نية مسبقة لعدم تمكين المرأة من الانخراط في القرار النقابي، أو أن النساء أنفسهن لا يردن ذلك؟»، تستغرب «الغياب شبه التام للمرأة في النقابات الزراعية فضلا عن المؤسسات العامة والخاصة على السواء، برغم الدور البارز والصارخ لحجم تواجدها في القواعد العمالية». عدم الثقة... وانتماءات حزبية وتلحظ أن «عدم الثقة بالقيادات العمّالية الحالية لا يقتصر على الرجال العاملين فحسب، بل ينسحب على المرأة العاملة أيضا، ما عزز سلبيا «من اتساع حجم اللامبالاة عند العاملات عموما في الانخراط الفاعل بالهيئات النقابية، وإن وجدت عاملات مشاركات فيها فذلك لانتمائهن لحزب معين وليس لسبب آخر». ويتسع التشكيك في سعي الهيئات النقابية من تمكين المرأة وتقدمها في الحراك العمّالي، ليشمل جهات معنية أخرى، منها رئيسة «لجنة الأسرة في نقابة المحامين» والناشطة في «رابطة المرأة العاملة» المحامية اقبال دوغان، إذ ترى أن «حجم مشاركة المرأة في الهيئات العامة والتنفيذية والاتحادات النقابية ضعيف أساسا، برغم تحسن نسبة تواجدها في سوق العمل، منتقدة «ما يحصل منذ سنوات من غرق الحركة النقابية في لعبة السياسة، وصراعات الأحزاب، وخصوصا الطائفية منها». وبعدما تشير إلى أن «عوامل دعم المرأة وتوعيتها وتمكينها في العمل النقابي شبه غائب»، تلفت الانتباه إلى أن «توصيات المنظمات الدولية المعنية في هذا الشأن تجمع على وجوب ألا تقل نسبة مشاركة المرأة عن 30 في المئة، لكن على أرض الواقع، يلحظ أن هذه المشاركة لا تتعدى 5 في المئة، خصوصا في الهيئات التنفيذية». وعودة إلى تاريخ الحركة العمّالية، تذكر دوغان مساهمات المرأة المضيئة في هذا الحراك، منها وردة بطرس في العام 1956، أول شهيدة بين مواجهات العمّال والدولة، وكانت تعمل في «إدارة حصر التبغ والتنباك» (الريجي)، فضلا عن دخول العديد من النساء إلى السجن بسبب نشاطهن العمّالي. خطوات مهمة بالاعتماد على الكفاءة وأمام هذا المشهد المضيء تاريخيا، لا تنكر دوغان من اتساع دور المرأة حاليا، خصوصا في «المهن الحرة»، إذ خطت خطوات مهمة في هذا الإطار بالاعتماد على كفاءتها، ويمكن ملاحظة أن انتساب المرأة إلى «نقابة المحامين» ارتفع إلى حوالي 30 في المئة، و«نقابة المهندسين» حوالي 20 في المئة، وفي «نقابة الصيادلة» أكثر من 55 في المئة ومنها تسلم المرأة قيادة النقابة لأكثر من دورة، والأمر نفسه في نقابتي «أطباء الأسنان» و«خبراء المحاسبة». يضاف إلى ذلك أن في القضاء ارتفعت النسبة إلى حوالي 40 في المئة، وفي المصارف أكثر من 50 في المئة. وعلى الرغم من تضارب الإحصاءات حول نسبة النساء العاملات من مجموع القوى العاملة في لبنان، إلا أن تقاطع الأرقام المتوفرة منها محليا ودوليا، يلحظ أن هذه النسبة لا تتعدى 30 في المئة، من المجموع العام والمقدر بحوالي مليون و200 ألف شخص. لكن هذه الاحصاءات، وفق دوغان، «لا تلحظ الأعداد الهامشية، ومنها نسبة المرأة المزارعة والعاملة في الصناعات