مقالات صحفية مختارة > ضمان الشيخوخة" تتناسل باطراد منذ العام 1975
" الخلاف حول إدارة "نظام التقاعد" ينذر بإقامة طويلة في اللجان النيابية
> كتب حسن الحاف في جريدة السفير بتاريخ 28-7-2012
يستحق مشروع قانون "نظام التقاعد والحماية الاجتماعية"، أو ما يصطلح على تسميته "ضمان الشيخوخة"، لقب "عميد المشاريع" التي أحيلت على مجلس النواب كيلا تقرّ. إذ وضع أول مشروع في هذا الصدد في أيار من العام 1975. فآنذاك أعدت إدارة "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" بالتعاون مع "منظمة العمل الدولية"، مشروعاً سُمّي "ضمان الشيخوخة والعجز والوفاة". وقد سقط أمام معارضة "الاتحاد العمالي العام" في حينه. ومذّاك راحت المشاريع تتناسل من بعضها بعضاً، وصولاً إلى المشروع الأخير الموجود اليوم في اللجان النيابية. ويمكن الذهاب بعيداً في تعداد أسباب هذه المماطلة المنهجية، فضلاً عن خلفياتها المتعددة الطرف، بما يكفي لملء عشرات الأبحاث والمجلدات. وعلى الرغم من تغيّر وجوه النواب الذين تعاقبوا على دراسة المشروع الأخير في اللجان، إلا أن ما من بارقة أمل بإنجازه تلوح في أفق النقاشات الجارية حوله اليوم في اللجنة الفرعية المكلّفة درسه. حتى الخبر الذي يلي أي جلسة من جلسات دراسته يكاد يقتصر على أسماء الحاضرين وعلى عنوان الجلسة، بلا زيادة أو نقصان. ذاك أن طابعه الاجتماعي الصرف يجعله غير جذّاب في نظر غالبية عريضة من ممثلي الكتل النيابية. إذ يزن هؤلاء الموقف من المشروع ومن جدواه، لا بميزان ملايين اللبنانيين من الفقراء ومتوسطي الدخل الذين سيستفيدون منه، وإنما بمقياس مصالحهم الخاصة.. الشديدة الضيق بطبيعة الحال. ولا حاجة إلى التنجيم ها هنا للكشف عن المخفي في هذه المواقف. فواقع الحال يثبت، على نحو لا يرقى إليه الشك، أن غالبية نواب الأمة أصحاب عمل، وليسوا بسيطين إلى هذا الحد كي يسمحوا بإمرار قانون يعاكس مصالحهم. ويرى وزير العمل السابق شربل نحاس أن النقاط الخلافية بين مختلف الكتل النيابية، فضلاً عن أطراف الإنتاج الثلاثة كثيرة ومعقدة. ومنها، تمثيلاً لا حصراً، من يشمل النظام؟ وما علاقة الدولة به؟ هذا علاوة على طبيعة إدارته وما إذا كان يجب أن تكون مستقلة أم خاضعة لإشراف "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي". إذ، طيلة الفترة السابقة، يقول نحاس لـ"السفير"، قامت الحكومات المتعاقبة وعبر مجالس النواب بـ"إقرار قوانين لتقسيط ديون الضمان على الدولة. وكان الضمان يقوم بتوظيف تلك الأموال بدوره في سندات الخزينة. وهذه العملية كانت تتكرّر لسبب واحد، تزوير القيمة الدفترية للدين العام". وتأسيساً على ما تقدم، "يغدو أي كلام عن إنشاء صندوق للتقاعد يحوي في قلبه قجّة مالية كبيرة ضحكاً على الذقون فحسب. فما دامت القوانين تلك تتوالى، ولم يعمل حتى اللحظة على إلغائها بمفعول رجعي، فهذا يعني ان المراد من