مقالات صحفية مختارة > هيئات أصحاب العمل تمهّد لطاولة الحوار بـ«التهويل»: نحن على عتبة انهيار!
كتب محمد وهبة في جريدة الاخبار بتاريخ 31-5-2012
«نريدها رسالة صاخبة ومدوّية لمؤتمر الحوار». بهذه العبارة يكشف رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شماس، عن اللقاء العام «الطارئ» الذي دعت هيئات أصحاب العمل إلى عقده يوم الاثنين المقبل في فندق فينيسيا. لكن ما استدعى هذه الدعوة الطارئة، بحسب المراقبين، أن دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى طاولة الحوار، بالتزامن مع بدء مناقشات مشروع موازنة 2012 الذي يتضمن ضرائب جديدة على المصارف والعقارات... تمثّل فرصة للهيئات لشنّ هجوم على الزيادات الضريبية تحت عنوان «مبادرة إنقاذية»، عبّر عنها رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه، بالإشارة إلى أن «الظرف ليس مؤاتياً لفرض ضرائب جديدة، فلا يمكن فرض ضرائب على الشقق الشاغرة، فيما ليس هناك من يشتري في السوق». على أي حال، تأمل هيئات أصحاب العمل أن تتحوّل إلى بند على طاولة الحوار وأن يجد صوتها صدى لدى المتحاورين (الذين يمثلون مصالحها أصلاً)«لإنقاذ المسار»، وفق توصيف رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه. فقد عقد ممثلو الهيئات عدداً من الاجتماعات أخيراً بين مختلف أعضاء هيئات أصحاب العمل في لبنان، كان هناك تركيز واسع على الضرر اللاحق بمصالحهم من الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرّة. فالنقاشات تكشف عن ارتفاع وتيرة تداعيات عدم الاستقرار السياسي والأمني بعدما كانت محمولة خلال الفترة الماضية. لذلك يعتقد أصحاب العمل أن هناك ضرورة لحماية مصالحهم تحت عنوان «منع انهيار الاقتصاد الوطني». هذا الأمر يظهر جلياً من المقاربات المختلفة للأزمة وتداعياتها بين ممثلي هذه الهيئات. فطربيه يؤكد أن الهدف من اللقاء «تجنّب التدهور في النشاط الاقتصادي مستقبلاً»، وأن «الصورة لم تصبح سوداوية بعد، لكنها قد تصبح كذلك». وفي رأيه أن الملف الاقتصادي يمرّ في حالة «إدارة غير عقلانية»، وبالتالي لا يجوز ألا ينتقل الأمر إلى طاولة الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية بدلاً من أن يبقى الحوار في الشارع الذي تكون نتيجته إغلاق المؤسسات. لذلك، يرفض طربيه التهويل بموضوع التدهور الاقتصادي، لافتاً إلى أن «المصارف جزء من الاقتصاد، وأي ضرر يمس الاقتصاد سيلحق بها»، مشدّداً على «عدم المبالغة في الحديث عن وجود انتكاسة، فيما يجب أن ننقذ الموسم ونصحح المسار». إلا أنه يرى في الوقت نفسه أن هذه المرحلة «ليست مرحلة فرض الضرائب على المؤسسات، لأن الضريبة ليست عقوبة ويجب فرضها في أوقات الازدهار، فيما يجب دعم القطاعات الاقتصادية في أوقات التراجع». في المقابل، هناك مقاربة مختلفة يحملها القطاع التجاري. فبحسب شماس، كانت نتيجة أحداث طرابلس وما تلاها من تحذير بعض الدول لرعاياها بالمجيء إلى لبنان، أن «أصيب النشاط السوقي بانتكاسة مفاجئة تستلزم ردّة فعل طارئة، فانكمش بنسبة 75% مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية». وبالتالي فإن لقاء الهيئات، في رأي شماس «هو مبادرة إنقاذية لما تبقى من موسم الصيف»، ولا سيما أن «هناك زيادة في الأعباء التشغيلية وزيادات ضرائبية بدأت في الأجور ورسوم الضمان، وصولاً إلى الإجراءات الضريبية في الموازنة». إذاً، يرى شماس أن عوارض المعاناة بدأت تظهر على المؤسسات في ضوء تأخر بعضها عن سداد ديونه للمصارف، «فهناك حالات من هذا النوع وإن لم تكن كلها قد استجدت اليوم». في الواقع، إن ممثلي الصناعة متشائمون أيضاً ويتشاركون مع التجار في رؤيتهم وتوصيفهم لما يحصل اليوم في النشاط الاقتصادي. فبحسب نائب رئيس جمعية الصناعيين، زياد بكداش، أن حركة الاستهلاك المحلية تراجعت إلى حد كبير، وهو ما أثّر على تصريف الإنتاج الصناعي في السوق المحلية. لكن أزمة الصناعيين لا تقتصر على ذلك، فهناك أزمة التصدير إلى الأسواق الخارجية حيث تراجع إلى حدود الصفر في المئة، في ظل «ضيق التصدير إلى أوروبا، وتراجع سعر صرف اليورو مقابل الدولار، فيما انخفض التصدير بنسبة كبيرة إلى اليمن ومصر وسوريا» يقول بكداش. ويضيف إلى ذلك «تراجع حركة الترانزيت إلى النصف». وبالتالي، فإن كل هذا الوضع سينعكس على المؤسسات التي «سيذهب بعضها إلى الإقفال أو صرف العمال...». يؤكّد بكداش أننا على «عتبة الانهيار الاقتصادي». لذلك، فإن اللقاء العام سيكون بمثابة صرخة للسياسيين، للقول «إننا لا نبعد كثيراً عن حافة الانهيار، فهناك مؤسسات يمكنها أن تقاوم لأشهر، أو لسنة، ولكن بعضها بدأ يشعر بالضعف والوهن نتيجة الأوضاع السائدة في السوق، وأن هناك تعثّراً في سداد ديون بعض المؤسسات، ولا سيما السياحية منها». رغم كل هذه الصورة المتشائمة، ورغم أن موقف هيئات أصحاب العمل يستند إلى حقائق في السوق تصيب قسماً من النشاط الاقتصادي، إلا أن هناك حقائق أخرى تغفلها. فبرأي المتابعين أن هذه المؤسسات راكمت أرباحاً هائلة في السابق تمكنها من تجاوز مثل هذه الظروف التي تعدّ اعتيادية في لبنان الذي شهد أوضاعاً أكثر تشنجاً، مثل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحرب تموز... لكن هيئات أصحاب العمل تعتقد أن الضغط على طاولة الحوار يمثّل فرصة مناسبة لشنّ هجوم على الضرائب المقترحة على المؤسسات والعقارات في مشروع موازنة 2012 وللتملّص من زيادة الأجور لمن لم يدفعها بعد، وللضغط على مجلس الوزراء حتى لا يقبل زيادة سقف الراتب الخاضع لاشتراكات الضمان من 1.5 مليون ليرة إلى 2.5 مليون ليرة، نظراً إلى كونه يصيب نحو 30% من الأجور المصرّح عنها لدى صندوق الضمان الاجتماعي. اقتصاد العدد ۱۷۲۰ الخميس ۳۱ أيار