عمد مصرف لبنان إلى إدخال هبات مباشرة إلى حساب حصيلة سندات خزينة عندما كان هذا الحساب مكشوفاً (مروان طحطح) إنّه التقرير الأشهر حول المال العام اللبناني هذه الأيام. الأرقام التي يحويها تعرّضت للمتاجرة خلال الآونة الأخيرة، لكن بعيداً من حديث المنابر، يوضح خبراء وزارة المال فيه أنّ القيود والمستندات الخاصة بحسابات الهبات والتبرعات كانت خارج النظام كلياً بين عامي 1993 و2010. وحتّى مصرف لبنان دخل في لعبة الهبات عبر استخدام جزء منها لتغطية انكشافه في سندات الخزينة
في إطار عملية تدقيق الحسابات العامّة منذ عام 1993، أنجزت وزارة المال تقرير «النتائج النهائية لعملية التدقيق المتعلقة بحسابات الهبات والتبرعات للسنوات من 1993 إلى 2010». أرسلت نسخة منه إلى لجنة المال والموازنة، تضمّنت خطأً مطبعياً لإحدى الهبات بالدولار الأميركي (عوضاً عن 3.9 ملايين دولار ذكر التقرير 3.9 مليارات دولار). الخطأ المطبعي قابل للتصحيح، لكن من يُصحّح أخطاء جوهرية تتعلّق بمليارات الدولارات؟ ومن يضمن أن الهبات التي كانت مخصصة للشعب اللبناني لم تُنهب في ظلّ غياب الشفافية في تسجيل القيود؟ يتألف التقرير ــ الذي أعدّه فريق من 4 مراقبين (بينهم واحد رئيسي) وأشرف عليه مراقب التحقّق وأمين صندوق مركزي ــ من أربعة أقسام تُفنّد فيها الخلاصات العامّة والمحاسبية. وإذ تختلف الخلاصات طبقاً للفترات المدروسة (فترة 1993 – 1996 وفترة 1997 – 2010) «يُمكن الجزم أنّه خلال السنوات التي شملتها عملية التدقيق هناك مشكلتان جوهريّتان تعانيهما حسابات الهبات والتبرعات». أوّلاً، «لم يكن هناك من آلية واضحة وموحدة لتسجيل القيود المحاسبية الخاصة بالهبات والتبرعات». ثانياً، «عدم وجود آلية منتظمة لحفظ المستندات فخلال القيام بعملية التدقيق تبين فقدان عدد من المستندات الثبوتية». وشمل التدقيق أربعة أنواع من الحسابات: أوّلاً، حسابات الهبات المشروطة (في الفئة 1) «وتبيّن أنّها خالية من أي قيود محاسبية». ثانياً، حساب القيد المؤقت للهبات. ثالثاً، حسابات المصرف الخاصة بالهبات والتبرعات. رابعاً، حسابات الإيرادات الخاصّة بالهبات والتبرعات. 1993 - 1996 «لا يُمكن التدقيق بحسابات الهبات والتبرعات» خلال هذه الفترة، يقول التقرير، لأنّه «لم يتم اعتماد المكننة في حينه ما اضطر الفريق العودة إلى المستندات». أما «السبب الرئيسي» لاستحالة التدقيق فهو «عدم كفاية السجلات». وفي التفصيل، يوضح التقرير أنّ 13 مرسوماً لقبول الهبات صدرت خلال الفترة المذكورة بقيمة 229.36 مليار ليرة (153 مليون دولار تقريباً) وذلك «باستثناء مراسيم قبول الهبات العينيّة ومراسيم تعديل هبات سابقة». واللافت هو أنّ التقرير يُشدّد على أنّه «لا يُمكن الجزم في ما إذا كانت الدولة اللبنانية قد تسلمت مبالغ هذه الهبات، وإذا كانت مديرية الخزينة قد سجّلت مبالغ الهبات المقبوضة». وبكلمات أبسط: لا يُمكن الشعب اللبناني أن يعلم الآن كيف تم التصرف بهبات خُصّصت في المبدأ لخدمة بلده بعد الحرب! 