مقالات صحفية مختارة > «الإسكوا»: تدني الاستثمارات وارتفاع البطالة يجعلان المستقبل أكثر ضبابية
ميقاتي يدعو للارتقاء «باقتصاداتنا ضمن نموذج إنمائي جديد»
كتب كامل صالح في جريدة السفير بتاريخ 10-5-2012 يعلق أحد الحضور في افتتاح «الاجتماعات الوزارية للدورة السابعة والعشرين للاسكوا»: «يبدو أن عزف فرقة المعهد الوطني العالي للموسيقى مقطوعات من موزارت ومحمد عبد الوهاب وفيفالدي وزكي ناصيف في مستهل الحفل، كان ضروريا وملحاً أمام ما تشهده المنطقة من ايقاعات كارثية قد لا تنفع معها حتى موسيقى الجنائز». وتبدو المعطيات المتوفرة لدى «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا» مقلقة في هذا السياق، إذ تلحظ أن «مستقبل الأجيال المقبلة سيصبح أكثر ضبابية، إذا بقيت التوجهات السلبية الحالية من تدن للاستثمارات ومعدلات النمو وارتفاع لمعدلات البطالة، ومعظمها نابع من الأوضاع السياسية والأمنية المتدهورة». ولعل ارتفاع منسوب القلق على مستقبل المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وانمائيا، يتجلى بوضوح أيضا في الكلمات التي ألقيت أمس، ومنها كلمة راعي الدورة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في «بيت الأمم المتحدة» في بيروت، الذي يرى «أن التغيرات المصيرية التي تمر بها المنطقة دليل على ارتباط العدالة الاجتماعية بالتنمية المتوازنة»، داعيا إلى مواكبة التغيرات الجذرية التي تشهدها البلدان العربية بتحقيق مكاسب إنمائية «وآمال شعوبنا في الإصلاح والديموقراطية»، معتبرا «أننا أمام مرحلة مفعمة بالأمل، لكنها مليئة بالخيارات الصعبة، وأحيانا بالمخاطر، لذلك نحن في حاجة إلى كل أطياف المجتمع، والشباب خصوصا، والى الحكومات وسائر هيئات المجتمع المدني، للعمل سويا والارتقاء باقتصاداتنا ضمن نموذج إنمائي جديد، من أجل مستقبل تسوده الحرية والكرامة وحقوق الإنسان». ويؤكد أنه «إذا عجزت السياسات والبرامج الإنمائية عن إدماج قضايا ومتطلبات الشعوب المعيشية والثقافية والإنسانية، لا يمكن الحصول على تنمية عادلة ومستدامة». من هنا «تأتي أيضا أهمية موضوع توفير التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في تنمية القطاع الخاص، مما يعزز النمو المستدام والشامل للجميع، ويلعب دورا مباشرا في توفير فرص العمل التي نحن في حاجة ماسة إليها في منطقتنا». وبينما يتوجه بدعوة جديدة إلى كل الدول العربية لتفعل العمل المشترك في ما بينها، من أجل إرساء الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، و«بناء الدولة القوية والقادرة والعادلة، وإصلاح المؤسسات، وتطوير الاقتصاد»، يلحظ أن «الانتفاضات والتحركات الشعبية المطالبة بالديموقراطية تشكل جزءا من التطور التاريخي للمنطقة، لكن مسار الديموقراطية ليس عملية سهلة وبسيطة تتحقق بمجرد تغيير أنظمة أو إجراء انتخابات»، مشيرا إلى أن «لبنان لا يزال يطور نظامه، ويركز في سلم أولوياته على الإصلاح الإداري والحوكمة والمواطنة، ووضع القوانين والتشريعات لمزيد من صون الحريات وضمان حقوق الإنسان والمساواة». وبعدما يتطرق إلى القضية الفلسطينية و«حق الشعب الفلسطيني المشروع في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس»، يقول: «نتطلع إلى أن تكون الأمم المتحدة أكثر عدالة في إصدار القرارات الدولية وفرض تطبيقها لضمان السلام العادل والشامل في منطقتنا»، مضيفا «في لبنان، لا نزال نختبر الكيل بمكيالين على صعيد العدالة الدولية، حيث تنتهك إسرائيل يوميا سيادتنا الوطنية في البر والجو والبحر، وتواصل احتلالها العديد من الأراضي، متحدية كل القرارات الدولية، ما يضع الأمم المتحدة أمام مسؤولية جديدة في فرض تطبيق قراراتها ودعم السيادة اللبنانية بكل الأوجه». ويخلص للتأكيد في ختام كلمته على دعم لبنان الطلبات المطروحة أمام الدورة من قبل تونس والمغرب وليبيا، للانضمام إلى الاسكوا.
