يؤخذ على المعلمين أنّهم هواة إضراب وعلى حركتهم أنّها ترفع القضايا المطلبية دون التربوية. لم يكن هذا ليحصل، بحسب القيادات النقابية، لو كانت هناك سياسات حكومية تحفظ للمعلمين موقعهم الوظيفي بما يتناسب مع خصوصية مهنتهم
كتبت فاتن الحاج في جريدة الاخبار بتاريخ 30-7-2012
في كل مرة يذهب فيها المعلمون إلى الإضراب والتظاهر يسأل كثيرون لماذا تضطر هذه الفئة الاجتماعية مراراً وفي كل عام دراسي لاتخاذ خطوات سلبية قد تتوّج بمقاطعة التصحيح في الامتحانات الرسمية، فترهن بيدها مصير مئات الآلاف من التلامذة؟ يحارون على من يضعون الملامة: أهو المعلم الذي يجب أن يُلام أم أنّها السياسات الحكومية التي تترك الأزمات تتفاقم في أدراجها فتصير معضلات؟ الواقع أنّ المعلمين يشعرون بأنّ حقوقهم تنتزع وتنتهك كل يوم فيعيدون الكرة لمواجهة سياسات تجرجر مطالبهم من إضراب إلى آخر، فيما تضع الحكومات كرة النار في ملعبهم «حيث يتحول التلامذة إلى كبش محرقة». ما هو الواقع التاريخي لحركة المعلمين وظروف نشأتها وتطورها؟ وهل فعلاً العمل النقابي للمعلمين لا يأبه للشأن التربوي؟ يقول الخبير التربوي عدنان الأمين في مقالة له عام 1979 إنّ «الهاجس الرئيسي للمعلمين هو الترقي الاجتماعي، فهم يضعون أنفسهم في منتصف السلّم بين الكادرات العليا من جهة وبين العمال والفلاحين من جهة ثانية. هذا التصنيف يشعرهم بالغبن ويطبع خطابهم المطلبي باتجاه تحسين أجورهم من جهة وتطوير ثقافتهم وتحصيلهم العلمي من جهة ثانية بغية الارتقاء. والمعلم من الفئات المتوسطة التي لا ترى مخرجاً لوقوفها في منتصف السلم الاجتماعي إلّا عبر الثقافة وتحصيل الشهادات». هكذا، اكتسبت حركة المعلمين في القطاعين الرسمي والخاص، في أدائها وشعاراتها، أهمية في فترة ما قبل الحرب الأهلية، حيث طرح المعلمون قضايا مهنية وتربوية ذات صلة بالتعليم في لبنان. ويبين د.عماد سماحة في أطروحته عن «جدلية الحركة والوعي بين أفراد الهيئة التعليمية في لبنان» كيف شكل هؤلاء حالة لافتة لا سيما مع انتشار التعليم الرسمي في الحقبة الشهابية (1958 ـ 1970) حتى بداية الحرب حيث سعوا إلى إصلاح النظام التربوي عبر تعزيز قدرة المدرسة الرسمية على الانتشار الأفقي في المناطق وطرح «ديمقراطية التعليم ووطنيته» وشعارات تعكس الطبيعة السياسية والاقتصادية والثقافية لتلك المرحلة. يومها، أدت الأحزاب والقوى السياسية دوراً بارزاً في دعم الحركة النقابية للمعلمين من خلال الأجواء التي وفرتها على الصعد السياسية والمطلبية حتى عشية الحرب. ومع أنّ حق التنظيم النقابي بقي مطلباً تاريخياً لم يتحقق حتى الآن بمعنى أنّ المعلمين وتحديداً في القطاع الرسمي لم يمتلكوا هيئة نقابية ذات هيكلية وأنظمة وصلاحيات، فإن ذلك لم يمنع حركتهم من الحفاظ على مسيرتها التصاعدية، كما يقول. وهم، أي المعلمون، وإن وقعوا كأفراد تحت تأثير الهيمنات الطائفية والحزبية، إلّا أنّهم كجماعة بقوا أعصياء على الانقسام الطائفي والمناطقي وقد ظهر ذلك من خلال التحركات الناجحة التي خاضتها الحركة في أعتى ظروف الانقسام الأهلي حيث كانت بيانات روابط المعلمين تمثل التوجيه شبه الملزم للمعلمين الذين لا تواصل بين مناطقهم. السبب، بحسب سماحة، أنّ غالبية المعلمين كانوا يعتقدون بصحة الرؤية المهنية لدى قياداتهم النقابية ويثقون بخبرتها في إدارة وتوجيه تحركاتهم وبقدرتها على المناورة في الظروف العصيبة، مستندين في هذه الثقة إلى تجربتهم الطويلة معها في تحقيق المطالب وإنجاز المكتسبات المتلاحقة. ما تغيّر عبر الزمن، يقول سماحة، هو نطاق الخطاب التربوي النقابي الذي كان يتضمن قضايا سياسية وتربوية ومطلبية ليصبح اليوم مقتصراً على أمور مطلبية «التوحد يبرز عملياً في معظم تحركات المعلمين المتعلقة بأوضاعهم الوظيفية والمعيشية، ما يشير إلى علاقة ما كانت تربط هذه التحركات بالوعي القطاعي والفئوي للهيئة التعليمية التي كانت تنهي تحركاتها بعقد تسويات مع السلطة السياسية غالباً ما تقتصر على معالجة مطالب معيشية ووظيفية أكثر منها تربوية وتعليمية». وهنا يتحدث الأمين عن منحنى معين لزخم تحركات المعلمين، ولهذا المنحنى