الزراعية والغذائية والتطريز والحياكة وخدمة البيوت وغيرها من المهن غير الملحوظة للمرأة، وتراوح نسبتها بين 15 و20 في المئة». وإذا كان لا بد من تعديل الميزان، ليعكس حجم دور المرأة في القيادات النقابية بما تمثله في القاعدة العمّالية، تطالب دوغان بقانون للتفرغ النقابي، موضحة أنه «أمام الأعباء الملقاة على المرأة العاملة، ولاسيما أن انخراطها الفاعل في سوق العمل لم يخفف من حجم مشاركتها التقليدي في البيت، دفعها في أغلب الأحيان، لعدم الإقدام على العمل النقابي، من هنا، فان التفرغ للعمل النقابي يساهم إلى حد كبير في التقليل من حجم هذه الأعباء، ولا تبقى المرأة محاصرة بين دائرتي العمل قبل الظهر، والبيت بعد الظهر». «احصاءات غب الطلب» لا تبتعد مقاربة «الاتحاد العمّالي العام» لواقع المرأة العاملة عمّا أشارت إليه دوغان، فبعدما ينتقد رئيس الاتحاد غسان غصن تضارب «الاحصاءات» التي لا تكشف فعليا عن حجم مشاركة المرأة في سوق العمل، يقول لـ«السفير»: إن «المؤسسات الإحصائية في البلد تنجز دراسات غب الطلب، لتحاكي أهواء الجهات التي تموّلها وتدعمها، لذا باتت الأرقام وجهة نظر، ومن الطبيعي، في ظل هذه السياسات الضيقة عند البعض، ألا تتلاءم الأرقام مع الواقع». ويؤكد أنه «أسوة بالدول الأخرى، فإن تقلص مشاركة المرأة اللبنانية في النشاط النقابي، يعود لأسباب عديدة، أبرزها عامل الوقت، فانشغالاتها الكثيرة بين ما هو عام وخاص، ولا سيما اهتماماتها بشؤون عملها ومنزلها، يحملها مسؤولية مضاعفة تشغلها عن الأمور الأخرى، في المقابل إن هذا العبء يتقلص عند الرجل، مما يمنحه إمكانية أكبر لأن يعطي حيزا للعمل في الشأن العام». أما عن حجم المشاركة الإجمالية للمرأة في القطاع النقابي، فيشير إلى أنه «على الرغم من عدم وجود نقابات تعزز المساواة بين الجنسين، فان عمل المرأة منوع، ومثال على ذلك ان نسبتها في الإدارة العامة والتعليم يبلغ حوالي 50 في المئة. كذلك يبدو لافتا للانتباه، أن دور المرأة في التوظيف الخاص أقل من التوظيف العام، ويختلف بحسب القطاعات، لذلك تبقى النسب متفاوتة». ويعيد غصن سبب «فوضى الاحصاءات» وتضاربها وعدم وجود أرقام دقيقة، «لتكتم معظم أصحاب العمل الإعلان عن عدد موظفيهم الفعلي»، موضحا في الوقت نفسه، أن «عدد العاملين وفق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو حوالي 450 ألف شخص، يوازيهم العدد نفسه، وربما أكثر، من المكتومين وغير المسجلين في الصندوق». وإذ يشير إلى أن «نسبة النساء في المجالس التنفيذية والقطاعات تبلغ حوالي 30 في المئة»، يؤكد أن «الاتحاد يعمل على تمكين المرأة تولي مسؤوليات قيادية في الحركة النقابية ورفع نسبة مشاركتها في النقابات، ومنها إطلاقه أربعة برامج أخيرا في هذا الخصوص». ويخلص للقول: «في العموم، لا يوجد هناك ما يمنع من مشاركة فاعلة للمرأة في القيادة النقابية، أما ضعف حجم مشاركتها فناتج عن عدم رغبتها في ذلك لاعتبارات خاصة فيها».