مقالات صحفية مختارة > نمو عجز الدولة والمخاطر يغذّي تراجع المؤشرات والخدمات
عدنان الحاج السفير : 29-8-2012
كلّ شيء في لبنان يتراجع، أو يسير بخطى ثابتة إلى التراجع، باستثناء عنصرين ينموان بشكل دائم ومتصاعد وبشكل ملحوظ، أوّلهما عجز الموازنة والخزينة، ومن ضمنها عجز «مؤسسة كهرباء لبنان» الذي يأكل نصف عجز الموازنة العامة وحدها مع نمو تردي خدماتها. والعنصر الثاني نمو التضخم والغلاء وتزايد البطالة. هذا الكلام لا يفرق بين القطاعين العام والخاص ولا بين المؤسسات والقطاعات الإنتاجية على اختلافها، ويمكن تعداد عشرات الأمثلة عن محطات التراجع مقابل أي عنصر من التحسن في أي من المجالات. هذا في الاقتصاد، أما في السياسة فإن العنصر الوحيد الذي ينمو باستمرار هو عنصر التشرذم السياسي المجبول بالطائفية والمذهبية التي تغذيها الغرائز وخطب المرجعيات. بالعودة إلى العناصر الاقتصادية والمعيشية يمكن التوقف عند الأمور الآتية: 1- في المؤشرات الأساسية هناك الموضوع الاجتماعي المرتبط بالقضية الأمنية وقضية مؤسسات الدولة الغائبة وهي أهم عناصر الإنتاج في خدمة المواطن وخلق فرص العمل. هذه القضية متراجعة إلى أقصى الحدود بدليل ما يظهر يومياً على الطرقات والمناطق من توترات أمنية نتيجة التوترات السياسية. 2- في القضية المالية والاقتصادية، فإن كل المؤشرات إلى تراجع من النمو الاقتصادي الذي كان 7 في المئة منذ سنتين، وهو لن يزيد عن 1,5 في المئة خلال العام الحالي. في ميزان المدفوعات فانه سجل عجزاً تراكمياً يفوق 1300 مليون دولار خلال سبعة أشهر بعدما سجل فائضاً يفوق الـ2000 مليون دولار في العام 2010 وهو يستمر في التراجع اليوم. في حركة الودائع المصرفية فقد سجلت نمواً بحدود 3,5 في المئة، وهي كانت تخطت الـ11 في المئة خلال العام 2011، وهذا يعني أن الودائع لم تحصل قيمة الفوائد التي تدفع على هذه الودائع على الرغم من أن النشاط المصرفي لا يزال أفضل من غيره. أمّا أرباح القطاع المصرفي فقد تراجعت أكثر من 4,1 في المئة خلال النصف الأول. 3- على صعيد التجارة والسياحة والخدمات فإن السياحة التي يفترض أن تستفيد أكثر نتيجة الأوضاع في مصر وسوريا، فقد خسرت حوالي 34 في المئة عن العام 2011 من نشاطها نتيجة التطورات والتوترات التي لم تنته فصولها بعد. 4- على صعيد الكهرباء وأعباء الخدمات فإن العام الحالي هو الأسوأ على صعيد التغذية الكهربائية نتيجة تردي أوضاع المجموعات والأعطال حيث تنتج «مؤسسة كهرباء لبنان» أقل من 1300 ميغاوات، في حين أن الحاجة الاستهلاكية تفوق الـ2600 ميغاوات، هذا من دون الأعطال الطارئة التي تخفض التغذية إلى ما دون الـ6 و8 ساعات يومياً، وهو أمر لم يحصل في ظل الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وفي أصعب ظروف الحرب الأهلية. على صعيد تقديمات الضمان الاجتماعي والتقديمات الصحية فهي أكثر من سيئة بدليل تردي التقديمات وتزايد الكلفة والخلافات على التعريفات مع المستشفيات، وزيادة الاشتراكات على المؤسسات من دون تحسين الخدمات. كذلك الأمر بالنسبة إلى الكهرباء وهو أمر متشابه من حيث الأعباء وتحول الخدمة الى الأسوأ والكلفة إلى الأعلى، بمعنى الخدمة الأسوأ بالكلفة الأغلى. 