مقالات صحفية مختارة > الدولة في خدمة المصالح الخاصّة: «خرافي ناشيونال» نموذجاً
كتبت الاخبار بتاريخ 30-6-2012
خدمات التشغيل والصيانة في المدينة الجامعية غير محصورة بالشركات اللبنانية (مروان طحطح) يقول أحد الوزراء إن المقاييس انقلبت في مجلس الوزراء؛ ففي مناقصة خدمات تنظيف المطار وصيانته، رفض المجلس إدخال عمّال أجانب؛ «لأن هناك لبنانيين يمكنهم القيام بهذا العمل». إلا أن الأمر مختلف بالنسبة إلى مناقصة تشغيل المدينة الجامعية وصيانتها؛ فليس مسموحاً حصرها بالشركات اللبنانية! محمد وهبة يستعد مجلس الإنماء والإعمار لإعلان إلغاء مناقصة تلزيم خدمات التشغيل والصيانة لمشروع المدينة الجامعية في الحدث، تمهيداً لإعادة إطلاق المناقصة وفق الشروط الجديدة التي أقرّها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة والتي تتيح لشركة «خرافي ناشيونال» المشاركة فيها. فقد تراجع مجلس الوزراء عن قراره السابق في 5 تشرين الأول 2011، القاضي بإجراء المناقصة المذكورة محصورة بالشركات «المحليّة»، واستبدلها بناءً على نقاشات واقتراح من الوزيرين علي حسن خليل ومحمد فنيش بمناقصة «عمومية». يأتي هذا القرار بعدما استصدرت شركة «خرافي ناشيونال» قراراً إعدادياً من مجلس شورى الدولة يقضي بوقف المناقصة التي أقرّها مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 5 تشرين الأول 2011. يومها قرّر مجلس الوزراء أن يحصر المتعهدين الذين يحقّ لهم المشاركة في مناقصة التشغيل والصيانة في مشروع المدينة الجامعية في الحدث، بالشركة «المحلية». وقد فُسّرت كلمة «محلية» بأنها الشركات اللبنانية، لا الشركات الأجنبية العاملة في لبنان، وبالتالي فإن شركة «خرافي ناشيونال» الكويتية الأصل، التي كانت قد التزمت أعمال تشغيل المدينة الجامعية وصيانتها لفترة لا تقل عن 9 سنوات، لم يعد يحقّ لها المشاركة. على هذا الأساس أطلق مجلس الإنماء والإعمار المناقصة التي تشمل خدمات تشغيل وصيانة الأنظمة والمعدات في مجمّع الجامعة اللبنانية في الحدث، التي تغطي مساحة 705 آلاف متر مربع، وهي تتضمن 8 كليّات و10 مباني خدمات و5 مباني فنية، بالإضافة إلى ساحات خارجية وخدمات الحراسة والتنظيف والري. وفي الإعلان الرسمي، حدّد مجلس الإنماء والإعمار الذين تقبل مشاركتهم في المناقصة بـ«المتعهدين اللبنانيين، منفردين أو بالتضامن في ما بينهم، الذين تتوافر فيهم الشروط المفروضة في دفتر الشروط الخاصة بالمناقصة». إلا أن الشركة التي تتلقى دعماً سياسياً واسعاً في لبنان، لم تستسلم لهذا الواقع، فعملت على 3 خطوط متوازية: ـــ أبلغت العاملين لديها نيتها بصرفهم بعدما بات متعذراً لها المشاركة في مناقصة تلزيم عقد المدينة الجامعية، وبدأت تحرّر لهم إنذارات صرف، ما أثار بلبلة واسعة بين العاملين الذين يبلغ عددهم نحو 600 شخص غالبيتهم ذات انتماء سياسي معين، فضلاً عن أن جزءاً كبيراً من التوظيفات في شركة خرافي هي توظيفات سياسية لأحزاب ومراجع رسمية بعضها ينطوي على طابع التكتلات العشائرية أيضاً، ما أدّى إلى «نفخ» المشكلة التي قد تنجم عن صرف العمّال الباحثين