قمم أو محطات (1973، 1982، 1987 ـ1988، 1991) وله منحدرات في الأزمنة الباقية. أما الصورة العامة، برأي الرجل، «فهابطة مع التقدم في الزمن نحو يومنا هذا. ثمة صمود لوحدة العمل النقابي للهيئة التعليمية من جهة، وثمة تراجع للتعليم الرسمي وضخ متمادٍ للمعلمين في المدارس الرسمية على قاعدة الشروط المتدنية من الإعداد المهني من جهة ثانية (من التعاقد على أساس الولاءات السياسية إلى دورات تدريبية وإعدادية سريعة للتعيين)». هنا مع تجاور هذه الوقائع لا يكفي القول، بحسب الرجل، إنّ العمل المهني يدفع ثمن العمل النقابي، بل السؤال ما إذا كان العمل النقابي لا يأبه أحياناً للشأن التربوي أم إذا كان يشرّع اجتماعياً تدني النوعية، وهذا هو الأدهى الذي يسميه البعض «الشعبوية». لكن القيادات النقابية ترى أنّه لا يمكن تطوير العملية التربوية إلا من خلال تحسين أوضاع العاملين فيها، فالرئيس الأسبق لرابطة التعليم الأساسي الرسمي في بيروت ابراهيم الراسي يرى أنّ جوهر قضية المعلمين يختصر بمحاولات السلطة المتكررة إلغاء خصوصية مهنة التعليم المتمثلة بعلاوة التعليم التي تميز هذه المهنة عن غيرها نظراً لطبيعتها المختلفة من نواح عدة، منها التعامل مع نفوس بشرية حساسة وليس مع أوراق ومعاملات، دقة أداء المهنة بأعصاب مشدودة طوال الدوام من تحضير للدروس وتصحيح للفروض والمسابقات وغير ذلك من الخصوصيات، إضافة إلى زيادة ساعات التدريس مقابل علاوة التعليم. التدهور الاقتصادي في البلد هو الذي عدّل، بحسب أمين الإعلام في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي فؤاد عبد الساتر، بعض عناوين التحركات التي غلب عليها الطابع المادي المتصل بحياة الناس مع انهيار الليرة. ولو أنّ «الرواتب في الدولة ارتبطت بسلّم متحرك للأجور لكانت ازدادت تلقائياً بما يتناسب مع غلاء المعيشة ولما اضطررنا إلى اعتماد السلبية». لكن ذلك لم يمنع «رابطتنا، وتحديداً بعد أخذ البدل المالي في العام 1999 (6 درجات) من الانصراف إلى الانخراط في ورشة المناهج الجديدة وتمكنت بين عامي 1998 و2004 من تنظيم 4 مؤتمرات تربوية تناولت تعديل المناهج وتطويرها والمواد التعليمية والخريطة المدرسية ونظام التقييم التربوي وتحسين شروط التعليم الثانوي». وإذا كان المعلمون يجزمون أنّهم سينصرفون إلى متابعة قضاياهم التربوية بعد إعطائهم السلسلة، لا يذكر عبد الساتر تاريخاً واحداً يشهد أن مطلباً واحداً تحقق بالمراجعات مع المسؤولين من دون إضرابات واعتصامات. ويشرح هنا كيف أن روابط المعلمين لا تعدم وسيلة إلّا وتستخدمها قبل الوصول إلى مقاطعة الامتحانات الرسمية، وهذا أمر لا يدركه جزء لا بأس به من الرأي العام. وفي التحرك الأخير «عقدنا 5 مؤتمرات صحافية وسلمنا 4 مذكرات للمسؤولين إضافة إلى العديد من الاجتماعات والمفاوضات». ________________________________________ «السلسلة» الأسيرة يدخل تحرُّك سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام شهره الثاني حيث ينتظر أن يطلع وزير التربية حسان دياب، اليوم، هيئة التنسيق النقابية على أرقام السلسلة قبل أن تناقشها اللجنة الوزارية بعد غد الأربعاء. وقد نفذ طلاب من البريفيه والثانوية العامة للمرة الثانية اعتصاماً أمام وزارة التربية للمطالبة بفك أسر نتائجهم، رافضين أن يذهبوا فرق عملة بين الحكومة والأساتذة. أما قطاع المعلمين في الحزب الشيوعي فرفض تهديد اللجنة الوزارية الموسّعة بتطبيق المادة 15 من المرسوم الاشتراعي 112 التي تقضي بصرف الموظفين المضربين، مؤكداً أنّ مفعول صلاحيّة هذه المادة قد انتهى منذ زمن، وجرى دفنها بنضالات الأساتذة والموظفين. وأدان القطاع ما سرّب عن جو الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الذي تناول هيبة الدولة والتلويح بإجراءت ضد أعضاء هيئة التنسيق والأساتذة الممتنعين عن التصحيح، واستخدام بعض الوزراء ألفاظاً لا تليق بأستذتهم. من جهتها، دعت دائرة الثانويات في مصلحة الطلاب في القوات إلى تجمع أمام قصر الأونسكو، السادسة والنصف من مساء بعد غد الأربعاء، لمطالبة الحكومة بإيجاد الحل الذي يضمن حقوق الأساتذة والطلاب.