مقالات صحفية مختارة > إصلاح السياسات الاجتماعية": لا أنظمة حماية في الصّحة.. وفي التقاعد.. وفي البطالة
مادونا سمعان – السفير 17-3-2012
أراد «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق» أمس، في المحور الثالث لمؤتمره «إصلاح السياسات الاجتماعية: من الدعم الانتقائي إلى الرعاية الشاملة» درس كيفية الانتقال من الدعم الانتقائي والحماية الجزئية إلى الرعاية المؤسساتية الشاملة، فتبين أن إمكانية حدوث ذلك، مرتبطة بتحقيق شرط وحيد هو... «تغيير النظام». فخمسون في المئة من الشعب اللبناني هم خارج أي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية والصحية (وهو رقم تداوله أكثر من محاضر في الندوات)، وليس لدى هؤلاء أمل في تغيير أوضاعهم في المدى المنظور، ما لم تدمج الهيئات الضامنة، واستمر الهدر في القطاع الصحي، واستمرت حماية الوكالات الحصرية لمستوردي الأدوية.
الضمان الصحي
في الجلسة الأولى التي أدارها النائب علي المقداد، حاول أربعة متخصصين في الشأن الصحي إيجاد سبل لتمويل التغطية الصحية الشاملة. فوجد الدكتور بهيج عربيد أن مؤسسة الضمان الاجتماعي تشكل أساساً لبناء نظام تأمين شامل، بعد عملية دمج لمختلف الهيئات الضامنة، الا في حال استمرت في واقعها الحالي، حينها يجب البحث في اعتماد آلية جديدة لخلق نظام جديد. وكشف أنه، استناداً لبعض الدراسات، ارتفعت الحاجة إلى الاستشفاء في العام 2005، لتصل الى 8,6 في المئة لدى وزارة الصحة، و12,5 في المئة في تعاونية الموظفين، و19 في المئة في الضمان الاجتماعي و25 في المئة لدى القوى العسكرية. وقد زاد استهلاك الخدمات الشعاعية والمخبرية من حوالى ثمانية في المئة من الفاتورة الاستشفائية إلى حوالى 18 في المئة. وطرح عربيد خيارات مختلفة لمشروع التأمين الشامل، يشمل أولها كل مكونات الشعب اللبناني وفئاته الاجتماعية (إلغاء دور وزارة الصحة والتكليف المعطى لها) مع التأكيد على احترام المكتسبات الخاصة بموظفي الدولة والتأمينات العسكرية. والثاني أن تحتفظ وزارة الصحة العامة بتأمين حاجات المواطنين الصحية للفئة الاجتماعية المستفيدة من مساعدات الدولة (المعوقين وفئة الأكثر فقراً)، على أن تتكفل الدولة كما هي الحال الآن بتغطية الكلفة الإجمالية للمشروع. وتعمل الوزارة على دمج هذه المسؤولية بالجهود المبذولة لإعادة تنظيم قطاع الصحة في مجالات الرعاية الصحية والخريطة والبطاقة الصحيتين ونظام الاحالة والسياسة الدوائية وسواها. ولفت عضو المجلس الوطني للضمان الاجتماعي عادل عليق الى أن المصروف على الصحة يرتفع بين ثمانية وتسعة في المئة سنوياً في حين ارتفع معدّل دخل الأسرة 5,6 في المئة. ومع ذلك تتناقص موزانة وزارة الصحة ليرصد لها اخيراً من الموازنة العامة 6,6 في المئة، ويبقى أن 46 في المئة من تمويل الفاتورة الصحية يتكبده المواطنون. وأوضح أن الأسباب التي تقف خلف زيادة الفاتورة الصحية تتمحور حول النسبة الكبيرة من المواطنين غير المضمونين الذين لا يخضعون لإدارة سليمة لشؤونهم الصحية، بالإضافة إلى ضعف استهلاك الخدمات الوقائية، حيث بلغت في العام 1999، 5,5 في المئة حسب «نقابة الأطباء». ومن الأسباب أيضاً النظام الرقابي الضعيف لدى الجهات الضامنة وعدم التوازن في العقد مع المستشفيات، وعدم تطبيق الخريطة الصحية من قبل الوزارة، وارتفاع سعر الدواء بالمقارنة مع الدول الأخرى، وحصرية 98 في المئة منها لصالح شركات محددة. هكذا، اعتبر المدير العام «للهيئة الصحية الإسلامية» عباس حب الله أن هناك تحدّيا أساسيا في تنفيذ أي استراتيجية في ظلّ الفساد والهدر وترهل الدولة. وأكد أن أولى بوادر الحلول تبدأ حين ينظر إلى الحاجات الأساسية للمواطنين كحقوق إنسانية، وإلى المحتاجين كمواطنين، وإلى المواطن التابع كمواطن مشارك. أما الدكتور إسماعيل سكرية فرأى أن الضمان ما زال يحاكي لغة الستينيات منذ تأسيسه. وينظر له كمؤسسة لـ«الهبش»، مقدماً مثالاً على ذلك الفواتير الوهمية والاستشفاء الوهمي، شارحا «منذ سنوات تحدثت عن 7500 استشفاء وهمي في إحدى المناطق، وعن هدر يقدر بـخمسة وعشرين في المئة، أي مئة مليون دولار»، مشيرا إلى أن لبنان يملك ثاني أغلى فاتورة صحية في العالم بعد الولايات المتحدة. وأوضح ان التنفيذ التدريجي لقانون الضمان الذي ينتهي بشمول جميع المواطنين، لم يطبق حتى الآن بالرغم من توسيع شريحة المستفدين من التقديمات الصحية، كالسائقين العموميين وطلاب الجامعات، وان اقرار استفادة المضمونين الاختياريين من الضمان الصحي، أقر على عجل بأمر سياسي ومن دون ان تدرس تأثيراته المالية على التوازن المالي الخاص به، ما اوقع المضمونين والضمان والمستشفيات في واقع لا يحسدون عليه، وبات المضمونون يستجدون الاستشفاء على ابواب المستشفيات.