1997 - 2010 في هذه الفترة تظهر جليةً الخروقات الدسمة، حيث تم الانتقال منذ عام 1997 إلى القيد المزدوج. وبحسب النتائج النهائية لعملية التدقيق، تبيّن أنّ «هناك مشاكل وأخطاء تعاني منها حسابات الهبات والتبرعات». ويوضح التقرير أنّ هناك نوعين من المشاكل: أوّلا، الهبات العالقة في القيود المؤقتة لعدم صدور مراسيم خاصّة بها. ويبلغ إجمالي الهبات العالقة في القيود المؤقتة 269.98 مليار ليرة (180 مليون دولار تقريباً). «وتكمن خطورة هذا الخطأ الإداري/ المحاسبي في أن قطوعات الحسابات الصادرة او التي ستصدر لم ولن تلحظ من جهة قيمة الهبات الفعلية ومن جهة أخرى كيفية التصرّف بمبالغ هذه الهبات». ويُشير التقرير في هذا السياق إلى قصّة غريبة لهبة قيمتها 10 ملايين دولار قدّمتها سلطنة عمان في عام 2007. فقد دخلت هذه الهبة «مباشرة إلى حساب حصيلة سندات الخزينة الذي كان مكشوفاً في عام 2007 (بحسب إفادة مصرف لبنان)». مع العلم ، يُتابع التقرير نفسه، «أنّه جاء في شرح العملية أنّها تعكس اكتتاب سندات خزينة ولم نجد المستندات الثبوتية». هذا الأمر يعني أنّ مصرف لبنان قرّر، بمفرده، «سحب» هذا المبلغ لضخّه في حساب سندات الخزينة العاجز في حينه من دون أي إثباتات، إذ يقول التقرير: «عمد مصرف لبنان إلى إدخال هبة/ هبات مباشرة إلى حساب حصيلة سندات خزينة عندما كان هذا الحساب مكشوفاً». وتتمثّل خطورة هذا الوضع في أن المبالغ في القيود المؤقتة لم ولن يتم لحظها في قطوعات الحسابات الصادرة أو ستصدر لا سيما لجهة قيمة الهبة الفعلية وكيفية التصرف بمبالغها. ثانياً، هناك الهبات التي صدرت مراسيمها غير أنّها لم تُسجّل في القيود المحاسبية. ويُبيّن التقرير هنا أنّه في الحصيلة «خلال الأعوام الـ14 الماضية صدر 293 مرسوماً بقبول هبات نقديّة، وما تمّ تسجيله هو 23 مرسوماً فقط أي ما نسبته 8%». ومجموعة هذه الهبات 2.6 مليار دولار. مع العلم أنّ المخالفات بدأت منذ عام 1997 بـ3 هبات لم تسجّل بكاملها، وارتفعت وتيرة المخالفة خلال السنوات اللاحقة وصولاً إلى عام 2010 حين صدر 32 مرسوماً لم يتمّ تسجيل أي هبة منها! ويقول التقرير صراحة: يُمكن الاستنتاج أن الهبات التي جرى تسجيلها محاسبياً هي فقط الهبات التي دخلت إلى حسابات الخزينة لدى مصرف لبنان (حساب الـ36) دون الهبات التي فُتحت لها حسابات خاصّة في مصرف لبنان أو تلك التي قامت بتنفيذ مضمونها الجهات المانحة مباشرة أو مؤسسة عامّة لصالح الدولة اللبنانية. ________________________________________ 270 مليار ليرة الهبات المقبوضة العالقة في القيود المؤقتة. وتقول الوزارة إنّها طلبت رأياً استشارياً بخصوصها من ديوان المحاسبة ولم يصلها رد منه ________________________________________ 42.25 مليون يورو قيمة هبة أوروبية قدمت على جزءين. 30 مليون يورو «غير معروف كيفية تنسيب صرفه»، و12.25 مليون يورو، «ليس لدينا أي معطيات عنه»! قيمة الهبات غير المسجّلة للأعوام 1997/ 2010