«يا عمال لبنان اتحدوا..». هل قرأ أحد هذه اللافتة؟ هل شعر أحد أن في لبنان اليوم، عمالاً حقيقيين، أساتذة جديرين، ميـاومين صامدين، وأنه من اللائق استعادة شعار «يا عمـال لبنان»، و«يا نقـابيي لبنـان» و«يا ميــاومي لبنان» اتحدوا. لا مبالغــة أبداً في أن إرهاصــات نقابيــة قد أعلــنت عن نفسها، بأرباح زهــيدة. ولكن بعــناد ومـثابرة وكفاءة، افتقدها لبنان، بعدما غرق في السـخف السـياسي والجلف الطائفي والترف الكلامي، والتلف الأخلاقي. من يصدق أن في لبنان اليوم، أملا جديداً، وبصيص حالة نهوض مطلبية، تطهرت بنسبة كافية، من التلوث الطائفي؟ الزمن السياسي اللبناني حافل بالخسائر. القول السائد كان حتى الأمس: لا جدوى من هذا النظام وهذا الكيان وهذا الوطن وهذه الطغمة السياسية، وهذه الثقافة التناقضية، وهذه البلطجة المالية، وهذه المافيات الحاكمة والمستحكمة والمحكومة بمرجعيات لا تمت إلى اللبنانيين بصلة ديموقراطية. رجالات الزمن السياسي اللبناني أتقنوا الخديعة وروجوا للعجز وتفوقوا في اقتناص الفرص والبناء على الخسائر، واستهداف الغنائم، في عز سطوة الإفلاس.. لم يرزق اللبنانيون في زمنهم، غير الخيبات، وعمموا قناعة مفادها، أن كل شيء مستحيل في لبنان أن يتقدم أو يتحسن أو يجد حلاً... رجالات الزمن السياسي اللبناني بعد الحرب، امتهنوا صناعة القطعان. روّضوا المتمردين، دجّنوا اليساريين، أقعدوا القوميين، أكثروا المفكرين، أغروا الحزبيين، ألحقوا المتدينين، وسطيين ومعتدلين وسلفيين، وقالوا لقوى التغيير: «تغيري»، فتغيرت وصارت ترقص في قصور السلطة، رقصة الطوائف العرجاء. رجالات الزمن السياسي اللبناني بعد الحرب، جوّفوا المؤسسات، أفرغوها من ناسها الحقيقيين، وملأوها بأزلام، يدارون «بالأمر بالمنكر والنهي عن المعروف». احتلوا النقابات بعدما جرفوها وأجّروها لتيارات طائفية وزعامات، لا صوت يعلو فوق صوت معاركها الـقذرة، وحوّلوا طاقات الانتاج إلى سلع رخيصة تباع بالقطعة في أسواق المحاصصة والغلبة الدائمة لقوى الجمود... إلى الأبد. غير أن خارج القطيع المتهالك ولاءً ونفاقا وتأييداً وتشبيحاً، من قرر أن يغامر ويخرج على الملأ اللبناني اليائس، شاهراً صوته: «هذا حقي وأريده».. من يصدّق ذلك؟ العادة اللبنانية السائدة، دفع الأمور إلى التطييف. دفع الطائفية إلى وأد الحقوق. توظيف التطييف، لإعادة المغامرين إلى رشدهم الطائفي. من يصدّق ذلك؟ كان علينا أن نكون مجانين، لنصدق أن في لبنان إرهاصات حركة نقابية، كان علينا أن نصحو من الإدمان على يأسنا العتيق، لأن في لبنان عمالا لا عملاء. عمالاً جديرين بعرقهم وتعبهم وحقوقهم، لا يبيعونها لمرتزقة السياسة ولصوص الطوائف ومافيات المال... وكان علينا أن نصدّق، ان في لبنان أساتذة جديرين بشهاداتهم وبراءات اختصاصهم وأحقية مطالبهم وكرامة مهنهم (ولكم أذلت على أيدي الساسة؟) وأنهم قادرون على تلقين الطغمة المسيطرة درساً في الرضوخ (ولكم هو ممتع أن تخضع سلطة سادية للقوة الأضعف؟). أما بعد، فلدينا دروس: 1) لبنان ليس مرهونا لعتمة السياسيين إلى الأبد. لبنان ليس مشاعاً للأقوى والمتمكن والماهر والفاسد والقناص، خريجي الطوائف وقادتها. 2) لم يعد النضال المطلبي مطيّة. فإذا كانت النقابات مؤجرة لغير أصحابها وموظفة عند أرباب المال والطوائف ومصادرة لتكون ضد الناس وحقوقهم، فإن ما جاء به «المياومون» والأساتذة، دليل على أن أملاً قد ولد... وقتله ليس هيناً. 3) ليست كل الطرق تؤدي إلى روما، ولا كل القضايا تصادرها الطوائف وتحرفها عن مسارها النبيل. قادة النضال المطلبي الجدد، وجماهير هذه القضايا، كانوا عابرين للطوائف، ومتشبثين بالمشترك من المصالح في ما بينهم... من حاول سرقة تمثيلهم فسيفشل. ومن تبرع لقطف أتعابهم فسيخسر. 4) هو درس بصيغة أسئلة: متى يكف أساتذة الجامعة اللبنانية عن دعوة السياسيين للتدخل في أمورهم؟ حتى يعود اليسار إلى رشده الاجتماعي، ويطــلق لعبـة الدكاكين السياسية الطائفية، طمعاً بنصيب أو منصب أو حصة؟ 5) صار لدى اللبنانيين قدرة على ممارسة سياسة الاستخفاف بالسياسيين والطغمة الحاكمة. جميل أن نهيل على كلامهم الصمت، وأن نفرغ منصاتهم من السماع ولا نعوّل على ما يقولونه. وسط هذا العبوس، نستطيع أن نبتسم قليلا، ونتفاءل بقناعة... فلتتكرر هزيمة السياسيين، على أيدي نقابيين وأساتذة وطلاب ونساء وربات منازل و... لبنانيين من أصول غير طائفية طبعاً.