مقالات صحفية مختارة > ربيع لبنان في صحوته الاقتصاديّة والحل يبدأ بالنفقات الاستثمارية في الموازنة
7 أسئلة | نعمت شفيق
كتب هيثم الموسوي في جريدة الاخبار بتاريخ 10-5-2012 ينفض صندوق النقد الدولي غبار أخطاء الماضي في مسعاه ليكون شريكاً في المستقبل. لم تعد الخصخصة وصفته المطلقة للبنان بل «التفكير الجديد» للقضاء على عدم المساواة وخلق الوظائف. إنها مراجعة ذاتية بطريقة براغماتية، تُقدّمها نائبة مديرة الصندوق، نعمت شفيق، في هذه المقابلة حسن شقراني 1- تمرّ المنطقة بتغييرات عاصفة تستدعي سياسات اقتصادية ثورية ربما. وقد غير صندوق النقد وجهات نظره أخيراً في ما يتعلّق بأولويات النموّ والآن التركيز هو حول خلق الوظائف والنموّ الدامج. ما هي النقاط الأساسية على أجندة الصدوق في المنطقة حالياً؟ النقطة الأساسية هي أننا نحتاج إلى ربيع اقتصادي يتماشى مع الربيع السياسي واستراتيجيات جديدة للاقتصادات في المنطقة. فما حدث في عام 2011 كان تحوّلات تاريخية في بلدان كثيرة في المنطقة، غير أنّ الاقتصاد في تلك المرحلة كان متجهاً في الاتجاه الخاطئ: تراجع النموّ كثيراً ومعدّلات البطالة الآن هي أسوأ مما كانت عليه، والمساحات المالية المتاحة للحكومات تقلصت كثيراً. إنّ هذه النقطة الزمنية تفرض اعتماد مقاربة جديدة للاقتصاد في المنطقة، إذ هناك خطر من أن ضعف التحول الاقتصادي سيكبح التحول السياسي. 2- هل يعتقد صندوق النقد أن عرقلة الإصلاحات الاقتصادية في لبنان هي ذات طبيعة سياسية؟ ما يحدث في لبنان ليس مشكلة لبنانية بحتة. أنظر ما يحدث في الولايات المتّحدة في مسألة خفض الدين العام والخلاف السياسي القائم. إنها قرارات سياسية صعبة. فلدى اتخاذ القرار عليك تحديد كم ستبلغ الكلفة وعلى أي مدى. هذه قرارات صعبة جداً وهي جزء من العملية السياسية التي تفرض أن يكون هناك تفاوض ونقاش حول كيفية إتمام الأمور. من الجميل جداً أن يكون لدينا عصا سحرية لإحداث الإصلاح، ولكن حينها لن تكون المساءل ذات طبيعة بشرية لخلوّها من المجادلة! 3- من أين يجب البدء لإحداث الإصلاحات الاقتصادية في لبنان وهل هناك أمل لذلك؟ بالطبع هناك أمل بالحل، وهذا الحل يبدأ بالموازنة. أنا أعرف أن إقرار الموازنة في لبنان هو عملية معقدة جداً ــ وهذا ما نعرفه من التجربة ــ فضلاً عن الخلاف حول الحسابات المالية. ولكن أعتقد أن السيطرة على العجز وإيجاد مساحات مالية للإنفاق على تطوير البنى التحتية، أكان ذلك على نحو مباشر أم عبر الشراكة مع القطاع الخاص، تشكّل مدخلاً مهماً للإصلاح. في الموازنة الحالية ليست هناك مساحة مالية متوفرة للإنفاق الاستثماري ولكن يجب أن يكون هناك تفكير جديد بالطرق الجديد: إن عبر زيادة الإيرادات أو خفض النفقات لتأمين مساحة الإنفاق الاستثماري في البنى التحتية. 4- لبنان لم يعش ربيعه السياسي فهل يعيش ربيعه الاقتصادي فقط؛ هل ذلك ممكن؟ أنتم تعيشون دوماً في الربيع (تضحك). جدياً، إن لبنان مختلف جداً عن بلدان المنطقة التي شهدت تحوّلات؛ فهنا لم نشهد حكماً ديكتاتورياً، لذا فإنّ المقارنة السياسية غير قائمة. أعتقد أن هناك حاجة لنهضة/ صحوة اقتصادية (Economic Renaissance) في لبنان وسعياً لإيجاد طرق جديدة لخلق الوظائف ومعالجة القضايا العالقة منذ وقت طويل، مثل البنى التحتية وتحسين بيئة الأعمال. فعلى سبيل المثال أنا زرت لبنان منذ أكثر من عقد وكنا نتحدث في ذلك الحين عن ضرورة الاستثمار في البنى التحتية! هذه مسائل طويلة الأجل وتحتاج إلى وقت، لكن إذا عولجت فإن نتيجتها هي ثمار اقتصادية كثيرة في خلق الوظائف وخفض الفقر ومعدّلات عدم المساواة المرتفعة التي نراها في لبنان. 