كل المؤشرات المحققة والمرتقبة تشير إلى تزايد الضغوط الخارجية المؤثرة في أداء القطاع المالي بشكل خاص والقطاعات الاقتصادية بشكل عام، فهذا أمر واضح خلال الفصل الثاني من العام 2012، ما يهدد بمزيد من التردي في المالية العامة وفي النشاط الاقتصادي. أبرز المخاطر يظهر من خلال الهجمة الخارجية بحجة الهجوم على إيران وسوريا وتشديد العقوبات ضد الأشخاص والمؤسسات، إضافة إلى التقارير الخاصة من هيئات مدنية أميركية ذات خلفيات سياسية ومخابراتية، لها ميول صهيونية تحاول النيل من استقرار القطاع المالي والانتقال من القطاع المصرفي إلى المالية العامة اللبنانية التي تعاني صعوبات أصلاً باستهداف الديون السيادية للدولة في الأسواق الخارجية لا سيما سندات اليوروبوند مما يرفع المخاطر على لبنان. وما يساعد في تسهيل التعرض الخارجي الانقسامات الداخلية حول كل الأمور العلاجية للقضايا الأساسية من الموازنة العامة الغائبة منذ سنوات، والخلافات حول علاجات الكهرباء وتحسين الخدمات والاتصالات والمياه والتقديمات المترافقة من حركات مطلبية وصلت إلى القطاع العام الذي يضرب ضد نفسه. 1ـ أبرز المؤشرات السلبية على الصعيد المالي يعود إلى عجز ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من العام 2012 بما قيمته 1021 مليون دولار وهو كان سجل فائضاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة. هذا الواقع يعكس ضعف نمو الودائع المصرفية خلال النصف الأول من العام، مقارنة مع العام الماضي، كما يعكس ارتفاع العجز بالميزان التجاري بأكثر من 22,6 في المئة ليصل إلى أكثر من 8,7 مليارات دولار. 2ـ النقطة الثانية في المؤشرات تتعلق بحركة الرساميل الوافدة والتحويلات الخارجية والتدفقات التي وصلت إلى حوالي 7,7 مليارات دولار، وهي لم تستطع تغطية عجز الميزان التجاري على الرغم من نموها وزيادتها حوالي 1,2 مليار دولار مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2011. هذا الواقع يقود إلى القول إن المؤثرات الخارجية بدأت تصيب حركة التحويلات والودائع المصرفية، إضافة إلى الهجوم على الأوراق اللبنانية وسندات اليوروبوند في الخارج مما يضعف حركة الرساميل باتجاه لبنان والقطاع المالي. 3ـ القضية الهامة الثالثة تخص الحركة السياحية والعقارية التي تأثرت بشكل كبير وأدت إلى جمود السوق العقاري والمشاريع الكبرى التي كانت تشكل أفضل مجالات الاستثمار حتى في المشاريع السياحية التي ضرب موسمها. بمعنى آخر ان عناصر مثلث النمو الاقتصادي تأثرت جميعها بفعل الهم السياسي والشكل الداخلي، والمؤثرات الاقليمية، لا سيما الأوضاع في سوريا التي انعكست على حركة الصادرات الزراعية والصناعية إضافة إلى تأثر التبادل بين البلدين الذي يفوق الـ400 مليون دولار سنوياً. فالسياحة والتحويلات والقطاع العقاري وحركة الودائع المصرفية والتوظيفات في القطاعات الانتاجية تراجعت جميعها بشكل كبير وهي مرشحة للاستمرار في التراجع مع تزايد التوترات الأمنية والسياسية. 4ـ أما نشاط البورصة والأوراق المالية فهو ضعيف والأكثر تأثراً بحال عدم الاستقرار. كل هذه العناصر مجتمعة ومعها تردي قطاع الكهرباء والخدمات والاتصالات انعكس جموداً في حركة الاستثمارات وغياب التسهيلات ما أفقد السوق اللبنانية ميزانيتها التي تمتعت بها خلال سنوات ما قبل التطورات الاقليمية. ان نمو الودائع في شهر حزيران بحوالي المليار دولار حسن شكل نمو الودائع وموجودات القطاع المصرفي الذي لم يزد سوى حوالي 3,5 في المئة خلال النصف الأول، فهذا يعني ان الودائع تزيد بحدود مردود فوائد هذه الودائع بين الليرة والدولار. 5ـ في الموضوع المالي أيضاً هناك قضية تأخر الدولة ومؤسسة كهرباء لبنان عن دفع متوجبات شراء الطاقة من سوريا ومصر، حيث يترتب على لبنان حوالي 40 مليون دولار نتيجة تراكمات لأكثر من شهرين لمصلحة سوريا مقابل تراكمات أقل للجانب المصري حيث تخلفت كهرباء لبنان عن تسديد متوجبات نتيجة الوضع الداخلي من جهة وقضية المياومين التي عطلت الجباية وتأمين مصادر التمويل لدفع المستحقات. هذا الأمر أوقف استجرار الكهرباء من سوريا ومصر. إشارة إلى أن لبنان كان يستجر حوالي 120 ميغاوات من سوريا وحوالي 80 ميغاوات من مصر. يذكر أيضا ان الكميات المستجرة من سوريا كادت تصل إلى دير نبوح ـ عنجر قبل ان تغذي المناطق. أخطر نقطة على الاقتصاد العام والوضع المالي هي ان يعود نمو الدين العام البالغ حوالي 56,4 مليار دولار بأكثر من النمو الاقتصادي وهو أمر بدأت بوادره تعود إلى النشاط الاقتصادي العام بتراجع الصادرات والسياحة وحركة الاستثمارات وارتفاع العجز في ميزان المدفوعات. القضية الأكثر أهمية هي قضية الموازنة وضرورة إيجادها، فعلى الرغم من إقرار الحكومة مشروع موازنة العام 2012 ومباشرة التحضير لموازنة العام 2013، فإن عدم وجود الموازنة يعطي إشارات سيئة لجهة الأسواق المالية وانعكاسها على كلفة مخاطر لبنان. من هنا فإن صعوبة إقرار موازنة العام 2013 لا تقل صعوبة عن إقرار موازنة الأعوام الماضية، لا سيما أن العام 2013 سيكون سنة انتخابية وبالتالي من الصعوبة في مكان الخروج بموازنة في ظل الحملات الانتخــابية، خصوصاً أن مشكلة قطـــع الحسابات للسنوات الماضـية منذ العام 2006 وحتى 2010 لم تنجز بعد وهو أمر لا يبشر بقرب انتهائه.