إنشاء النظام لا يمت بصلة إلى طبيعة الدور المنوط به، والى الفلسفة التكافلية التي ينهض هذا الدور عليها". كذلك، يجب ألا ينسى أحد، برأي نحاس، أن "إدارة الضمان تتلكأ في استعمال حقّها في اللجوء إلى المجلس الدستوري لمقاضاة الدولة بتهمة التخلف عن سداد التزاماتها. ويقترن هذا التلكؤ مع نهج مخالف للقانون تكرّس خلال السنوات الأخيرة، ومؤداه السحب من تعويضات نهاية الخدمة لتغطية العجز في فرع المرض والأمومة". لكن، ما علاقة هذه السياسة بإنشاء نظام للتقاعد؟ يشرح نحاس أن "ثلث العاملين في لبنان أجراء. وأن 20 في المئة من هؤلاء مسجلون في الضمان. فيما البقية الباقية من الأجراء إمّا غير مصرح عنها، أو انها من غير الأجراء". وبموجب ذلك "من الطبيعي أن تنشأ من جراء الادخار الإلزامي الناتج من أحكام النظام كتلة رأسمالية كبيرة، تقاس بمليارات الليرات، تثير شهية الجميع، دون استثناء. ويصير بمقدور فرع ضمان المرض والأمومة أن يسحب من هذا الصندوق الجديد لتغطية عجوزاته، عوض السحب من تعويضات نهاية الخدمة بهذا الشكل الفاقع المخالف لقانون". ويخلص نحاس من ذلك إلى القول "ان كل مقولة التكافل الاجتماعي تغدو أمام ما تقدم بلا أساس". كلام بلا طائل ولا يبدو النقابي أديب أبو حبيب أكثر تفاؤلاً من نحاس في ما يخص إقرار "نظام التقاعد والحماية الاجتماعية" في المدى المنظور. فـ"النظام كان يفترض به أن يحل محل نظام تعويض نهاية الخدمة الذي بدأ تنفيذه في 1/5/1965. إذ نصت المادة 49 من قانون الضمان الاجتماعي على ما يلي: إلى أن يسن ضمان الشيخوخة، ينشأ صندوق لتعويض نهاية الخدمة (...)". لكن، يضيف أبو حبيب، منذ إنشاء "الضمان" حتى اليوم "لم يطرح الموضوع جدياً للنقاش، بهدف الإقرار. وكانت النقاشات حوله تتناسل بعضها من بعض وتتكرر بلا طائل". ومن موقعه النقابي، يرى أبو حبيب أن "مشاريع القوانين التي طرحت منذ السبعينيات حتى اليوم لا تأخذ بالاعتبار مصلحة العامل، سواء لجهة استفادته من معاش تقاعدي لائق، أو لجهة استفادته من ضمان صحي بعد إحالته على التقاعد". والمشروع الأخير "لا يلحظ استفادة العمال الذين لم يسجلوا في الضمان لـ15 سنة تراكمية. فيما القوانين الأوروبية، على سبيل المثال، تتيح للعامل أن يشتري السنوات الناقصة كشرط للاستفادة من التقاعد والتغطية الصحية". كذلك، تعتبر مسألة تحديد الحد الأدنى للمعاش التقاعدي نقطة خلافية أساسية، برأي أبو حبيب. إذ "يجب ألا يقل المعاش التقاعدي عن الحد الأدنى للأجر المعمول به، ويجب أن يشكّل 60 في المئة في أقل تقدير من أفضل ثلاث سنوات على مستوى الأجر الذي يتلقّاه". والى هذا وذاك، من الطبيعي أن يتيح النظام الجديد للمسجلين على عاتق المتقاعد من زوجة وأولاد أن يستفيدوا من التعويضات العائلية". وبرأي أبو حبيب "يخضع موضوع إدارة الصندوق، أكان بإشراف الضمان، أو عبر صندوق مستقل، للتجاذبات السياسية، بما يغيّب أي