مقالات صحفية مختارة > حمدان لـ«السفير»: الاضطرابات تُترجم معدلات نمو سلبية وتراجعاً في فرص العمل
الانفلات الأمني في طرابلس وعكار وبيروت يقود الاقتصاد اللبناني إلى المجهول
كتب حسن الحاف في جريدة السفير بتاريخ 23-5-2012 ما شهدته بيروت وطرابلس وغيرها من المناطق خلال الأيام الأخيرة لن يكون بلا مفاعيل اقتصادية شديدة الإيلام والكلفة على الصعد الاجتماعية كافة. ولا مبالغة في القول إنه وبموجب التفاوت الكبير في القدرة على الصمود والاحتمال بين فئة وأخرى، فإن الأكثر تأثراً بتداعيات الانفلات الأمني والسياسي الذي تسيد المشهد الوطني هم ذوو الدخلين المتوسط والمحدود أولاً وأخيراً. "التداعيات على المدى القصير قد تكون قابلة للاحتمال، غير أن الخطر يكمن في الدلالات والمفاعيل الكامنة وراء انعدام الاستقرار على المدى المتوسط". هكذا يلخص رئيس "مركز البحوث والاستشارات" د. كمال حمدان قراءته للاحتمالات الاقتصادية المرتقبة غداة المسار الذي دخلته البلاد قبل أيام. فـ"الحرب الأهلية الأخيرة خسّرت البلاد 50 في المئة من ناتجها الوطني الإجمالي. وهو ما لم ننجح حتى اليوم في احتواء ذيوله الكارثية على المستويات كافة، فكيف بنا إذا دخلنا مساراً كهذا من جديد؟". ذاك ان الأحداث الأخيرة، على ما يشرح حمدان لـ"السفير"، هزّت بقوّة محددات النمو الاقتصادي الأساسية المتمثلة بالسياحة وتحويلات المغتربين التي ينهض جزء كبير من إنفاق الأسر عليها. فعلى الصعيد السياحي ثمة تباطؤ ملحوظ في حركة المطاعم والفنادق والمنتجعات السياحية، بفعل تراجع حركة الاستهلاك المحلي المضروب بتراجع في الطلب الخارجي أيضاً. كذلك، تشير التوقعات إلى تباطؤ محتم في حركة المشاريع الاستثمارية ذات الطابع الكبير، مثل الاستثمارات المتوقعة في مجالات التطوير العقاري والسياحي داخل وخارج بيروت الكبرى. المستحيلة التنفيذ في ظل الواقع الأمني والسياسي القائم. إذ، لا جديد في القول إن نشاط القطاعين السياحي والعقاري مرهون في جزء أساسي منه بالطلب الخارجي، يشدد حمدان. الأمر عينه ينطبق على القطاع المالي والمصرفي، حيث من المتوقع أن تنعكس آفاق الاستقرار السياسي والأمني المحكومة بانعدام اليقين، والمتشابكة باحتمالات الحدث السوري، على الوضع المصرفي. ويخلص إلى أنه "متى ما بدأت تدفقات التحويلات التي تغذي ميزانيات المصارف تشهد تلكؤاً، معطوفاً على تراجع ملحوظ في الإيرادات السياحية بفعل دعوات بعض دول الخليج لمواطنيها بتجنب السفر إلى لبنان، عندها يمكن القول إن الصورة غدت سوداوية جداً. وهذه السوداوية تزداد حدّة ساعة تصبح مقولات الدولة الرخوة والسلطة المركزية الضعيفة أموراً واقعة في صورة مناطق عاصية وخارجة على سلطان الدولة". على ان لوحة التوقعات القاتمة لا تكتمل من دون المرور بوضع الدولة. فبرأي حمدان "الدولة ستقدم حكماً خلال الفترة المقبلة على زيادة ملحوظة في إنفاقها العام، إن لناحية الأجور، أو لناحية الاستثمارات في البنى التحتية. هذا علماً أنها من دون موازنة منذ 7 سنوات، وليس في الأفق ما يشي بوجود فرص واقعية لزيادة وارداتها، لا سيما في ضوء انعدام إمكانات استحداث ضرائب جديدة، أو حتى إمكان إخضاع الريوع لضرائب جدية". أمام ما تقدم يغدو السؤال عن المستقبل ذا طابع إستراتيجي، يقول