نظام التقاعد
إذا كان الأمل ضعيفاً بإرساء نظام تغطية صحية شامل، فإن موضوع بلورة نظام حديث للتقاعد بدا ميؤوساً منه، وفقاً لمداخلات المحاضرين في الجلسة التي تلت. وقد اختصرت كلمة الوزير شربل نحاس، ما كانت ستأتي عليه المداخلات اللاحقة. واعتبر نحّاس انه ما من أحد يهتم بطمأنينة الناس بعد فترة عملهم لا سيما اننا نتحدث عن دولة «يرتهن فيها المسؤولون ويبيعون مواقفهم بأبخس الأثمان»، لافتا إلى ضرورة أن تكون كل المدفوعات للأجراء إلزامية و«تنزل في حساب مصرفي مرفوعة عنه السرية المصرفية وهذا مصاغ وموجود. وعلينا الأخذ بالاعتبار أيضا أن حصة الأجور من الناتج الإجمالي غير طبيعية، والمدخل الأساسي للتكافل هو النظام الضريبي وليس فقط الاشتراكات من الكتلة الهزيلة من الأجور». أما أبراهيم مهنا فأكد أن المعاش التقاعدي الثابت بعد أربع سنوات لن يكفي المتقاعد في حال حدوث تضخم، و«معنى ذلك أنّه علينا ربط المعاش التقاعدي بنسبة مئوية من الأجور». وبرهن المدير العام للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي عن ذلك بالأرقام، فلفت إلى أن 17 ألف شخص سحبوا تعويضاتهم بين العامين2007 و2011، وبلغ متوسط التعويض الواحد 15 مليون ليرة، ما يعني أن متوسط التعويضات لا يكفي المتقاعد لأكثر من سنتين. وهي معلومة استدعت تعليق نحاس الذي لفت إلى أن تعويضات نهاية الخدمة كانت لتزيد بحوالى ستين في المئة لو أدخل بدل النقل في صلبها. وعدّد كركي سلسلة ملاحظات على مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية، كما عدّلته اللجان النيابية المشتركة، منها الخلط بين السلطة التقريرية وبين السلطة التنفيذية بسبب تعيين أعضاء متفرغين في هيئة مكتب مجلس الإدارة، وعرقلة سير عمل المؤسسة بسبب تعدد الوصايات بين وزارتي العمل والمالية. ويحتاج المشروع بنظره، بعد تنفيذه قانونيا، إلى استصدار خمسة وعشرين مرسوما، محذرا من تجاذبات سياسية يمكن أن تعيق بعض تفاصيل المشروع . بدوره، دعا الدكتور هيام ملاط إلى توحيد أنظمة التقاعد، خصوصاً أنه في لبنان توجد ثلاثة أنظمة، واحد يعود إلى موظفي الدولة من العسكر الذين يتقاضون راتباً وتعويضاً عند نهاية الخدمة، وآخر مخصص لموظفي الدولة من المدنيين الذين يحتسب لهم 34 شهراً بحسب الراتب الأخير الذي تقاضوه عند التقاعد، بينما يحسب للأجراء في القطاع الخاص خمسون شهراً بحسب الراتب الأخير.
ضمان ... لبطالة؟
انتهى المحور الثالث من المؤتمر حول إصلاح الضمان الاجتماعي، بمعالجة موضوع ضمان البطالة. الا أن المحبط كان أن المحاضرين اللذين توليا الإضاءة عليه أجمعا على أنه «خارج نطاق البحث على صعيد الدولة اللبنانية». استهلت ممثلة «البنك الدولي» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتورة حنين السيّد مداخلتها بالتأكيد أن أنظمة الحماية في لبنان غير كافية، وتشوّه سوق العمل وتحدّ من الإنتاجية. وقدّمت مثالاً على نظام يضمن راتباً للمتعطلين عن العمل، بدأ العمل به في عدد من البلدان، إذ يُقتطع من راتب كل أجير جزء محدد لصندوق خاص، يعود إليه براتب شهري في حال واجه البطالة. وألمحت الى أن مثل تلك الأنظمة غير موضوعة في سلم الأولويات في لبنان، لكنها نوّهت بمشروع مكافحة الفقر الذي بــدأت تعــمل به وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال ما يعرف بشبكة الآمان. من جهته، أشار الباحث الاقتصادي الدكتور كمال حمدان إلى أن وضع نظام ضمان للبطالة، يساهم في التخفيف من نسب الفقر، ويساعد في تعزيز استهلاك أسر المتعطلين عن العمل. ويقدّم ضمان البطالة لفئة الناس التي تكون قد عملت وتركت عملها لسبب أو لآخر، والتي تبحث عن عمل آخر. وفي أنظمة ضمان البطالة، يعطى العاطل عن العمل راتباً شهرياً لمدة زمنية محددة يساوي أربعين في المئة من أجره الأخير شرط أن لا يقل عن ثمانين في المئة من الحدّ الأدنى للأجور. السفير 17-3-2012