نقاش جدي حول جدوى هذا الخيار أو ذاك". والحال أن "ما يثير الخوف من الإدارة المستقلة احتمال أن تكون سياسة مرسومة لضرب فرع ضمان المرض والأمومة، الذي يتعيّش منذ سنوات على تعويضات نهاية الخدمة. فمن شأن حرمان ضمان المرض والأمومة من خط إمداده الأساسي من دون معالجة عجزه المزمن أن يؤدي إلى تطييره تماماً". ولا يكفي، ها هنا، تبريراً للقول بضرورة الإدارة المستقلة نسبة هذا العجز إلى فشل الضمان، يقول أبو حبيب. فـ"فشل الضمان له أسبابه المعروفة للجميع. وعلى رأسها سياسة الطبقة الحاكمة التي تجلت على امتداد كل الحكومات المتعاقبة". "النظام يجب أن يخضع للضمان" أمّا رئيس "الاتحاد العمالي العام" غسان غصن فيرى ان النقاشات الجارية اليوم في اللجان النيابية تتجه نحو تحقيق تقدم نوعي في المساعي الهادفة إلى إنجاز نظام التقاعد. وبرأيه "يتمركز الخلاف الأساسي حول نقطة من يدير هذا النظام: الضمان الاجتماعي أم هيئة مستقلة؟". "النص القانوني جليّ، ولا يترك مكاناً للاجتهاد"، يقول غصن. إذ "ينص على تعديل المادة 49/1 في اتجاه إحلال نظام للتقاعد والحماية الاجتماعية محل نظام تعويض نهاية الخدمة. ما يعني، استطراداً، ان النظام الجديد جزء لا يتجزأ من الصندوق الوطني للضمان، وإنما يتمتع بكيانية مالية وإدارية مستقلة تتلازم مع الحفاظ على وحدة الصندوق". ففي نهاية المطاف، يقول غصن، "يرتبط نظام التقاعد ارتباطاً عضوياً ببقية فروع الضمان. ومن شأن خضوع النظام الجديد لإشراف الضمان أن يسهل التواصل بين هذه الفروع، وأن يسهل تبادل المعلومات بينها أيضاً، بما يخدم مصلحة المضمون، والمتقاعد تالياً. فالنظام الجديد عبارة عن نظام اجتماعي قائم على مبدأي التكافل والتضامن الاجتماعيين وليس شركة تأمين خاصة تبتغي تحقيق الربح حصراً". وقد طرح الاتحاد، على ما يقول غصن، أكثر من تعديل على نص المشروع الأصلي، بعضها أدرج في نص المشروع وبعضها لا يزال يخضع للنقاش في جلسات اللجنة المكلفة. ومن بين تلك التعديلات: - أن لا يقل الحد الأدنى للمعاش التقاعدي عن 80 في المئة من الحد الأدنى للأجور، أو متوسط الأجور المصرح عنها في حال تجاوز الأجر الحد الأدنى. ونسبة 80 في المئة تتطابق مع النسبة المعمول بها في الصناديق التقاعدية الخاضعة للدولة. - أن يستفيد من لا يلحظهم النظام الجديد (الذين تتجاوز أعمارهم الـ55 حصراً) من ضمان المرض والأمومة بعد بلوغهم سن التقاعد وحتى وفاتهم. - أن يكون النظام الجديد خاضعاً لضمانة الدولة، بحيث لا يتعرض للإفلاس، وتالياً يُترك المتقاعدون لمصائرهم، كلّما عصفت أزمة بالاقتصاد الوطني. - أن يشمل النظام الخاضعين لقانون العمل أولاً، ومن ثم يستكمل النقاش حول الفئات الخاضعة لقانون خاص. ما يعني أن النظام يشمل كل المضمونين الذين تقل أعمارهم عن الـ55، فيما يستفيد الآخرون جميعاً بلا استثناء من ضمان المرض والأمومة بعد بلوغهم سن التقاعد.