يحصي الاتحاد العمالي العام عشرات المؤسسات التي لم تدفع زيادة غلاء المعيشة لموظفيها. أرسلت اللائحة إلى مديرية التفتيش في صندوق الضمان لكونها تتضمن مخالفات عديدة تتعلق بعدم التصريح عن العمال للضمان وبحرمانهم حقوقهم كافة. أما العمال المطالبين بهذه الحقوق فقد سمعوا إجابة واحدة: إذا لم يعجبكم فارحلوا! كتب محمد وهبة في جريدة الاخبار بتاريخ 3-8-2012 يسجّل المعنيون، يومياً، مخالفات جديدة لمرسوم تصحيح الأجور الذي صدر في شباط 2012. آلاف العمال والأجراء في مئات المؤسسات لم يحصلوا على الزيادة التي أقرّتها الحكومة. عندما طالبوا بحقوقهم هدّدهم أصحاب العمل بالصرف وبات مصير عائلاتهم متوقفاً على استمرارهم في العمل، فتراجعوا عن مطالبهم، وعن أي حملات تصعيدية كانوا يعتزمون القيام بها. وقد بدأت لوائح أسماء الشركات التي لم تلتزم مرسوم تصحيح الأجور، تتكشف تدريجاً. لدى الاتحاد العمالي العام لائحة تضمّ عشرات المؤسسات، وقد أرسلها إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حيث أحيلت على التفتيش، ولا سيما أن مخالفات أصحاب العمل لا تقتصر على الامتناع عن دفع زيادة غلاء المعيشة، بل تتجاوز ذلك إلى «سرقة» حقوق العمال من تقديمات وحقوق مختلفة. تُظهر لوائح الاتحاد العمالي أن ممارسات أصحاب العمل الساعية إلى سلب العمال حقوقهم متشابهة جداً. فبعضهم كان يدّعي أنه لا طاقة اقتصادية له لإعطاء عماله زيادة غلاء المعيشة، فيما هو يحقق أرباحاً هائلة، وقد زاد أسعار مبيعاته مرّات عدّة رغم أن أجور موظفيه لا تزال على حالها منذ سنوات. وآخرون يزعمون أن لديهم «قدرة خارقة» على تفسير مرسوم تصحيح الأجور، ليظهر أن تفسيراتهم تتناسب مع ما يحافظ على مصالحهم، ويعزّز موقفهم الرافض لدفع الزيادة. وهناك عدد من أصحاب العمل استغلّ هذا الوضع ليصرف العمال الذين كان يخطّط سابقاً لصرفهم... باختصار، كان الجميع يقضم من جيوب العمال ليضع في حساباته التجارية أرباحاً إضافية. لائحة الاتحاد تضم 35 شركة. عدد قليل منها دفع زيادة غلاء المعيشة إلى أجرائه بعد مفاوضات وضغوط، إلا أن العدد الأكبر لا يزال يمتنع عن هذا الأمر. ومن أبرز هذه المؤسسات، بحسب لوائح الاتحاد العمالي، 4 مستشفيات خاصة، شركة حلويات، وسلسلة شركات تجارية وصناعية وهندسية. فبحسب الشكاوى الواردة إلى الاتحاد، وزّع مستشفى جبل لبنان رسالة داخلية على الموظفين يشير فيها إلى أنه سيدفع زيادة «محسومة»، أي «على ذوقه»، وفيما لا يزال المستشفى اللبناني الكندي يرفض دفع الزيادة، لم تفلح المفاوضات مع مستشفى «Bellevue » في إقناع الإدارة بوجوب تطبيق مرسوم تصحيح الأجور، فضلاً عن أن هناك نحو 500 موظف وعامل لدى مستشفى الساحل يعانون المشكلة نفسها. وهناك عشرات من الأجراء الذين يعملون في «الوظائف الأدنى» التي لا تتطلب إنتاجية عالية أو كفاءة أكاديمية مميزة، مثل الوظائف التي توفرها شركات الأمن الخاص.. إلا أن بعض شركات الأمن مثل «سيكوريتاس» و«ميدل إيست سيكيوريتي» رفضت دفع زيادة الأجور لموظفيها! أما على صعيد المجمعات التجارية الكبرى التي انتشرت على الأراضي اللبنانية كالفطر خلال العقد الماضي، فعدد كبير منها لم يدفع الزيادة أو دفعها منقوصة مستخدماً الضغط على الموظفين. وعلى سبيل المثال، ووفق لوائح الاتحاد العمالي، فإن سوبرماركت «فهد» لم تدفع الزيادة بعد. وفي السياق نفسه، تصنّف لائحة الاتحاد عدداً من المؤسسات الممتنعة عن دفع الزيادة، فتشير إلى أن «حلويات الإخلاص» لم يسدّد لأي من موظفيه الزيادة رغم أن بعضهم يعمل لديه منذ أكثر من 12 سنة لم يحصلوا خلالها على اي زيادة. وبحسب مصدر مطلع على هذا