حمدان. قد نشهد معدلات نمو أقل من السنوات الأخيرة. أكثر من ذلك، قد نشهد معدلات نمو سلبية، من شأنها ان تنعكس تدهوراً بنيوياً في الوضع الاقتصادي، وتالياً المعيشي – الاجتماعي. هذه المعدلات السلبية، يشدّد حمدان، ستجد ترجمتها العملية في صورة انعدام فرص العمل لحوالي 30 إلى 40 ألفاً من الداخلين الجدد إلى سوق العمل. هذا فضلاً عن عمليات الصرف المتوقعة، بالتلازم والتوازي مع تداعي الأوضاع المالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على وجه الخصوص. تأسيساً على ما تقدّم، المعطوف بدوره على العجز الهيكلي لطبقتنا السياسية التي لا تمتلك أدنى حس بالمسؤولية تجاه القضايا العامة، يصير منطقياً الذهاب في الاستنتاج حد القول إن اللبنانيين مقبلون على ما يشبه "المأساة الإغريقية"، يختم حمدان. فـ"الحادث الأمني هو القشة التي قصمت ظهر البعير. لكن القصم حصل لأنه منذ الاستقلال حتى اليوم لم تنجح الدولة في إرساء مثال تنبع قوّته من مشاريع إنمائية معينة تخاطب حاجات الناس وأولوياتهم".
الحركة التجارية: كارثة ما تقدم به حمدان يغدو مدعّماً بالدلائل والقرائن المادية لدى التدقيق في أوضاع الحركة التجارية في المناطق التي شهدت أوضاعها الأمنية تدهوراً، خصوصاً في بيروت وطرابلس وعكار. في بيروت، يلاحظ رئيس "جمعية تجار بيروت" نقولا شمّاس أن "النشاط التجاري بدأ بالتراجع الملحوظ لحظة دخول الفصل الثاني من العام، في أعقاب فصل أول مقبول عموماً. وقد أسهم الجو المسموم، الذي استفحل مع اندلاع أحداث طرابلس في منتصف أيار، ومن ثم انتقال الاضطراب إلى بيروت، في تعزيز عزوف الناس عن النزول إلى الأسواق". "غير أن العزوف النسبي في نيسان ومطلع أيار انقلب انهياراً في الأيام العشرة الأخيرة"، يقول شماس بنبرة متبرمة مما يحصل. اذ "انعكست الاشتباكات التي نشبت في قلب العاصمة، فضلاً عن بيانات الحظر التي صدرت عن أكثر من دولة خليجية، على المزاج العام لغالبية سكان بيروت. وهو ما ينبئ بصيف سيئ، لن تزيده سوءاً سوى شظايا الأزمة السورية التي بدأت باختراق الجسد اللبناني بأصعدته كافة، لا سيما الاقتصادية". لكن، يضيف شماس، على الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة حتى الساعة، إلا أنه إذا استمرت الأمور بالتصاعد على هذا المنوال فان الحركة التجارية مرشحة للانهيار في الفصل الثاني. وبرأيه "ما حصل يثبت أن ارتدادات أي حادث في أقصى المناطق الطرفية تنعكس بسرعة البرق على أحوال العاصمة التي تشكل عصب البلاد بلا منازع". لا يقل الوضع في طرابلس سوءاً عن الوضع في بيروت. فـ"الحركة الاقتصادية في عاصمة الشمال تشهد جموداً منذ الشهرين الأخيرين من العام الماضي. أمّا أسواقها التجارية فتتبدى، خصوصاً خلال الأيام الأخيرة، شبه مقفرة حتى من المتمشين من أهلها". بهذه العبارات اليائسة والمقتضبة يصف رئيس "جمعية تجار طرابلس" فواز الحلوة أحوال الفيحاء. إذ لم يشهد النشاط التجاري في طرابلس خلال الأسبوعين الأخيرين "أي ضربة"، أكان على مستوى الحركة في الأسواق القديمة أم الجديدة التي تحتوي آلاف المؤسسات التجارية (شارع غرفة قاديشا، شارع الشيخ نديم الجسر، طريق المينا الخ..). والناس. على حد قول الحلوة أيضاً، "باتت تنزل لفتح محلاتها حتى لا تظل