5- أمّا التضخم فهو الأعلى نتيجة ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الأخيرة، حيث التضخم على صعيد سنوي سيفوق الـ10 في المئة خلال وقت قياسي، في الوقت الذي دعيت فيه لجنة المؤشر الى الاجتماع للبحث في نسب غلاء المعيشة المسجلة لهذا العام في الاول من أيلول. هذا في وقت تعاني المؤسسات التجارية والصناعية من ضعف التسويق والإنتاج والتصدير مما يهدد آلاف العمال بحالات الصرف. هكذا تكون نسبة البطالة بين صفوف العمال مهددة بالتزايد بمعدل 3 إلى 5 في المئة نتيجة أعمال الصرف التي تنتظر العاملين في المؤسسات التجارية والسياحية وهو موضوع تحرك «الهيئات الاقتصادية» المقبل. تكفي الإشارة هنا إلى تراجع عدد المؤسسات الجدية 16,6 في المئة خلال 6 أشهر مقارنة مع العام 2011 الذي كان سيئاً أصلاً. لا شك في أن هناك عناصر مشتركة بين الدولة وأصحاب العمل في رفض أو تجاهل البحث في تصحيح الاجور والتهويل من النتائج على الاسعار والتضخم والقطاعات والمؤسسات، وهي محاولات لن تستطيع تغطية حجم الازمة الاجتماعية والمعيشية على أصحاب الدخل المحدود من جهة، ولن تستطيع كذلك تخطي اقرار التصحيح ولو كان مبلغاً مقطوعاً لا يغطي الحاجة أو جزءاً منها كما حصل خلال العام الماضي، بالزيادة المقطوعة بقيمة 200 ألف ليرة لكل العاملين في القطاعين العام والخاص. على صعيد عجز الموازنة العامة والخزينة والنفقات، طبيعي ان يسمع مجلس الوزراء كلاماً من وزارة المالية حول الانعكاسات في النفقات العامة والاستثمارية وكذلك بالنسبة لكلفة التعيينات على أجور القطاع العام والموظفين، والمتعاقدين العاملين في المؤسسات العامة والإدارات. حسب الإضاءات المتوافرة فإن عدد موظفي القطاع العام يقدّر اليوم بحوالي 215 إلى 220 ألفاً (السلسلة وضعت على أساس 175 ألف موظف في القطاع العام) مع المتقاعدين البالغ عددهم حوالي 45 ألفاً. وان حجم رواتب القطاع على حسابات المالية يقدّر بحوالي 4600 (يرتقب أن يتخطى 5900 مليار ليرة بعد الزيادة والسلسلة)، أي حوالي 4 مليارات دولار، تقريباً يضاف إليها معاشات التقاعد وتعويضات الصرف المقدرة بحوالي 1500 مليار ليرة، حسب موازنة العام 2011 بمعنى أن الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية تصل إلى حوالي 6100 مليار ليرة، أي أكثر من 4 مليارات دولار، وهو أمر مرشح للزيادة في حال تطبيق مضمون البيان الوزاري لجهة تحسين المداخيل. أمّا توزع موظفي القطاع العام حالياً فهو على الشكل الآتي: - 95500 موظف في الأسلاك العسكرية والأمنية بينهم الإداريون في هذه المؤسسات. - 44500 موظف ومستخدم في الإدارات العامة بينهم المعلمون والمتعاقدون. - 21900 موظف في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة. - 6290 موظفاً في الجامعة اللبنانية. - 14000 متعاقد بينهم حوالي 12000 في قطاع التعليم ثبت جزء منهم مؤخراً، وقد زاد عدد هؤلاء حسب إحصاءات الضمان حوالي 2,4 في المئة. انطلاقاً من هذا الواقع فأنه لا شيء يبشر بإمكانية توقف الارتفاعات الكبيرة للسعر على المدى القريب، باعتبار ان كل السلع الأساسية تقع تحت وطأة الطلب والتخزين لدى معظم الدول المستهلكة وحتى المنتجة من النفط الى المعادن إلى الغذاء وحتى المواد الداخلة في قطاع البناء. وطبيعي أن تكون الدول الفقيرة هي الأكثر تضرراً باعتبارها لا تملك قدرات تصديرية وإنتاجية تعوض تزايد كلفة استهلاكها. ولبنان يقع لسوء الحظ والسياسات المعتمدة أو المفروضة عليه ضمن المجموعة الأكثر تضرراً كونه يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجاته الاستهلاكية ومواده الأولية للصناعة. السؤال الكبير هنا ماذا يفعل لبنان وماذا تفعل الدولة وقطاعاتها الإنتاجية إذا وصل سعر برميل النفط إلى 125 أو 130 دولاراً؟ في التحليل فإن أسباب الغلاء متعددة والآتي منها أكثر من المتوقع، الأمر الذي يتطلب استراتيجية أخرى غير سياسة المعالجة العشوائية القائمة لعدم وجود سلطة للدولة على المؤثرات الخارجية وهي الأقوى. السؤال الأخير كيف يمكن أن تنمو القطاعات في ظل الظروف المتردية والإدارة المشتتة في ظل عدم الاستقرار المقيم؟ السؤال سهل لكن الجواب صعب في تركيبة سياسية مفككة أكثر من الإدارة والقطاعات الخدماتية والإنتاجية.