عن الأمان الوظيفي. فحوّلتهم الشركة وحماتها السياسيون إلى منبرٍ للدفاع عن مصالحها، بدلاً من أن يتحوّلوا إلى صوت يطالب بأمانهم الوظيفي في الدولة اللبنانية، على ما يقول المطلعون على الملف. ـــ على الخطّ الثاني، قرّرت الشركة أن تشارك في المناقصة من خلال الدخول في شراكة مع إحدى الشركات «المحليّة». ففي يوم فضّ العروض فوجئ الموظفون والعاملون في الشركة وأعضاء لجنة فضّ العروض في مجلس الإنماء والإعمار، بأن شركة «حورية» اللبنانية قدّمت ضمن أوراق فضّ العروض عقد شراكة مع شركة «خرافي ناشيونال»، فيما كانت تنافسها 6 شركات أخرى، هي: «هايكن»، «معوض وإدّه»، «غي ثابت»، «قاسم حمود»، «جهاد العرب»، و«نزيه بريدي». ـــ على الخطّ الثالث، كانت الشركة قد تقدّمت بشكوى إلى مجلس شورى الدولة تطلب فيها وقف تنفيذ وإبطال القرار الصادر عن مجلس الإنماء والإعمار «المتعلق بإجراء مناقصة محصورة لتلزيم خدمات التشغيل والصيانة لمشروع المدينة الجامعية في الحدث وتعديله لناحية شرط الجنسية اللبنانية، باستبداله بشرط المحلّية الوارد في قرار مجلس الوزراء». وتقول الشركة إن مجلس الوزراء اشترط «محلية المناقصة لا لبنانيتها»، مفسّرة بأن الفرق بين الأولى والثانية «هو أن المتعهد الأجنبي لو عمل على الأراضي اللبنانية أصبح محلياً، فيما لو اعتمدنا شرط لبنانية المتعهد لما استطاع المتعهد الأجنبي الذي عمل على الأراضي اللبنانية الدخول في المناقصة». ردّ مجلس الإنماء والإعمار على هذا الادعاء، مشيراً إلى أن مجلس الوزراء نصّ على «المناقصة المحلية»، أي مناقصة تتنافس فيها الشركات اللبنانية، لكن مجلس شورى الدولة رأى أن من صلاحيته «وقف التنفيذ بناءً على طلب صريح من المستدعي إذا تبيّن من ملف الدعوى أن التنفيذ قد يلحق ضرراً بالغاً بالمستدعي، وأن المراجعة ترتكز على أسباب جديّة مهمّة». وبحسب المعطيات في مجلس الإنماء والإعمار، كانت اللجنة المختصة قد عكفت على درس العروض التقنية المقدّمة من هذه الشركات السبع المشاركة في المناقصة السابقة، قبل أن يصدر قرار مجلس شورى الدولة بوقف التنفيذ. أغرب ما في هذه القصة، أن موافقة مجلس شورى الدولة استندت إلى «صلاحيات» من دون أي ذكر لحيثيات واضحة في موضوع الشكوى تبرّر استعمال هذه الصلاحيات، فضلاً عن أن مجلس الإنماء والإعمار لم ينتظر القرار النهائي لمجلس الشورى، فاكتفى بالقرار الإعدادي ليرفع الموضوع إلى مجلس الوزراء. وفي حضرة الحكومة، كانت الاتصالات السابقة لانعقاد جلسة مجلس الوزراء قد أفضت إلى الاتفاق على «شطب» كلمة «محلية» واستبدالها بكلمة «عمومية». وعندما طُرح الملف على المجلس، ما كان من الوزيرين علي حسن خليل ومحمد فنيش إلا أن أعادا شرح وتفسير كلمة «محليّة» باتجاه كونها شركات تعمل في لبنان وتوظّف لبنانيين بصرف النظر عن هوية رأس مالها ومالكيها، مقترحين السماح لها بالمشاركة بعد تعديل المناقصة لتصبح عمومية، فوافق رئيسا الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي على هذا الطرح، وأقرّ المجلس الأمر من دون أي اعتراض من أي وزير آخر. اقتصاد العدد ١٧٤٥ السبت ٣٠ حزيران