الملف، فإن أحد مفتّشي الضمان زار هذه المؤسسة «وشرب القهوة هناك وخرج من دون أي مفعول يُذكر!». يوضح المصدر نفسه أنّ الموظفين الرسميين الذين زاروا المؤسسة على مدى الفترات الماضية يتموّلون بصورة مجانية منها بالحلويات على مدار السنة مقابل تغاضيهم عن بعض المخالفات وتسهيل شؤون أصحاب العمل في الدوائر الرسمية». ويقول المطلعون إن «الإخلاص» يوظّف 280 عاملاً غالبيتهم غير مضمونين ولديه 4 فروع (شتورا، صور، بيروت، صيدا)، وقد زاد أسعاره مرّات عدّة خلال السنوات الماضية لتزيد أرباحه مرّات أيضاً. ومن المؤسسات التجارية إلى المؤسسات الصناعية. توضح لوائح الاتحاد العمالي العام أنّ عمال مصنع حديد «Alinco» وشركة «سيمانور انترناشيونال» في صيدا لم يحصلوا على حقوقهم. ويعاني موظفو مدرسة راهبات الوردية المشكلة نفسها، وموظفو متاجر «ألدورادو»، و«مؤسسة الرضا» في بعلبك، وشركة «آركوم الموسوي»، وسلسلة مطاعم «Le Rouge» وشركة «المطابخ الحديثة» وسلسلة مطاعم «ماكدونالد». ليست هذه لائحة بكل أسماء المؤسسة التي لم تدفع زيادة الأجور، بل هي لائحة أعدّتها جهة واحدة هي الاتحاد العمالي العام استناداً إلى بعض الاتصالات الهاتفية. وبحسب المعنيين بهذا الملف، هناك مئات المؤسسة النظامية التي ترفض سداد زيادة غلاء معيشة لموظفيها، وهذا ينطبق على مئات الشركات الأخرى غير النظامية، أي التي ينطبق عليها تعريف «الشركات العاملة في السوق الموازية». غالبية هذه الشركات لا تصرّح عن موظفيها للضمان الاجتماعي، وتحرمهم التعويضات العائلية وتعويض نهاية الخدمة والطبابة والإجازات السنوية والزيادات الإدارية... إذ وفقاً للدراسات التي نُشرت في فترة التفاوض حول تصحيح الأجور تبين أن نسبة هائلة من أجراء القطاع الخاص في لبنان غير مسجّلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. واللافت في موضوع امتناع المؤسسات عن دفع زيادة الأجور، أن أصحاب العمل يعمدون إلى تفسير مرسوم تصحيح الأجور «على ذوقهم»... وكلهم يبتزون العمّال بإجابة واحدة: اعملوا بالأجر الذي ندفعه الآن أو ارحلوا فهناك المئات غيركم ممن يريدون العمل! أين وزارة العمل من كل هذا الأمر. هل تحرّكت دوائرها للكشف على المؤسسات والشكاوى أم أن مفتشيها يأكلون الحلويات أيضاً؟ ________________________________________ 8000 ليرة بدل النقل اليومي الذي يدفع لكل أجير عن حضوره الفعلي إلى العمل. يُطلق عليه «ملحقات الراتب» في إطار صيغة غير قانونية اعتُمدت منذ 1996 ________________________________________ 6 أشهر الفترة التي مضت على إقرار مجلس الوزراء المرسوم رقم 7423 الذي يرفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 675 ألف ليرة، بعدما كان «عرفياً» 500 ألف ليرة ________________________________________ 43% نسبة الأجراء في القطاع الخاص الذين لا يحصلون على بدل نقل وفقاً لدراسة أعدها البنك الدولي بالتعاون مع مؤسسة البحوث والاستشارات عام 2010 ________________________________________ اتفاق «خارج عن الرضى» أبصر مرسوم تصحيح الأجور النور بعد اتفاق بين أصحاب هيئات العمل والاتحاد العمالي برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (الصورة) وقد عُرف بـ«الاتفاق الرضائي». إلا أنه في الواقع، كان اتفاقاً التفافياً على وزير العمل المستقيل شربل نحاس، الذي أصرّ على ضمّ بدل النقل إلى أصل الراتب قبل أي زيادة. وينص المرسوم على زيادة بنسبة 100% على الشطر الأول من الأجر حتى 400 ألف ليرة على ألا تقل عن 375 ألف ليرة، و9% على الشطر الثاني حتى 1.5 مليون ليرة. اقتصاد العدد ١٧٧٤ الجمعة ٣ آب