من ستكون أول دولة عربية تصادق على اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين؟ تشكّل مصادقة الفيليبين على إتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين الرقم 189 الصادرة عن منظمة العمل الدولية نقطة تحوّل في النضال من أجل منح حقوق العمل الأساسية لقرابة 100 مليون عامل منزلي في مختلف أنحاء العالم. فلقد أصبحت الفيليبين الدولة الثانية بعد الأوروغواي التي تصادق على هذا الصكّ المهم، وبالتالي تصبح هذه الاتفاقية سارية المفعول خلال العام المقبل. تُعتبر الفيليبين الدولة الآسيوية الأولى التي التزمت رسمياً باحترام حقوق العمال المنزليين وهي أيضاً دولة أصل رئيسية لهذه الفئة من العمال، حيث يسافر ما يزيد عن 150.000 عامل منزلي، بمعظمهم من النساء، إلى بلدان أخرى في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط سعياً وراء أجور أفضل من أجل انتشال أسرهم من طاحونة الفقر. تدخل هؤلاء النساء منازل الغرباء في بيئة غير مألوفة، حيث يقضين سنوات في تنظيف المنازل وإعداد الطعام وتربية الأطفال والعناية بالمسنين. وفي الوقت الذي يتم التعامل مع بعضهن بالكرامة والعدالة الواجبة، يتعرّض البعض الآخر منهن بشكل روتيني للإساءة الجسدية والمعنوية الشديدة، ما يؤدي أحياناً إلى مشاكل عقلية، وإلى إصابات حادة أو حتى إلى الوفاة، فيجدن أنفسهن دون القدرة على الاحتكام إلى القضاء في ظلّ وجود أنظمة قانونية وتنظيمية مناوئة لهن. وتنطبق هذه الحال بشكل خاص في البلدان العربية، حيث تشكّل العاملات المنزليات 25 إلى 33% من العمال المهاجرين في العالم العربي والبالغ عددهم 22 مليونا، وهنّ بمعظمهن من بلدان آسيا وأفريقيا وبخاصة سريلانكا والفيليبين وبنغلادش والنيبال وإندونيسيا واثيوبيا. في معظم البلدان العربية، يتم استثناء العمال المنزليين من تشريعات العمل الوطنية، وأنظمة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وإجراءات السلامة. أما بالنسبة إلى العمال الوافدين من الخارج فيرتبطون بأصحاب العمل من خلال نظام الكفالة المُقيّد، حيث حجز جوازات سفر وأوراق الكثير منهم وخضوعهم لما يشبه «الإقامة الجبرية» الفعلية. وبالتالي، تجعلهم طبيعة عملهم غير النظامية وغير المنظّمة والمعزولة عرضة للاستغلال والإساءة، ما يؤكد الحاجة إلى اهتمام خاص. وكان من دواعي سروري في مؤتمر العمل الدولي في تموز/يونيو 2011 أن أرى أعضاء الوفود العربية يصوّتون بأغلبية ساحقة لصالح اعتماد اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين الرقم 189. والآن وقد دخلت الإتفاقية حيّز التنفيذ، يُنتظر من البلدان التي لم تصادق بعد على الاتفاقية «أن تعمل في هذا الاتجاه». وهذا يعني أن أي تشريع مستقبلي في الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية يجب أن يأخذ بالاعتبار صك العمل الجديد، وإن لم تكن الدول الأعضاء ملزمة قانوناً بعد بتطبيقه. أما الخطوة الأساسية المقبلة فهي دراسة المصادقة على الاتفاقية الرقم 189. وقد تسمح المصادقة على الاتفاقية المعنية بالعمال المنزليين للحكومات بمواءمة التشريعات الوطنية والصكوك التنظيمية الأخرى مع معيار العمل الدولي والتاريخي هذا وترسيخ قيم الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية في القوانين الوطنية ـ وهي قيم تندرج في صلب مطالب الانتفاضات العربية. لقد أحرزت الدول العربية بعض التقدم وهي تعتمد، بشكل متنام، على الممارسات الجيدة: اعتماد العقود الموحّدة، ومعالجة ظروف وشروط العمل، وتحسين أنظمة تفتيش العمل، والتفكير جدياً في تعديل أو إلغاء نظام الكفالة الشديد الانحياز. وتندرج هذه المساعي المهمة في إطار روحية هذه الاتفاقية، لكن يجب أن تكون المصادقة الهدف المنشود. في ضوء ما تقدّم، فإن مكتب منظمة العمل الدولية الإقليمي للدول العربية في بيروت مستعد لدعم هذه العملية في مختلف أرجاء المنطقة بمساعدة خبرائنا الفنيين والقانونيين والهيكلية الثلاثية الفريدة من نوعها. وبالتالي، لن ندخر وسعاً في سبيل مساعدة الحكومات، وإشراك وكالات الاستخدام وأصحاب العمل والعمل يداً بيد مع فعاليات المجتمع المدني من أجل منح العمال المنزليين الذين يتولون العناية بالأسر والعائلات حقوق العمل الأساسية أسوةً بالعمال الآخرين: العمل اللائق والحماية المناسبة؛ الأجر والمزايا العادلة؛ وساعات عمل وأيام إجازة وراحة معقولة؛ ومعلومات واضحة بشأن شروط وأحكام الاستخدام؛ واحترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، بما فيها حرية التنظيم والحق في المفاوضة الجماعية.
المدير الإقليمي لمكتب منظمة العمل الدولية الإقليمي للدول العربية في بيروت