5- في هذا السياق، أنتم تتحدثون عن مقاربة جديدة للمساعدة التقنية للبلدان التي تتواجدون فيها. ولكن لا يبدو أننا نلاحظ نتائج إيجابيّة هنا في لبنان رغم استمرار عملكم هنا لوقت طويل؟ أنا لا أوافق على ذلك، فبناء القدرات التقنية التي نقدّمها تظهر في كيفية عمل الأشخاص والمؤسسات. ولنأخذ على سبيل المثال المصرف المركزي، فقد راكم قدرات كبيرة بجهود داخلية وبدعم من صندوق النقد الدولي في مجالات عديدة (عبر مركز المساعدة التقني للشرق الأوسط: METAC). وإذا سألت الحاكم فسيقول لك إن زيادة الفاعلية في المصرف المركزي هي نتيجة لتلك المساعدة التقنية التي نقدّمها. وبالفعل تمكّن المصرف من حفظ الاستقرار المالي والنقدي طوال الأزمة المالية التي أطاحت مصارف حول العالم. ويُلحظ هذا الأمر أكثر في بلدان أخرى في المنطقة وتحديداً على صعيد التحصيل الضريبي الذي زادت فاعليته نتيجة مساعدتنا التقنية حول إدارة النظام الضريبي عل نحو أكثر فاعلية. وبصراحة فإنّ غياب النظام الضريبي العادل حيث يتكلف الأغنياء أكثر، ما يُمكّن آلية الحكومة من العمل على نحو أكثر فاعلية هو مشكلة كبيرة. 6- هل يُمكننا وصف هذه المرحلة بأنها مرحلة تحوّل صندوق النقد الدولي من النيوليبرالية إلى الاشتراكية؟ هذا التوصيف فيه الكثير من المبالغة. أعتقد أن التوصيف الصحيح للمرحلة بالنسبة للصندوق هو الانتقال من النيوليبرالية صوب البراغماتية. نحن مستعدون للعمل على نحو براغماتي مع ما تفضله الحكومات. وأعتقد أننا أضحينا أكثر انفتاحاً في ما نقبله. فلنأخذ على سبيل المثال قضية السيطرة على حركة الرساميل، ففي السابق كان صندوق النقد يناصر ويضغط باتجاه فتح الأسواق المالية لحركة الرساميل أما الآن فنتخذ مواقف أكثر تفاعلية مع وضع كل بلد وكل حالة. ففي بعض اللحظات قد تفرض صدمات اقتصادية معينة وضع شروط على حركة الرساميل. وأعتقد أنّ مواقفنا أضحت أكثر مرونة لأننا رأينا ما حدث (الأزمات المالية والاقتصادية). 7- لماذا نثق بصندوق النقد الدولي الآن بعدما كانت دعواته في السابق تبارك النموذج الكمي في النموّ؟ أعتقد أن صندوق النقد هو مثل جميع المنظمات، نحن نعترف بأنّ مقاربتنا كانت تعتريها نواقص كثيرة وتعلّمنا من التجربة. وهذا الأمر لا ينطبق على الشرق الأوسط فقط بل على الأسواق المالية العالمية – ما حصل في الأزمة المالية في عام 2008، حيث كان هناك نقص في تقويمنا للمخاطر المالية عبر الاقتصاد العالمي. نحن لسنا كاملين ولا نصيب الحقيقة دوماً، ولكن تعلمنا الكثير حول السياسات غير الفعالة، وطوّرنا أدوات جديدة للتعامل مع ذلك. فالآن، وفي تقويمنا السنوي مع البلدان التي نعمل معها في إطار المادّة الرابعة، نضمّن تحليلنا قضية الوظائف وتطوّرها وماذا يحدث على الصعيد الاجتماعي ومؤشرات الفقر. كذلك تنبّهنا إلى أنّ بعض البلدان تحتاج أحياناً إلى تسهيلات مالية سريعة من دون شروط. وعلى سبيل المثال منحنا أخيراً قرضاً إلى اليمن بقيمة 94 مليون دولار (تسهيل ائتماني سريع) لكي تتمكّن الحكومة من تمويل احتياجاتها بسرعة. وطورنا أدوات احترازية للبلدان التي لا تعاني مالياً إنما تحتاج إلى سند مالي إضافي مع صندوق النقد. وهي تسهيلات احترازية. لذا أعتقد أننا تغيرنا ووتواءمنا (مع التحولات) للعب دور بنّاء في المرحلة التي تنتظر المنطقة. ________________________________________ وداعاً خصخصة في الماضي كنا نفرض شروطاً حول تفاصيل كثيرة في الموازنة وتركيبة الإنفاق والخصخصة. أما الآن فقد ابتعدنا كثيراً عن هذا التوجه. وفي محادثاتنا مع الحكومات نحرص على أن تكون الأمور مترابطة وفيها منطق. قد لا يكون الخيار هو ما نفضله، ولكن نعمل مع اليمين واليسار وفق نتائج العملية الديموقراطية. اقتصاد العدد ١٧٠٣ الخميس ١٠ أيار ٢٠١٢