مقالات صحفية مختارة > هل يُعاد إحياء المجلس الاقتصادي الاجتماعي
كتبت النهار بتاريخ 2-7-2012
بعد التوافق كأصيل بدلاً من حوار اقتصادي؟ هل اخطأ لبنان حين انشأ المجلس الاقتصادي الاجتماعي عام 1995، ولولاية ثلاث سنوات انطلقت عام 1999 ولم تجدد منذ اكثر من عشر سنوات؟ وهل يعي لبنان اهمية اعادة احياء "مساحة الحوار" التي يتيحها في ظل توافق رسمي وروحي على دور حيوي في هذا الوقت الضاغط اجتماعيا ومعيشيا؟ بعد عقد كامل من الغياب، يطفو التأزم الاقتصادي والمعيشي الى سطح الاهتمامات بما دفع المراجع الرسمية الى التطلع نحو المؤسسات التي اوكل اليها الدستور البحث في الحلول الممكنة لما يعانيه المجتمع. المجلس الاقتصادي الاجتماعي هو من ابرز البنود الاصلاحية في وثيقة الوفاق الوطني. تقرر انشاؤه عام 1995 تلبية لمطلب شعبي مزمن. فكان القانون 389 (المعدّل بالقانون رقم 533/1996) خطوة اولى نحو تعزيز الحوار والتعاون والتنسيق بين مختلف القطاعات الاقتصادية الاجتماعية، اذ اقرّ انشاء "مجلس استشاري يدعى المجلس الاقتصادي الاجتماعي تتمثل فيه القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية الرئيسة". وما المرسوم الصادر عام 1999 (رقم 1079) لتحديد الهيئات الاكثر تمثيلا سوى مقدمة لمرسوم صدر في العام عينه وقضى بتأليف الهيئة العامة للمجلس لثلاث سنوات... بقيت يتيمة. خلال تلك الفترة، تعايش لبنان مع ازماته الاجتماعية من دون ان ينجح في حلها، وهذا ما جعلها في تفاقم مستمر مع انفجارات محدودة وجدت لها معالجات من دون حلول جذرية او ما اتفق على تسميته اصلاحات، وعد لبنان المجتمع الدولي بتنفيذها في اكثر من ملتقى ومؤتمر. وربما يكون الوقت قد حان اليوم لالتفاتة نحو المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي أُفرغ على مدى عشر سنوات من شكله كما من مضمونه. فالمبنى الذي يجاور السرايا ومجلس النواب في وسط العاصمة، اختير بعناية بغية توفير مقومات الاستشارة التي كان يمكن ان تقدمها فئاته الممثلة بـ71 عضوا او اقله ابداء الرأي في السياسة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للدولة، وفي ملفات يراها حيوية. لكن البناء فرغ من سكانه، وبقي الشعب يسدد الايجار عبر خزينة الدولة من دون ان يتلقى اي مردود على مساهمته في مؤسسة كان يمكن ان يكون لها دور أساس في حل ازماته. فالتوازن القطاعي للهيئات الـ41 يكفله القانون والنظام الداخلي للمجلس، اذ تسمي تلك الهيئات 183 مرشحا، ويعيّن مجلس الوزراء 61 عضوا منهم اضافة الى 10 اعضاء من اهل الفكر والكفايات، لتتشكل الهيئة العامة من 71 عضوا. وتقوم الهيئة العامة (71 عضوا) بانتخاب هيئة مكتب من 9 اعضاء التي تنتخب بدورها الرئيس (كاثوليكي "ميثاقياً") ونائب الرئيس (سني "ميثاقياً")، على ان يعيّن مجلس الوزراء مديرا عاما للمجلس (شيعي "ميثاقياً"). هذه إذاً الآلية القانونية لانتخاب المجلس، والتي تحتاج الى وقت ولا سيما لدى ترشيح ممثلي بعض القطاعات مثل القطاعات التربوية نظرا الى عددها (28). ورغم عدم سهولة التطبيق، طلب مجلس الوزراء ثلاث مرات في فترة غياب السنوات العشر، وتحديدا في عهد حكومات الرئيس فؤاد السنيورة وسعد الحريري ونجيب ميقاتي (في كانون الاول 2011)، تسمية مرشحي الهيئات من دون ان تفضي الظروف في حينه الى اعادة احياء المجلس، بما يدفع الى التساؤل عن المستفيد من غياب ذاك الدور. الحاجة في الشأن الاقتصادي والاجتماعي كبيرة. فالاحوال العصيبة التي يعيشها المجتمع نتيجة إهمال المعالجات تحت ضغط المناخ السياسي المتشنج، دفعت حكومة الرئيس ميقاتي الى انشاء "لجنة الحوار المستدام" بقرار رقم 64/2012 لتضمّ اطراف الانتاج اي اصحاب العمل (الهيئات الاقتصادية) والعمال (الاتحاد العمالي العام) برئاسة وزير العمل. وهدفت الى ايجاد مساحة حوار لـ"ترسيخ اجواء التهدئة والتعاون في ما بين طرفي الانتاج وتفعيل الحوار بينهما في شأن مختلف الشؤون والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والصحية وسواها التي يتشاركان في المسؤولية بشأنها". وكذلك، اراد الرئيس ميقاتي ان تكون السرايا مضيفة لحوار مع اهل البيت الاقتصادي، فكان رئيسا لاجتماعات ضمته الى اركان الهيئات الاقتصادية. ولكن، يخشى ان توحي تلك اللقاءات بانها قد تكون بديلا لهيئة لا يمكن استبدال دورها او صلاحياتها الممنوحة لها بالدستور والميثاق، ولا سيما ان تجارب اللجان مريرة لانها لم تحمل في اي مرة الحلول المرتجاة. في اي حال، فان ما تردد عن رغبة رئيس الجمهورية في دفع ملف اعادة احياء المجلس الاقتصادي الاجتماعي وجد آذانا صاغية لدى المراجع الروحية والرسمية المعنية، بما يؤشر الى انفراج يخشى ان يضع قرار البتّ في شأنه في مساواة سلة التعيينات. فلبنان متأخر عشر سنوات عن القيام بواجبه في اعادة تعيين الهيئة العامة بما شلّ عمل المجلس طوال تلك الفترة. فاذا كان مَن يرغب في تصحيح التوازن الطائفي والمذهبي (ما دام التوازن القطاعي مؤمن بالقانون)، فان نسب التمثيل في مجلس النواب يمكن ان تشكّل الحل المطلوب كي لا يكون ذلك معوقا جديدا لتنفيذ قرار انتجه التوافق الرسمي والروحي على اعادة احياء المجلس. فهل تصدق الدولة مع نفسها وتبرر تقاعسها امام المجتمع عن حل مشكلاته؟ ام تمضي في تفريخ لجان حوارية في محاولة لم تعد تقنع اعضاءها؟ المجلس الاقتصادي الاجتماعي على موعد مع اطلالة جديدة لدور فاعل في زمن الركود الاقتصادي. فهل يُمنح فرصة الدفاع عن صورته كمؤسسة قادرة على ضخّ دم جديد يكفل إحداث تغيير في سلة المطالب واقتراحات الحلول الناجعة للازمات المتراكمة؟