قاعدة في منازلها بلا شغلة ولا عملة". وخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، تراجع النشاط التجاري، كما يؤكد الحلوة، بحوالي 50 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. هذا على الرغم من ان الحركة خلال العام الماضي لم تكن في أحسن أحوالها. ولأن "لا قدرة شرائية لدى الناس على التموين"، فإن "ما شهدته طرابلس من أحداث أمنية وخيمة لم تسهم في زيادة حركة البيع بغرض التموين حتى لدى المحال التجارية الصغيرة. وإذا استمرت الأوضاع بالتدهور، طبقاً للمنحى التصاعدي القائم اليوم، فإننا متجهون صوب انهيار حتمي بدأت طلائعه بالظهور تباعاً". من طرابلس صعوداً إلى خزّان المحرومين والفقراء، عكار، تزداد الصورة قتامة، والأوضاع العامة للناس مأساوية. إذ سجل النشاط التجاري تراجعاً بحوالي 90 في المئة في الأسبوع الأخير، الذي شهد إقفالاً تاماً للمحال والمؤسسات التجارية، يقول رئيس "جمعية تجار محافظة عكار" إبراهيم الضهر لـ"السفير". وهو كان شهد تراجعاً في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري بنحو 40 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. وفي التفاصيل، التي يرويها الضهر بصوت موجوع، بدأ التراجع مذ استعرت الأوضاع في طرابلس. الأمر الذي انعكس في صورة نفاد السلع الضرورية من الأسواق بعدما هرع أهل عكار إلى الأسواق بهدف التموين خوفاً من الآتي الأعظم. وفيما يفترض أن لدى التجار مخزوناً كافياً من السلع، إلا أن حجم الخوف والهلع الذي تحكم بالناس كان كفيلاً بإفراغ الأسواق مما فيها. فعكار معزولة عن بقية المناطق اللبنانية منذ خمسة أيام، يقول الضهر. و"إذا طال أمد الأزمة من دون انفراجات سياسية حقيقية سنشهد كوارث غير مسبوقة. ذاك ان القسم الأكبر من المؤسسات التجارية الصغيرة والكبيرة ترزح تحت وطأة إفلاس غير معلن. وانعكاسات ذلك على منطقة مثل عكار تختلف إلى حد كبير عن التداعيات المرتقبة في المناطق الأخرى، نظراً لبعد عكار عن مركز صنع القرار من جهة، ونظراً أيضاً لغياب الاهتمام الرسمي من جهة ثانية".
إلغاءات للحجوزات "على الرايح والجاي" لا تغيير في اتجاه إيجابي يمكن تسجيله لدى الانتقال من معاينة أحوال التجار إلى التدقيق في أحوال حجوزات الصيف. والأخيرة تشكّل مؤشراً اقتصادياً غاية في الأهمية، في ضوء الحصة المميزة التي تحتلها سياحة الصيف من إجمالي النشاط الاقتصادي اللبناني. وفي هذا السياق، يؤكد رئيس "نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر" جون عبود أن حجوزات الصيف شهد خلال الأيام الأخيرة إلغاءات كثيرة، غالبيتها من البلدان الخليجية التي دعت مواطنيها إلى عدم المجيء إلى لبنان، خصوصاً الكويت وقطر والإمارات والبحرين. كذلك، سجلت حجوزات السعوديين تراجعاً، على الرغم من جرعات الطمأنة التي حاول السفير السعودي ضخّها في الأجواء. وإذا كانت الأرقام الدقيقة لا تزال غير متوافرة حتى الساعة، إلا أن حجم التراجع الكبير يتبدى في تراجع الطلب على عروض السفر ذات الحزمة الكاملة (full package) من لبنان إلى تركيا خصوصاً، التي اعتاد بعض المغتربين شراءها كإضافة إلى زيارة لبنان. كذلك، تراوح إجمالي التراجع في الحجوزات خلال الأيام الخمسة الأخيرة ما بين 15 إلى 18 في المئة.