تعظيم الطاقة البناءة
ولم تكن أجواء رسالة الأمين العام لـ«لأمم المتحدة» بان كي مون إلى الدورة بعيدة عن ايقاع التغيرات التي تمرّ بها المنطقة العربية، إذ يعتبر أن «التحدي الماثل أمامنا هو تعظيم الطاقة البناءة الموجودة لدى المواطنين المعبأة قواهم، مع القيام في الوقت ذاته باتخاذ القرارات الصعبة اللازمة للاستجابة لمطالباتهم المشروعة بمزيد من الحقوق والحريات»، موضحا أن «هذه مسألة تتعلق بالتنمية الفردية والتنمية الوطنية، ولكنّ لها أيضا آثاراً بالنسبة للأمن. فالناس الذين يشعرون بالإحباط لاستمرار الظلم والفقر أمدا طويلا يستبد بهم القلق، وهذا أمر يسهل فهمه. وفي ظل هذه الظروف، لا بد من التصدي للقوى التي تسعى إلى الحيلولة دون حدوث التغيرات الضرورية مستخدمة في ذلك التفرقة والتمييز على أساس الدين أو الأصل الإثني أو المعتقدات السياسية». في المقابل، تلحظ الأمينة التنفيذية للإسكوا الدكتورة ريما خلف «أن الفرص التي تواجهنا اليوم تختلف كثيرا عن تلك التي تحدثنا عنها في الدورة السابقة»، مضيفة «كنّا ننظر شمالا فنرى صروحا عملاقة تهوي».. و«اليوم ينقلب المشهد. باتت منطقتنا التي تتصدر عناوين الصحف، وأصبح الآخرون هم من يتخوف من تبعات هذه الأوضاع المستجدة عليهم. أما نحن، فتشهد بلداننا تحولات وتطورات يدعو جلّها للتفاؤل». وتستدرك قائلة «التفاؤل هنا لا يعني أننا خرجنا من دائرة الخطر، فالانزلاق إلى العنف في بعض البلدان هو مصدّر للكثير من القلق». لذا، تدعو إلى الإسراع «في الاصلاحات والجهود التنموية لاستباق أثر هذه التغيرات، وتحقيق المنعة لاقتصاداتنا، والرفاه الذي هو حق لشعوبنا». ولم تبتعد كلمة وزير الاقتصاد في الإمارات العربية المتحدة سلطان المنصوري التي تترأس بلاده أعمال هذه الدورة، عما طرح في هذا السياق، بل يحذر من وجود «الكثير من التحديات التي يمكن أن تحول دون تحقيق المستويات المطلوبة من التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة»، مشددا على أهمية «إيلاء الاهتمام اللازم للقضايا الحيوية والمحقة بداية من احترام حقوق الإنسان وكرامته، والمساواة بين النساء والرجال، والحريات والشفافية والتعددية والفرص المتكافئة والعدالة والمساءلة الاجتماعية».
مركز إقليمي للابتكار
ومما لا شك فيه، أن من أبرز التحديات التي تشهدها المنطقة اليوم هي ارتفاع معدّلات البطالة، وتزايد الفقر، وانعدام الأمن الغذائي والبيئة السليمة، والافتقار إلى التنوّع في النمو الاقتصادي وغياب المفاهيم الخاصة ببناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. وانطلاقاً من هذا الواقع، يرى المنصوري أن الدول العربية بحاجة إلى مراجعة وتقييم الخطط والسياسات الإنمائية السابقة بدقة، واعتماد نهج إنمائي جديد يتضمن خططا متكاملة وقابلة للتنفيذ. وتقدم باقتراح لتعزيز ثقافة الابتكار وتحفيز الشباب على الابداع والانخراط في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهو «إنشاء مركز إقليمي للابتكار بالتعاون مع منظمة الأسكوا». كذلك، جاءت كلمة وزير التخطيط والتعاون الدولي في الأردن الدكتور جعفر حسان التي ترأست بلاده أعمال الدورة السابقة، وفق سياق التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية وتداعيات ذلك على الاقتصاد، مبرزا أهمية «تطوير برامج تتضمن آليات فاعلة لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد عبر اشراك المجتمع في صياغة مستقبله السياسي والاقتصادي، وبرامج فاعلة لخلق فرص عمل جديدة تستوعب الداخلين إلى سوق العمل في المنطقة، إضافة إلى آليات فاعلة تضمن عدالة توزيع عوائد التنمية ومكتسباتها، بحيث يستفيد منها جميع المواطنين».
مخاطر تباطؤ النمو
أما التحدي الأكبر الذي تواجهه دول المنطقة غير النفطية، وفق حسان الذي ألقى كلمته صالح الخرابشة نيابة، يتمثل «بمخاطر تباطؤ النمو الاقتصادي وتوسع العجوزات المالية»، ما قد يؤدي «الى حلقة مفرغه ما بين سندان العجز والدين العام، ومطرقة تحفيز النشاط الاقتصادي. يصعب معها الحفاظ على مكتسبات التنمية المحققة خلال العقد السابق، ويحد من قدرة هذه الدول على حماية الشرائح الأكثر تأثراً. وتتمحور الدورة حول «دور المشاركة والعدالة الاجتماعية في تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة في منطقة الإسكوا»، ومنها «التمويل الشامل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص العمل»، كذلك تطلق عملية تشاورية إقليمية بهدف تقريب المواقف من الأهداف والمواضيع التي ستطرح في «مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة» (ريو 20) في الشهر المقبل في ريو دي جانيرو في البرازيل.