٢ أيلول ٢٠٢٥ 
كتب فؤاد بزي دمّر العدو الإسرائيلي البنية التحتية للمياه في منطقة جنوب نهر الليطاني بشكل منهجي وكبير. إلا أن هذه البنية كان نصيبها المحو الكامل في المنطقة التي تبعد 5 كيلومترات عن حدود فلسطين المحتلة. وبعد الحرب، لم يعد العدو هو المساهم الأوحد في عطش الجنوبيين، بل أُضيف إليه سلوك حكومي متبرِّئ من تثبيت الناس وإعادتهم إلى أرضهم، لذا سحبت الموارد المالية من مصالح الماء المولجة بإعادة التأهيل ما منع دعم العودة عبر إصلاح شبكات المياه. وفي النتيجة، تقضي هذه الخطوة على ما تبقى من نشاط زراعي، وترتب أعباءً إضافية على العائدين المضطرين إلى الاعتماد على الصهاريج لإيصال الماء إلى بيوتهم، وترهق الآبار الجوفية المستنفذة أصلاً، وتسبب ضرراً بيئياً إضافياً بسبب تعطّل محطات الصرف الصحي أيضاً. منذ بداية الاعتداءات في تشرين الأول من عام 2023 حتى الآن، بلغ إجمالي قيمة الأضرار المباشرة على البنية التحتية المائية 171 مليون دولار، وفقاً للبنك الدولي، الذي قسّمها إلى 7 ملايين دولار خسائر على مؤسّسات المياه نتيجة إعفاء الدولة الناس من دفع الفواتير، و24 مليون دولار أكلاف تشغيلية إضافية، و140 مليون دولار كلفة إعادة تأهيل كامل الشبكة، زائد خسائر المشتركين المضطرين إلى تأمين المياه من مصادر أغلى بعشرة أضعاف. فقد تركت الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة والمقصودة على منشآت المياه في الجنوب، هذا القطاع في حالة خراب أسهم في مضاعفتها الإهمال الرسمي. وبحسب تقرير مشترك لكلّ من منظمة «الاسكوا واليونيسيف ومكتب الأمم المتحدة الإنمائي»، سُجّل تدمير 60% من مصادر المياه السطحية والآبار في المنطقة الحدودية، ما أدّى إلى حرمان 700 ألف شخص من خدمات المياه المنتظمة. فالقصف استهدف محطات الضخّ، والآبار، والخزانات، وأنظمة الكهرباء من مولّدات أو ألواح الطاقة الشمسية التي تغذّيها بالطاقة، وفي المناطق التي احتلّها العدو، خرّب شبكات الأنابيب بشكل كامل، بحسب ما جاء في تقرير مشترك لكلّ من منظمة «أوكسفام» ومنظمة «العمل ضد الجوع». في محافظتي النبطية ولبنان الجنوبي، دُمّرت 26 محطة ضخ عامة، ما يوازي 58% من المحطات، والتي تعدّ «العمود الفقري لشبكة المياه. وبحسب التقرير معظم المحطات المستهدفة تبعد نحو 5 كيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلة، ما يشير إلى رغبة العدو في ضرب مقوّمات الحياة في هذه المنطقة. وأهم المحطات المستهدفة، محطة «الميسات» التي تغذّي 150 ألف شخص بالمياه في 30 بلدة. كما خرّب العدو 28 شبكة أنابيب عامة، و46% من الخزانات العامة الكبيرة، و64% من خزانات القرى، فضلاً عن تضرّر 23% من محطات معالجة المياه. وفي صور أيضاً، قصفت محطة ضخّ رئيسية فقطعت المياه عن 72 ألف شخص. وفي قرية يارين، في قضاء صور، يعتمد الناس لتأمين المياه على الآبار الخاصة بسبب تدمير العدو لشبكة المياه بشكل كامل. وفي الناقورة، دمر العدو الآبار الارتوازية، فلم يبقَ أي مصدر لاستخراج أو إيصال المياه في المنطقة. كما عمد العدو إلى تدمير مصادر الطاقة التي تعتمد عليها المضخات لتحريك المياه. ووفقاً لتقرير «أوكسفام»، أخرجت الاعتداءات 7 مشاريع طاقة شمسية مرتبطة بشبكات المياه. ففي قرية طيرحرفا، استهدفت غارة جويّة محطة مؤلفة من 200 لوح طاقة شمسية مخصصة لتشغيل مضخة المياه في القرية التي كانت تخدم 4 آلاف شخص، ويذكر التقرير أنّ كلفة هذه الألواح 130 ألف دولار موّلها أهل القرية على حسابهم الخاص. وفي رميش أيضاً، استُهدفت محطة الطاقة الشمسية الخاصة بمضخّة المياه، ما عرقل وصول الماء إلى 1325 منزلاً. أما أضرار تدمير شبكة المياه على القطاع الزراعي، فلا يمكن حصرها لأنّها ستتراكم مع كلّ موسم زراعي يفوت المزارعين. فالقصف الإسرائيلي على القناة الرئيسية التي تنقل المياه من نهر الليطاني إلى مشروع القاسمية، منع تدفق 260 ألف متر مكعب يومياً من المياه التي تستخدم في ري 6 آلاف هكتار من أشجار الموز والحمضيات والخضار. في المقابل، يقدّر مدير عام مياه لبنان الجنوبي وسيم ضاهر حجم الأضرار المباشرة على مؤسسته بـ100 مليون دولار، ويؤكّد في المقابل «عدم وجود أموال حكومية لإصلاح الأضرار». وللدلالة على الفوضى الرسمية في التعامل مع ملف الأضرار في الجنوب، يشير ضاهر إلى «إعفاء مجلس الوزراء المشتركين في مياه لبنان الجنوبي من دفع اشتراكاتهم السنوية، وهو حقّهم بعد الاعتداءات، إنّما أدّى إلى حرمان المؤسسة من مقدراتها التي كانت ستستخدمها في إعادة تأهيل الشبكة». بالتالي، حوّلت الفوضى الحكومية مؤسسة مياه لبنان الجنوبي من التمويل الذاتي إلى الاعتماد على الجهات المانحة لإصلاح الأعطال وإعادة تأهيل الشبكات. على سبيل المثال، يقوم الصليب الأحمر الدولي بإعادة تأهيل محطة المياه في الوزاني، وتولت «UNDP» تأهيل محطة الطيبة. أما على مستوى أعمال إعادة التأهيل، ورغم الصعوبات المالية والأمنية، فعادت المياه إلى القرى الحدودية، ولكن بصعوبة، إذ يشير ضاهر إلى أنّ الأضرار على الخزانات هي العائق الأبرز أمام إعادة التأهيل. «في كفركلا تستخدم المؤسسة شبه خزانات لضخ المياه إليها، وفي ميس الجبل أعيد تشغيل الشبكة في عدد من أحياء البلدة». المصدر : صحيفة الأخبار ملاحظة: المواد المنشورة في هذا الباب تمثل آراء كاتبيها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ادارة الموقع. |